بري يوقف تشغيل محرّكاته لاصطدام مشاوراته بحائط مسدود

رؤساء الحكومات: ترحيل الاستشارات المُلزمة مصادرة لصلاحيات الرئيس المكلّف

رئيس البرلمان نبيه بري (المركزية)
رئيس البرلمان نبيه بري (المركزية)
TT

بري يوقف تشغيل محرّكاته لاصطدام مشاوراته بحائط مسدود

رئيس البرلمان نبيه بري (المركزية)
رئيس البرلمان نبيه بري (المركزية)

كشفت مصادر نيابية لبنانية بارزة أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري اتخذ قراره بالانكفاء عن التدخُّل لتذليل العقبات التي تعترض الإسراع في تشكيل حكومة جديدة، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إنه أوقف تشغيل محرّكاته بعد أن أدرك في ضوء مروحة الاتصالات والمشاورات التي قادها أنه اصطدم بحائط مسدود ولم يتمكّن من فتح كوّة في جدار الأزمة التي لا تزال تراوح مكانها وتؤخر ولادة الحكومة العتيدة من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة تشجعه على المضي في مهمته.
ولفتت المصادر النيابية إلى أن الرئيس بري يمكن أن يعيد النظر في موقفه بوقف تشغيل محرّكاته، في حال أن الأطراف المعنية أدركت أن التداعيات التي خلّفتها الكارثة التي أحدثها الانفجار المدمّر في مرفأ بيروت لا تعالج بوجود حكومة تصريف أعمال، بل بحكومة جدية فاعلة، وإنما ليست على شاكلة حكومة حسان دياب.
وقالت إن رئيس المجلس سعى جاهداً لتحقيق إنجاز ما يمكن أن يؤسس لمرحلة سياسية جديدة تبدأ بتحديد موعد لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة، شرط أن تنطلق من التفاهم على العناوين الرئيسية للمشروع الإنقاذي، وصولاً إلى توظيف الزيارة الثانية المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في أوائل سبتمبر (أيلول) المقبل، باعتبار أنه يشكّل نقطة ارتكاز للإفادة من عودة الاهتمام الدولي بلبنان الذي اقتصر حالياً على تقديم المساعدات الإنسانية.
وسألت المصادر النيابية ما إذا كان ماكرون باقياً، أم لا، على التزامه بعودته ثانية إلى بيروت في حال أنه لمس بأن زيارته الأولى لم توظَّف لفتح الباب أمام الانتقال إلى مرحلة جديدة، وإنما بقيت الأوضاع على ما كانت عليه قبل زيارته الأولى كأن الزلزال الذي أصاب العاصمة لم يحرك ساكناً لدى القوى السياسية الرئيسية.
وأكدت أن بري الذي تواصل أكثر من مرة مع ماكرون فور عودته إلى باريس، راهن على أن جميع الأطراف أبدت استعدادها لمخاطبة المجتمع الدولي بلغة واحدة، في الوقت الذي أبدى فيه الأخير حماسة قل نظيرها لمساعدة لبنان مالياً لإعادة إعمار بيروت وتوفير الدعم له لوقف الانهيار المالي والاقتصادي، شرط أن يلتزم ببرنامج إصلاحي لا عودة عنه، كما حصل في حكومة الرئيس حسان دياب التي خذلها أهل بيتها واضطر لمراعاتهم، ما تسبّب له بأزمة مع المجتمع الدولي.
وأوضحت أن بري اضطر للتدخّل في محاولة لتعطيل الألغام من أمام تسهيل ولادة الحكومة على خلفية أن الأطراف المعنية بتشكيلها أقحمت نفسها في اشتباكات سياسية مفتوحة ولم تعد قادرة على التواصل، وباتت في حاجة إلى رئيس المجلس لأنه الأقدر على التشاور مع الجميع بلا استثناء، فيما لا يزال رئيس الجمهورية ميشال عون يفتقر للعب مثل هذا الدور لأنه يتعذّر عليه إجراء المشاورات التي باشر بها بإعطائه الأولوية للتأليف على التكليف بذريعة تسهيل مهمة الرئيس المكلّف.
فرئيس الجمهورية افتقد بملء إرادته إلى دوره المحاور، وهذا ما ظهر للعيان بدعوته للتشاور في برنامج الحكومة وتركيبتها والاسم المرشح لتولي رئاستها التي اقتصرت على «جحا وأهل بيته»، باستثناء المهمة التي تولاها رئيس المجلس قبل أن يقرّر الانكفاء ولو مؤقتاً في حال أن الأطراف قررت أن تسلّم أمرها له شرط أن تقرّ سلفاً بتقديم التسهيلات المتبادلة.
وعليه، فإن بري يمضي إجازة سياسية قسرية مودعاً «كرة النار» - كما تقول المصادر - في حضن الرئيس عون أولاً، يليه الأطراف السياسية الرئيسية، فيما تصر أوساط رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على أنه لم يطرح نفسه لتولّي الرئاسة الثالثة، وأنه لم يفاجأ بموقف رئيس «التيار الوطني الحر» الرافض له، وأن المفاجأة جاءته من رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط و«القوات اللبنانية» سمير جعجع، وسيكون له الرد المناسب، خصوصاً أنه لم يفاتح أي طرف برغبته في الترشُّح لرئاسة الحكومة.
إلى ذلك، تترقّب الأوساط السياسية الموقف الذي سيصدر عن رؤساء الحكومات السابقين في اجتماعهم اليوم (الاثنين)، وفيه - كما علمت «الشرق الأوسط» - بوادر حملة سياسية شعواء تستهدف عون على خلفية أنه يصر على مصادرة صلاحيات رئيس الحكومة المكلّف في إطلاق المشاورات الخاصة بالتأليف، وهذا ما يشكل اعتداءً صارخاً على الدستور اللبناني برفضه أيضاً تحديد موعد لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة بعد أن تعذّر عليه، كما يدّعي، إجراء مشاورات ظلت محصورة بفريقه السياسي.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».