القمر يبحرُ بعيداً عنا! في كل عام، يبتعد القمر حوالي بوصة ونصف عن كوكب الأرض. وبعد مئات ملايين السنين من اليوم، سيصبح هذا الجرم السماوي نجما بعيداً عن كوكبنا مسافة تكفي لعدم حصول كسوف شمسي كامل.
ابتعاد القمر
يعمل العلماء منذ عقود على قياس تراجع القمر من خلال إطلاق أشعة الليزر على ألواح عاكسة للضوء تُعرف «باسم «العاكسات المرجِعة» أوصلها رواد الفضاء إلى سطح القمر لقياس مدة رحلة الضوء. ولكن العاكسات المرجِعة الخمسة الموجودة على القمر أصبحت قديمة وأقل فعالية في إرسال الضوء في الاتجاه المعاكس. ولمعرفة ما إذا كانت طبقة من الغبار القمري هي المسؤولة عن تراجع هذه الفعالية، وضع العلماء خطة جريئة: أطلقوا ضوء ليزر على عاكسٍ مرجعٍ أصغر بكثير ولكنه من النوع الأحدث مثبت على سفينة تابعة لوكالة «ناسا» تدور فوق سطح القمر بسرعة مئات الكيلومترات في الساعة، ونجحت خطتهم. ونُشرت نتائج هذه الدراسة في عدد الشهر الحالي من دورية Earth، Planets and Space المعنية بدراسات الأرض والكواكب والفضاء. وتُعتبر هذه العاكسات المرجِعة الخمسة التي أوصلها إلى القمر رواد الفضاء في بعثة «أبولو» وعربات جوالة سوفياتية، من أهم الأدوات العلمية التي تركتها الفرق البشرية الفضائية على القمر.
تشبه هذه الألواح المساطر المستخدمة في القياس إلى حد بعيد، وتتيح للعلماء قياس المسافة بين القمر والأرض من خلال تحديد الوقت الذي يتطلبه الليزر للسفر إلى القمر والاصطدام بالعاكسات المرجِعة، والعودة بعدها إلى الأرض (خلال حوالي 2.5 ثانية).
يحدث هذا الانعكاس الكوني بفضل مجموعة من الزوايا الزجاجية المكعبة المتعددة الجوانب. وتعمل هذه الأجهزة البصرية على رد الضوء الوارد بالاتجاه المعاكس نحو الاتجاه الذي أتى منه، ضامنة بذلك أن ترسل العاكسات المرجِعة فوتونات ضوئية في منعطف ضيق ودقيق.
مع الوقت، ستتيح هذه الحسابات المتكررة للباحثين رسم صورة واضحة لمدار القمر، واتجاهه الدقيق في الفضاء، وحتى تركيبته الداخلية.
ألواح عاكسة جديدة
ولكن العاكسات المرجِعة التي توازي حقيبة السفر حجماً، والتي وصلت إلى القمر بين عامي 1969 و1973. عانت من التقادم الذي ظهر عليها. وكشف توم مورفي، عالم فيزياء من جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، والذي لم يشارك في الدراسة أن «فعالية العاكسات لا تتعدى عُشر ما ينتظره العلماء منها، وأن الانعكاسات الضوئية التي تعود إلى الأرض عبرها ضعيفة جداً».
يرجع الخبراء سبب تراجع فعالية هذه العاكسات إلى الغبار القمري المتراكم عليها، والذي تنتجه عادة النيازك التي ترتطم بسطح القمر. وغطى هذا الغبار بزات رواد الفضاء خلال زياراتهم إلى القمر، ويتوقع علماء الفضاء أن يتسبب بمشاكل كبيرة إذا ما فكر البشر باستيطان القمر.
مر حوالي 50 عاماً على وضع العاكسات الحالية على سطح القمر، إلا أن سفينة فضائية تابعة للناسا عمدت عام 2009 إلى حمل عاكس مرجِعٍ واحدٍ بحجم كتابٍ ورقي. وتدور السفينة المسماة «لونار ريكونيسانس أوروبيتر» حول القمر مرة كل ساعتين، وزودت الأرض حتى اليوم بملايين الصور العالية الدقة للسطح القمري.
رأى إروان مازاريكو، عالم الكواكب في مركز «غودارد لرحلات الفضاء» التابع لـ«ناسا»، أن المركبة تقدم «هدفاً مثالياً». وتجدر الإشارة إلى أن مازاريكو يختبر إلى جانب زملائه، فرضية أن يكون الغبار القمري هو العنصر المعطل لفعالية العاكسات المرجِعة.
ولكن هذا العاكس يمثل في الوقت نفسه هدفاً متحركاً، حيث إن «أوروبيتر» تجول فوق سطح القمر بسرعة 5793.6 كلم في الساعة. ولهذا يرى مورفي، الذي يقود مرصد «أباتشي بوينت لعمليات الليزر القمرية» والذي يعرف باسم «أبولو» (مشروع يستخدم العاكسات المرجِعة على سطح القمر) أن «بلوغ هدف متحرك ينطوي على صعوبة كبيرة. لهذا السبب، ننوي توظيف نظام أصغر حجماً مع السماح له بالتحرك».
عام 2017. بدأ مازاريكو وشركاؤه بإطلاق ضوء ليزر بالأشعة تحت الحمراء من محطة بالقرب من منطقة غراس في فرنسا، تبعد حوالي نصف ساعة في السيارة عن مدينة كان، باتجاه العاكس المرجِع الموجود على السفينة. وفي الرابع من سبتمبر (أيلول) 2018. سجل العلماء في تمام الساعة الثالثة فجراً أول نجاحٍ لهم، حيث رصدوا 25 فوتوناً أتمت رحلة الذهاب والعودة.
كما حقق الباحثون ثلاثة نجاحات إضافية حتى خريف عام 2019. بعد احتساب الحجم الأصغر من العاكس المرجِع الموجود على «أوروبيتر»، وجد مازاريكو وزملاؤه أنه أعاد الفوتونات بفعالية أكبر من عاكسات أبولو.
حتى اليوم، لا توجد أدلة وافية تسمح بإلقاء اللوم على الغبار القمري في تراجع أداء العاكسات الموجودة على سطح القمر، بحسب مازاريكو الذي كشف أنهم بصدد جمع المزيد من المعلومات. ولكن مورفي وعلماء آخرون يعتقدون أن النتائج الأخيرة التي توصلت إليها الدراسة ساهمت في توضيح الصورة أكثر.
وأضاف: «بالنسبة لي، ترجِحُ نتائج الدراسة الجديدة الكفة لصالح النظرية القائلة بأن الغبار القمري هو السبب في تعطيل العاكسات أكثر مما تنفيها».
- خدمة «نيويورك تايمز»