«هدنة كاتيوشا» تتزامن مع بدء تسليم الأميركيين مواقعهم العسكرية للعراقيين

«التحالف الدولي» منع قنوات «ممولة إيرانياً» من تغطية تسليم معسكر التاجي

جانب من مراسم تسليم قاعدة التاجي شمال بغداد من قبل الجيش الأميركي إلى نظيره العراقي أمس (إ.ب.أ)
جانب من مراسم تسليم قاعدة التاجي شمال بغداد من قبل الجيش الأميركي إلى نظيره العراقي أمس (إ.ب.أ)
TT

«هدنة كاتيوشا» تتزامن مع بدء تسليم الأميركيين مواقعهم العسكرية للعراقيين

جانب من مراسم تسليم قاعدة التاجي شمال بغداد من قبل الجيش الأميركي إلى نظيره العراقي أمس (إ.ب.أ)
جانب من مراسم تسليم قاعدة التاجي شمال بغداد من قبل الجيش الأميركي إلى نظيره العراقي أمس (إ.ب.أ)

سلّم التحالف الدولي الموقع الثامن في قاعدة التاجي (شمال بغداد)، أمس (الأحد)، إلى الجانب العراقي، مفتتحاً خطة إعادة الانتشار التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ووزير خارجيته مايك بومبيو، خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إلى الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً.
وأصدر التحالف الدولي بياناً أكد فيه تسليم الموقع للجانب العراقي، فيما أكد مايلز كيكنز، المتحدث باسم التحالف، أنه تم تسليم معدات بقيمة 347 مليون دولار للقوات العراقية في معسكر التاجي. وقال المسؤول الدولي إن «القادة قاموا بتحويل ممتلكات ومعدات بقيمة 347 مليون دولار إلى قوات الأمن العراقية في معسكر التاجي». وأضاف أن «تسليم هذا الموقع كان مخططاً له منذ فترة طويلة ومنسقاً بالكامل مع القوات العراقية بعد النجاح ضد (تنظيم داعش)». وجاء في بيان التحالف الدولي أن «إعادة تموضع الأفراد العسكريين هو جزء من خطة طويلة المدى تم التنسيق لها مع حكومة العراق‎».
من جانبه، وصف اللواء كينيث إيكمان، نائب قائد قوة المهام المشتركة، عملية العزم الصلب: «إنه يوم تاريخي حقاً... فعلى مدى السنوات ‏الست الماضية، كان معسكر التاجي بمثابة الموقع الأساسي لشركاء التحالف لتدريب الجيش العراقي والقوات الجوية العراقية والقوات ‏الخاصة‎». وأكد: «لقد مكنت جهود التحالف العراقيين من إدارة البرنامج التدريبي بأنفسهم، من اليوم فصاعداً، ستتولى قوات الأمن العراقية ‏المسؤولية الكاملة عن المرافق والبرامج في التاجي، وستواصل تشغيل الموقع وإدارته وإجراء التدريبات كجزء من مهمة هزيمة ‏الفلول المتبقية لـ(داعش) في العراق‎».
في السياق نفسه، أعلن المتحدث الرسمي باسم العمليات المشتركة العراقية، اللواء تحسين الخفاجي، في بيان صحافي، أن «القاعدة الجديدة التي سلمتها قوات التحالف الدولي كانت توجد فيها قوات أسترالية ونيوزلندية وأميركية». وأضاف أن «القوات المنسحبة ستعود إلى بلادها أو إلى قواعدها التي توجد في دول الخليج». وتابع الخفاجي: «هناك مواقع كثيرة ستستلمها القوات العراقية من التحالف الدولي خلال الأيام المقبلة، وفق الجداول الزمنية المتفق عليها».
وعلى الرغم من الخلاف بشأن مفهوم إعادة الانتشار فيما إذا كان باتجاه قواعد أميركية خارج العراق، لكنها قريبة منه، أو إلى قاعدتي «عين الأسد» في محافظة الأنبار أو «حرير» في أربيل، فإن اللافت للانتباه توقف صواريخ الكاتيوشا منذ زيارة الكاظمي إلى واشنطن، حتى بدء عملية الانسحاب التدريجي من المواقع العسكرية العراقية التي يوجد فيها الأميركيون. ورغم إعلان الفصائل المسلحة عدم رضاها عن نتائج زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة، فإن توقف إطلاق الصواريخ منذ نحو أقل من أسبوع نحو المنطقة الخضراء حيث السفارة الأميركية أو موقعا التاجي والمطار لا يزال يحمل في طياته أسئلة.
وبشأن عملية إعادة الانتشار، يقول الخبير الاستراتيجي المتخصص بالشؤون الأمنية الدكتور معتز محيي الدين، رئيس المركز الجمهوري للدراسات السياسية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الرئيس الأميركي ترمب ربط موضوع انسحاب القوات الأميركية من العراق بموضوع آخر، حين قال إن الحكومة العراقية ستصبح قادرة على حماية أمنها الداخلي، وحدّد الإعداد لذلك على ضوء هذه الحالة التي تعتبر حالة غير طبيعية في الوقت الحاضر، فضلاً عن وجود (داعش) وما يشكله من مخاطر». وأضاف: «نحن حيال وضع جديد، حيث إن الأميركيين يحاولون حالياً إعادة الانتشار مرة ثانية، وهو ما يعني أن القوات الأميركية تناور هنا وهناك، حسب حاجة القوات العراقية في التدريب والتأهيل وإدارة هذه القوات في مرحلة لاحقة طبقاً للاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة».
اللافت أن قوات التحالف الدولي منعت كوادر قنوات «العهد» التابعة لـ«عصائب أهل الحق» و«العالم» الإيرانية و«النجباء»، التابعة لميليشيا «النجباء» من تغطية مراسيم تسليم معسكر التاجي إلى القوات العراقية. ومعروف أن القنوات الثلاث تنتمي إلى «اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية» التي تشرف عليه وتموله إيران. معروف أيضاً أن هذه القنوات الفضائية تناهض الوجود الأميركي وتدعو لإخراجهم من العراق، وتضع نفسها في خانة ما يسمى «محور المقاومة».
وأظهر شريط مصور لمراسل قناة «العهد»، وهو يتحدث عن عملية منعهم من تغطية الحدث، قائلاً: «جاءتنا دعوة من قيادة العمليات المشتركة لتغطية هذه الفعالية، لكن قوات التحالف الأميركي منعت طواقم القنوات الفضائية من الدخول بشكل انتقائي». وأضاف أن «القنوات هي العهد والعالم والنجباء، وتم منعنا من الدخول إلى القاعدة وتغطية الفعالية، على الرغم من دعوة العمليات المشتركة لتغطيتها، والمنع كان بشكل مفاجئ، ويتنافى مع حرية التعبير عن الرأي وحق الإعلام بنقل المعلومة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.