نتنياهو وغانتس... تسوية لا تتعهد بمنع الانفجار

بعد ضغوط سياسية وشعبية وإعلامية لتفادي انتخابات رابعة

احتجاجات شعبية مستمرة في اسرائيل ضد التعامل مع كورونا والفساد (رويترز)
احتجاجات شعبية مستمرة في اسرائيل ضد التعامل مع كورونا والفساد (رويترز)
TT

نتنياهو وغانتس... تسوية لا تتعهد بمنع الانفجار

احتجاجات شعبية مستمرة في اسرائيل ضد التعامل مع كورونا والفساد (رويترز)
احتجاجات شعبية مستمرة في اسرائيل ضد التعامل مع كورونا والفساد (رويترز)

رضخ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيس الحكومة البديل وزير الأمن، بيني غانتس، للضغوط السياسية والشعبية والإعلامية، وتوصلا إلى تسوية للأزمة الائتلافية، وبموجب هذه التسوية صادقت اللجنة المالية البرلمانية على مشروع قانون «تأجيل تمرير الميزانية لـ120 يوماً»، بغرض منع حل الكنيست (البرلمان)، لكن المراقبين اعتبروا هذه التسوية «موقتة». وقالوا إنها من شبه المستحيل أن تصمد حتى نهاية المدة، ويمكن ألا تستغرق أكثر من ساعات قليلة.
وحسب التسوية، يفترض أن تقر الهيئة العامة للكنيست هذا القانون، مع منتصف ليلة (الاثنين - الثلاثاء)، لكن حزب الليكود بزعامة نتنياهو عاد ليطرح مطالب جديدة. وظلت الأمور ضبابية حتى اللحظة الأخيرة. وتبادل الطرفان الاتهامات بالعمل على تفجير الاتفاق. وقال وزير الزراعة، ألون شوستر، من حزب «كحول لفان»، إن «نتنياهو رضخ لضغوط رفاق له من اليمين هددوه بتفكيك تكتل اليمين إذا قاد البلاد إلى انتخابات أخرى، هي الرابعة في غضون 18 شهراً، لكن لا يوجد أي ضمان بألا يعيد تكرار التجربة ويفرط الائتلاف الحكومي للذهاب إلى الانتخابات، فهو يضع لنفسه هدفاً واحداً، أن يغير القانون بشكل يؤدي إلى تجميد محاكمته بتهم الفساد». وأضاف شوستر، أنه بما أن نتنياهو «يعرف أننا لن نساعده في ذلك، ولن نسمح بتسلل الفساد إلى القضاء، فإنه يسعى للمغامرة الأخيرة بخوض الانتخابات. وهو يأمل أن تصدق استطلاعات الرأي فتسفر الانتخابات عن تشكيل حكومة يمين متطرف تسن مشروع (القانون الفرنسي)، الذي ينص على منع محاكمة رئيس حكومة طالما هو يمارس مهامه».
وكانت استطلاعات الرأي الأخيرة قد أشارت إلى أن شعبية نتنياهو تتراجع بين الجمهور. وحسب الاستطلاع الذي أجرته «القناة 13» للتلفزيون الإسرائيلي، وبثّت نتائجه مساء الأحد، فإن 59 في المائة من الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو هو المسؤول عن دفع البلاد إلى انتخابات جديدة، «فقط 20 في المائة من المستطلعة آراؤهم قال إن غانتس هو المسؤول عن ذلك»، وقال 50 في المائة من الإسرائيليين إن الاعتبارات التي تؤثر على قرارات نتنياهو في إدارة أزمة الحكومة، تتعلق بمستقبله القضائي الشخصي في محاكمة الفساد، «بينما اعتبر 18 في المائة أن مصلحة الدولة هي ما يحرك نتنياهو، وقال 14 في المائة إن الاعتبارات المركزية التي تؤثر على قرارات نتنياهو تنبع من الخلافات الآيديولوجية مع شركائه في الحكومة».
ويبدو واضحاً في النتائج أنه إذا أُجريت الانتخابات اليوم، فإن الليكود بزعامته سيهبط من 36 نائباً إلى 31 نائباً. ومع ذلك فإن الإسرائيليين لا يجدون لهم بديلاً عن نتنياهو في قيادة إسرائيل. والأصوات التي سيخسرها ستذهب إلى حزب يميني آخر أكثر تطرفاً، هو اتحاد أحزاب اليمين الاستيطاني «يمينا»، برئاسة وزير الدفاع السابق، نفتالي بنيت، الذي سيضاعف قوته 3 مرات تقريباً من 6 نواب إلى 18 نائباً. وفي حالة كهذه، سيحقق تكتل اليمين برئاسة نتنياهو أغلبية 63 مقعداً (من مجموع 120). والسبب في ذلك أن الجمهور الإسرائيلي لا يرى منافساً جدياً له في المعسكر الآخر، ويعتبرون الجنرال غانتس، رئيس أركان الجيش الأسبق، شخصية ضعيفة. وعندما سئل من هي الشخصية الأنسب لرئاسة الحكومة، جاء نتنياهو في المرتبة الأولى، وحظي بدعم 38 في المائة من المستطلعة آراؤهم، يليه نفتالي بنيت الذي حظي بدعم 17 في المائة، ثم رئيس حزب «ييش عتيد» وزعيم المعارضة، يائير لبيد، الذي حصل على دعم 15 في المائة، فيما لم ينل غانتس رئيس حكومة سوى 9 في المائة، من المستطلعين.
والمعروف أن أحزاب معسكر اليمين، كانت قد وعدت نتنياهو بدعمه في سن القانون الفرنسي الذي يؤدي عملياً إلى تجميد محاكمة نتنياهو إذا فاز في الانتخابات برئاسة الحكومة. واليمين لا يطرح مرشحاً آخر سواه. والمقربون منه يمارسون ضغوطاً عليه لتفكيك الائتلاف القائم حالياً والتوجه إلى الانتخابات، «فهذه فرصتك الوحيدة للنجاة من حبل المحكمة». ولكن بعض حلفائه من الأحزاب الدينية هددوه بفك الارتباط معه، إذا ذهب لانتخابات، مؤكدين له أن الجمهور تعب وليس معنياً بها، وقد يعاقب من يجره إليها.
غير أن نتنياهو، عقد مؤتمراً صحافياً، مساء الأحد، وأعلن بشكل مفاجئ أنه ليس معنياً بالانتخابات، وأنه يقبل الحل الوسط في موضوع الموازنة، واستغل المنصة ليهاجم حلفاءه من «كحول لفان» بشكل حاد. وقال إنه «حان وقت الوحدة وليس الانتخابات، دعونا نتحد ونعمل معاً لتحقيق مزيد من الأهداف». وبدا أنه يتكلم بلهجة الدعاية الانتخابية. وردّ عليه حزب «كحول لفان» ببيان مقتضب، قال فيه: «ندعو رئيس الحكومة إلى العودة إلى رشده والالتفات إلى مصلحة الدولة وليس إلى مصلحته الشخصية. فبينما يتوقع 9 ملايين مواطن الوحدة والتعامل مع التحديات الأمنية وأزمة كورونا، فإن الليكود ينخرط في مراوغات سياسية، ونتنياهو يبصق في وجه المواطنين الإسرائيليين لأسباب شخصية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟