بعد زيارة واشنطن والاغتيالات... الدولة من الفرضية إلى الإثبات

احتجاجات مناهضة للحكومة في بغداد (أ.ب)
احتجاجات مناهضة للحكومة في بغداد (أ.ب)
TT

بعد زيارة واشنطن والاغتيالات... الدولة من الفرضية إلى الإثبات

احتجاجات مناهضة للحكومة في بغداد (أ.ب)
احتجاجات مناهضة للحكومة في بغداد (أ.ب)

مع دخول رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، فُعِّلَتْ عُقدُ المشهد العراقي إلى حدودها القصوى. فصائل مسلحة ترفع وتيرة الاغتيالات الممنهجة ضدّ ناشطي المظاهرات، والناصرية إلى عادتها في نزع المقرات الحزبية، بينما أطراف سياسية تريد إقالة الحكومة.
وفي طريق عودة الكاظمي إلى البلاد، وبعد أن أدلى بتصريحات عن «انتشار القوات الأميركية خارج العراق» بوصف «الانتشار» تعبيراً دقيقاً عن الانسحاب؛ رُصدت تحركات قوافل تابعة لقوات التحالف الدولي بعبوات ناسفة أضرمت فيها النيران وسط وجنوب البلاد.
وجاءت هذه الأحداث المتقاطعة والمُفعّلة حتى الساعة، بينما يفحص المراقبون زيارة الكاظمي ونتائجها بطرق مختلفة بعضها تواق للتفاؤل، وبعضها يطرح الأسئلة الجاهزة عما حققه من مكاسب تتعلق بحماية «المصالح العراقية»، فيما إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستغل الزيارة في مبارزته السياسية قبل نحو شهرين من موعد الانتخابات الرئاسية؛ ولكنّ الصورة أكثر تعقيداً من ذلك.
لقد حصلت زيارة الكاظمي على اهتمام أميركي، على المستويينِ الرسمي والإعلامي، منذ لحظة إقلاع طائرته من بغداد نحو واشنطن. ومن المناسب هنا الإشارة إلى البيت الأبيض؛ إذ لم يجهز مراسيم استقبال بهذا الحجم منذ بدء أزمة فيروس «كوفيد 19» سوى للرئيس المكسيكي ورئيس الوزراء العراقي. ومع اختتام الزيارة كتب الصحافي الأميركي ديفد إغناتيوس، في «واشنطن بوست» أن ترمب على غير العادة كان ودوداً مع الكاظمي خلال الاجتماع، فيما الدوائر السياسية الأميركية، وهي لا تهتمّ بملف العراق في الوقت الحالي، لاحظت أن رئيس حكومة البلد الذي يصيبهم بالصداع، يطرح نموذجاً مغايراً. ووقّعَ العراق على اتفاقيات في مجالات: الطاقة، والصحة، والتعليم، فضلاً عن تفاهمات بشأن دراسة إمكانية استغلال الغاز العراقي، بينما اللهجة التي أجملت هذه الاتفاقيات هي تمكين العراق من تقليل اعتماده على الجيران.
وقال موظف دبلوماسي لـ«الشرق الأوسط»، إن «تمكين العراق من استقلاله الاقتصادي يحتاج حزمة إصلاحات لا تشمل فقط الاتفاقيات الاقتصادية، نحن نتحدث عن فرض معادلة استقرار مستدامة في حالة عراقية مرتبكة سياسيا وأمنياً».
الفصائل المسلحة هي العقدة، وزيارة الكاظمي لواشنطن أحيطت كثيراً بفرضيات صحافية عن حلها؛ لكنها لا تجيب عن سؤال جوهري، وهو: هل تكفي المكاسب التي حصل عليها رئيس الوزراء من تلك الزيارة لإحداث مواجهة سريعة بضمانات سياسية وأمنية؟ ويضيف الدبلوماسي الغربي، المطلع على أجواء الاجتماعات العراقية الأميركية، أن «المشاريع التي تم الاتفاق عليها مع العراق تحتاج إلى بيئة مناسبة بضمانات طويلة الأمد».
ويحاول الكاظمي استغلال «الانطباع الجيد» الذي تركه في واشنطن، بوصفه رئيس حكومة إصلاحية بمعايير جادة، في تعزيز الموقف العراقي وهو يواجه أزمة اقتصادية خانقة وتحديات أمنية وصحية؛ لكن التحدي الأكبر في هذه المواجهة هو الحصول على دعم دولي يتزامن مع نزاع مُعقّد بين واشنطن وطهران.
وفور انتهاء الزيارة، أطلق ترمب يد وزير خارجيته مايك بومبيو؛ لإعادة تفعيل جميع العقوبات ضد إيران لدى مجلس الأمن الدولي، فيما سمي بالـ«سناب باك»، وهي مرحلة متقدمة أخرى من تضييق الخناق على النظام في إيران.
وبدت طهران منزعجة من التطورات الأخيرة انطلاقاً من زيارة الكاظمي، وعبر عن ذلك رئيس تحرير صحيفة «كيهان» حسين شريعتمداري، وهو مستشار المرشد الإيراني الأعلى في مقال ورد فيه أن «مواقف الكاظمي امتداد للخيانات التي تعرض لها آل البيت في الكوفة»، وأضاف، «أنه (رئيس الوزراء) منفصل عن مطالب الشعب العراقي».
لكن الكاظمي عاد إلى العراق وهو يواجه اشتعالاً عنيفاً في الجنوب؛ فالناشطون يسقطون تباعاً في حملة اغتيالات منظمة ومكثفة في البصرة، فيما ردّ متظاهرو الناصرية على تصريح متلفز للمالكي اعتبروه مسيئاً لهم، بحرق وهدم مقرات حزبية من بينها «الدعوة الإسلامية» و«منظمة بدر».
بعض الناشطين فرُّوا من مدن الجنوب بعد تداول معلومات وصفتها مصادر مختلفة بالـ«جدية» عن قائمة اغتيالات «منتظرة»، بعضهم وصل أخيراً إلى بلدات آمنة في البلاد. قال أحدهم، لـ«الشرق الأوسط»، وهو من البصرة (جنوب) واستقر قبل أيام في السليمانية (شمال)، إن «الاغتيالات لم تتوقّف أبداً في الأشهر الماضية، منها ما يحدث على مدار الأسبوع وبينها تصفيات سياسية؛ لكن الأسبوع الماضي بدا أنّ أحدهم ضغط زر تفعيل اغتيالات جماعية».
ويقول إغناتيوس، في مقاله بـ«واشنطن بوست» إن الحكومة العراقية الجديدة أعطت مؤشرات جدية بأنها تريد فرض الأمن ووقف الأنشطة المسلحة التي تضر بمصالح العراق.
والحال، أنّ المفهوم الذي لفت انتباه الأميركيين، بينما ينشغلون بالانتخابات الرئاسية، والذي طرحه الكاظمي هو تفضيل العراق إقامة علاقات صداقة وتحالفات «بين دولة ودولة»، بينما تحيط الشكوك باستفحال «اللادولة» هنا في بلاد الرافدين.
وبعد ساعات من عودة الكاظمي من أميركا، وسفره إلى البصرة بِنيّة السيطرة على الوضع المنفلت هناك، تداول ناشطون رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة تدعوه إلى «اتخاذ قرارات حازمة قبل أن تغرق البلاد في العنف والفوضى»، وتعكس هذه الدعوة مزاجاً قلقاً في الوقت نفسه من أن ينتقل العراق إلى اقتتال داخلي، ولا سيما مع ظهور مؤشرات عن ردود أفعال انتقامية بحمل السلاح.
ويتجادل مراقبون وسياسيون عراقيون بشأن ما إذا كانت الاغتيالات الأخيرة في البصرة والناصرية وغيرهما مخططاً لها إحراج الكاظمي أمام الولايات المتحدة وإظهاره ضعيفاً غير مؤهل لعقد تحالفات دولية، أو أنها أسهمت في تعزيز صورته كرئيس وزراء «شجاع يواجه تحديات تتعلق بضرورة فرض القانون»؛ لكن التطورات الأخيرة - في المُجمل - وضعت الكاظمي بما لا يقبل الشك أمام حالة يتوجب عليه المواجهة؛ لكن لا أحد يتوقع مواجهة شاملة ومفتوحة.
سيبقى تحديد شكل هذه المواجهة وطبيعتها مقترناً بالطريقة التي يفضلها الكاظمي، التي تراعي خطورة وصول الاستقطابات الإقليمية درجة حرجة، بمعنى أنه سيحاول رسم هذه المواجهة في إطار يحمي المواجهة من نفاذ أطراف النزاع إليها، وهذا الأخير يبدو بقدر صعوبة المواجهة ذاتها.
لقد حظي الكاظمي بالانتباه الأميركي والحذر الإيراني، لكنه على ما يبدو يحاول ابتكار صيغة مختلفة عن سابقيه في التعاطي الخارجي، إذا إنه يحاول استثمار غضب الشارع من الأحزاب التقليدية التي لا ينتمي إليها في تحقيق إصلاحات نادرة في بلد تنازعه الصراعات والفوضى والفساد.



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.