نترات الأمونيوم... «شر لا بد منه»

خبراء يقترحون الحلول لتجنب سيناريو «انفجار بيروت»

نترات الأمونيوم... «شر لا بد منه»
TT

نترات الأمونيوم... «شر لا بد منه»

نترات الأمونيوم... «شر لا بد منه»

ما الذي يجعل العالم يستخدم مادة «نترات الأمونيوم» إلى الآن، رغم أن اسمها ارتبط بالعديد من الأحداث المأساوية، سواء كان ذلك عن طريق الاستخدامات غير المشروعة في الأعمال الإرهابية، أو الإهمال في تخزينها؟
جيمي أوكسلي أستاذ الكيمياء بجامعة رود أيلاند الأميركية أجاب في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة «ذا جابان تايم» مطلع أغسطس (آب)، على السؤال بعد حادث الانفجار الضخم الذي شهدته بيروت، وكان بسبب انفجار 2750 طنا من تلك المادة كانت مخزنة داخل مرفأ بيروت منذ سنوات.
قال أوكسلي «لن يكون لدينا هذا العالم الحديث المليء بالمباني بدون متفجرات أساسها نترات الأمونيوم، ولن نطعم السكان الذين لدينا اليوم بدون سماد مصنع منها أيضا».
ونترات الأمونيوم تحمل الرمز الكيميائي (NH4NO3)، وتصنع كسماد على شكل حبيبات تذوب بسرعة في الماء، مما يسمح بإطلاق النيتروجين، وهو أمر أساسي لنمو النبات في التربة.
وعلى الجانب الآخر، تدخل كمكون رئيسي في تصنيع مادة (أنفو)، المعروفة باسم «زيت الوقود»، حيث تتكون من نترات الأمونيوم المسامية بنسبة 94 في المائة، والتي تعمل كعامل مؤكسد وممتص للوقود التي تشكل نسبته 6 في المائة، وتستخدم كمادة تفجير في قطاع التعدين والمحاجر والبناء المدني، وتمثل 80 في المائة من المتفجرات الصناعية المستخدمة في الولايات المتحدة.
وانطلاقا من هذه الفوائد، فإن نترات الأمونيوم هي الشر الذي لا بد منه، لكن يجب الانتباه جيداً لما نفعله بها، حتى نتجنب تحولها إلى قنبلة مدمرة، كما شدد أوكسي.
ونترات الأمونيوم مادة مؤكسدة، ليست قابلة للاشتعال في حد ذاتها، ولكنها تكثف الاحتراق وتسمح للمواد الأخرى بالإشعال بسهولة أكبر، وهذا ما حدث في انفجار بيروت.
يقول محمد حلمي أستاذ الكيمياء بجامعة المنصورة المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «في ظل ظروف التخزين العادية، التي تضمن عدم وصول أي مصدر حرارة عالية جدا من الصعب إشعال نترات الأمونيوم، لكن في انفجار بيروت توفرت الظروف التي حولتها إلى مادة قابلة للاشتعال».
واستنادا إلى الظروف التي يمكن أن تتحول معها نترات الأمونيوم إلى مادة متفجرة، تضع الدول قواعد صارمة للغاية بشأن مكان تخزينها، إذ يجب أن يتم التخزين بعيداً عن الوقود ومصادر الحرارة، كما يجب أن يكون موقع التخزين مقاوماً للحريق، وليس لديه أي مصارف أو أنابيب أو قنوات أخرى يمكن أن تتراكم فيها تلك المادة.
وتتقي دول الاتحاد الأوروبي شرور هذه المادة بإجراءات إضافية إلى جانب تلك المتعلقة بالتخزين، حيث تضيف كربونات الكالسيوم إلى نترات الأمونيوم لإنشاء نترات الكالسيوم أمونيوم، وهو أكثر أماناً.
واقترح الدكتور إبراهيم الشربيني حلا آخر يتعلق بإضافة بعض المواد البوليمرية التي تقلل من فرص الاشتعال إلى نترات الأمونيوم.
وتقوم فكرته التي سبق وجربها مع مادة من نفس عائلة الأسمدة النيتروجينية التي تنتمي لها نترات الأمونيوم وهي اليوريا، على تغليف السماد بمواد بوليمرية، هدفها الأساسي هو إبطاء عملية ذوبان السماد في الماء، بما يساعد في التغلب على مشكلة الهدر في هذا السماد، لكنها أيضا يمكن أن تساعد في تقليل فرص الانفجارات.
يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «استخدام بوليمر غير قابل للاشتعال يقلل فرص حدوث الانفجار، كما أنه سيكون فاصلا بين حبيبات السماد، مما يقلل من فرص اشتعالها مع بعضها البعض، فلا تعطي قوة تفجير كبيرة، كما حدث في انفجار بيروت».
وإضافة لهذه الحلول التي تتعلق بإضافة للمادة نفسها، فإن الولايات المتحدة، تلزم المنشآت التي تخزن أكثر من 2000 رطل (900 كيلوغرام) من نترات الأمونيوم للخضوع لعمليات تفتيش دائمة، خشية استخدام تلك المادة في عمليات إرهابية، كما حدث في هجوم أوكلاهوما سيتي.
وأعاد انفجار بيروت ذكرى هذا الحادث في 19 أبريل (نيسان) عام 1995، عندما فجر تيموثي ماكفي قنبلة مصنوعة من طنين من سماد نترات الأمونيوم أمام مبنى اتحادي في أوكلاهوما سيتي، ما أسفر عن مقتل 168 شخصاً.
كما أعاد الحادث ذكرى حوادث أخرى نتجت عن إهمال في تخزين تلك المادة، فقبل عشرين عاماً تقريباً، في 21 سبتمبر (أيلول) 2001. انفجر حوالي 300 طن من نترات الأمونيوم بكميات كبيرة في مخرن بمصنع «إي.زد.إف» الكيميائي، في الضواحي الجنوبية لمدينة تولوز الفرنسية، وتسبب الحادث في مقتل 31 شخصا، وسمع دوي الانفجار على بعد مسافة حوالي 80 كيلومترا حول المدينة.



«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية
TT

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

​يبدو أن مركب «البنزول» المسمَّى أيضاً «البنزول الحلقي» ظهر في كل مكان خلال السنوات الأخيرة.

معقِّمات بمواد مسرطنة

أولاً، كانت معقمات اليدين التي تحتوي على «مستويات غير مقبولة» من هذه المادة المسرطنة. ثم كانت هناك عمليات سحب من السوق لرذاذات القدم المضادة للفطريات، إضافة إلى ظهور تقارير مثيرة للقلق عن وجوده في مزيلات العرق والشامبو الجاف وكريمات الوقاية من الشمس الملوثة، كما كتب كنفول شيخ، وجانا مانديل*.

وأدت بعض هذه النتائج إلى ظهور عناوين الأخبار المذعورة، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ حذَّر المؤثرون في مجال العافية - على «تيك توك» - الناس من التوقف عن ارتداء واقيات الشمس. وذهب أحد الأطباء على المنصة إلى مقارنة استخدام الشامبو الجاف المنتج بمادة البنزول بعملية التدخين. كما تم رفع كثير من الدعاوى القضائية الجماعية بشأن تأثيراته.

رُصد البنزول في واقيات الشمس

«تسلل» البنزول الطبيعي

يوجد «البنزول» (Benzene)، بشكل طبيعي في النفط الخام. ولا يضاف عمداً إلى هذه المنتجات؛ بل إنه يُستخدم لتصنيع المواد الكيميائية، مثل الأصباغ والمنظفات والدهانات والبلاستيك. وقد ينتهي به الأمر إلى التسلل إلى منتجات العناية الشخصية، عندما لا تتم تنقية المواد الكيميائية التي يوجد البنزول فيها بشكل كافٍ، أو عندما تتفاعل بعض المكونات النشطة في المنتجات بعضها مع بعض أو تتحلل.

لا توجد بيانات حتى الآن تشير إلى أن المستويات المنخفضة من التعرض للبنزول من منتجات العناية الشخصية تحمل مخاطر صحية كبيرة. وحذَّر بعض الخبراء من أن كثيراً من النتائج الأكثر إثارة للقلق حول البنزول، جاءت من مختبر واحد تعرّض لانتقادات؛ لانحرافه عن طرق الاختبار القياسية.

ومع ذلك؛ ونظراً لارتباط مستويات عالية من التعرض للبنزول بالسرطان، يقول الخبراء إنه من الجدير إلقاء نظرة فاحصة على الشامبو الجاف وواقي الشمس، وغيرهما.

ويشعر الباحثون بالقلق من أن المكونات التي تساعد المستحضرات الواقية من الشمس على الذوبان في الجلد، قد تسرّع من امتصاص الجسم له.

تنشُّق البنزول

نظراً لأن البنزول يمكن أن يتبخر بسهولة؛ فقد يستنشق الأشخاص أيضاً بعض المواد الكيميائية أثناء وضع المنتج موضعياً، ما يعني أنهم قد يتعرّضون له من خلال الطريقتين كلتيهما، كما قال لوبينغ تشانغ، عالم السموم في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. لكن حقيقة تبخره بسرعة تشير إلى أن التعرُّض الجلدي ليس مصدر قلق كبيراً مثل تعرض العمال للبنزول بانتظام في الهواء.

أبحاث محدودة

ولا تشير الأبحاث المحدودة حول هذا الأمر حتى الآن إلى أي خطر كبير. في إحدى الدراسات، فحصت مجموعة من الباحثين الأكاديميين بيانات من أكثر من 27 ألف شخص استخدموا كريمات طبية تحتوي على «بيروكسيد البنزويل» (benzoyl peroxide) الذي يعمل مطهِّراً. وعندما قارنوها ببيانات من مرضى لم يتعرضوا لبيروكسيد البنزويل، لم يجد الباحثون أي خطر متزايد للإصابة بالسرطان المرتبط بالبنزول بين أولئك الذين يستخدمون الكريمات.

ومع ذلك، قال بعض الخبراء إنهم قلقون بشأن هذه التعرضات المحتملة؛ نظراً لأن هذه المنتجات يتم استخدامها مباشرة على الجسم – يومياً عادةً - وفي أماكن صغيرة سيئة التهوية، مثل الحمامات.

ارتفاع مستويات البنزول في الجسم

وفي حين تظهر الدراسات الاستقصائية الأميركية أن مستويات البنزول في الهواء قد انخفضت - بفضل القيود الأكثر صرامة على البنزول - فقد زادت مستويات البنزول في عيّنات البول من الأميركيين في العقود الأخيرة. في الوقت نفسه، وجد العلماء أن مزيداً من المنتجات قد تحتوي على البنزول، بما في ذلك الحفاضات والمناديل التي تستخدم لمرة واحدة، والسدادات القطنية، والفوط الصحية.

وقالت إمي زوتا، الأستاذة المساعدة في علوم الصحة البيئية في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، إن اكتشاف البنزول في هذه المنتجات يسلّط الضوء على الفجوات في الرقابة التنظيمية على سلامة منتجات العناية الشخصية. وأضافت أن كثيراً من اختبارات سلامة المنتجات طوعية: «لذا؛ فإن الصناعة تضع معاييرها الخاصة».

تلوث منتجات العناية بالبنزول

كان كثير من الاهتمام حول التلوث بالبنزول في منتجات العناية الشخصية مدفوعاً بشركة اختبار مخدرات صغيرة، مقرّها في نيوهافن بولاية كونيتيكت. فقد أفادت شركة «فاليشور» (Valisure)، بالعثور على تلوث بالبنزول في معقمات اليدين، وبخاخات الجسم، وكريمات الوقاية من الشمس، والشامبو الجاف، وأدوية حب الشباب التي تحتوي على بيروكسيد البنزويل. وانتشرت بعض هذه النتائج على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، مثل «تيك توك» و«تروث سوشيال».

لكن بعض العلماء شكّكوا في منهجية شركة «فاليشور»، زاعمين أن بروتوكول الاختبار الخاص بها ينطوي في كثير من الأحيان على تسخين المنتجات إلى درجات حرارة تتجاوز درجات الحرارة التي قد تصل إليها في الحياة العادية؛ وهو ما قد يؤدي إلى تسريع تحلل المكونات، ويشير إلى خطر أعلى للتعرّض للبنزين مما قد يواجهه المستهلكون بالفعل.

أدلة تاريخية حول «سرطان البنزول»

ينظر كثير من الأبحاث حول البنزول بشكل خاص - حتى الآن - إلى التعرّض المنتظم لمستويات عالية من المادة الكيميائية في البيئات المهنية.

تأتي الأدلة على أن البنزول قد يسبب السرطان لدى البشر، من ملاحظات العمال في الصناعات الدوائية والبترولية التي تعود إلى عشرينات القرن العشرين. في عام 1987، قالت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، إن هناك «أدلة كافية» على أن البنزول مسبب للسرطان لدى البشر والحيوانات. واليوم، تتفق منظمة الصحة العالمية، ووكالة حماية البيئة الأميركية، وبرنامج علم السموم الوطني الأميركي، على أن البنزول يمكن أن يسبب السرطان، وخصوصاً سرطان الدم.

هناك أيضاً أدلة على أن استنشاق مستويات عالية من البنزول لفترات طويلة من الزمن يرتبط بسرطانات الدم الأخرى، وسرطان الرئة، فضلاً عن فقر الدم، وانخفاض القدرة على محاربة العدوى، وعدم انتظام الدورة الشهرية.

توصيات دولية

يوصي مسؤولو السلامة المهنية في جميع أنحاء العالم عموماً، بأن يقتصر التعرض في مكان العمل على جزء واحد من البنزول لكل مليون جزء من الهواء، أو جزء واحد في المليون على مدار يوم عمل مدته 8 ساعات.

ويتعرض كثير منا للبنزول أيضاً - من خلال انبعاثات المركبات ودخان السجائر ومواقد الغاز - ولكن بمستويات أقل بكثير.

وقد قدَّرت إحدى الدراسات أن التعرض البيئي للشخص العادي ينبغي أن يكون أقل من 0.015 جزء في المليون في اليوم، أو أقل بنحو مائة مرة من الحد المهني المذكور أعلاه.

خطوات لتقليل التعرض للبنزول

أظهرت حفنة من الدراسات المختبرية أن كمية معينة من البنزول على الأقل يمكن أن تخترق حاجز الجلد.

أكد الخبراء أنه لا داعي للذعر بشأن البنزول في منتجات العناية الشخصية؛ لكن اقترح كثير منهم التأكد من تخزين هذه العناصر بشكل صحيح لتجنب تحللها.

وفيما يلي بعض الخطوات البسيطة لتقليل تعرضك:

- واقي الشمس: لم يقترح أي من الخبراء الذين تمت مقابلتهم التخلص من واقي الشمس خوفاً من البنزول. حتى في الاختبارات التي أجرتها شركة «فاليشور»، لم يكن لدى غالبية واقيات الشمس مستويات يمكن اكتشافها. وقال تشانغ: «فوائد واقيات الشمس معروفة جيداً». ولكن إذا كنت تريد أن تكون حذراً، فيجب عليك تجنب تخزين واقي الشمس في سيارتك، والابتعاد عن الهباء الجوي. فكثير من المنتجات التي وُجد أنها تحتوي على البنزول هي عبارة عن رشاشات للرذاذ.

- الشامبو الجاف: إذا كنت قلقاً بشأن التعرض المحتمل للبنزين، فحاول التبديل إلى الشامبو الجاف الذي يأتي في تركيبات مسحوقة بدلاً من منتجات مرشاشات الرذاذ.

- كريمات حب الشباب: إذا كنت ترغب في الاستمرار في استخدام منتجات بيروكسيد البنزويل، فخزِّنها في مكان بارد ومظلم، مثل خِزانة أو ثلاجة، فسيساعد ذلك في بقاء مكوناتها مستقرة لفترة أطول. يمكنك أيضاً التحدث مع طبيب حول بدائل بيروكسيد البنزويل التي قد تناسبك. ويجب عليك دائماً التحقق من منتجاتك من خلال قائمة إدارة الغذاء والدواء القابلة للبحث للمنتجات التي تم سحبها من الأسواق، وتنبيهات السلامة.

* خدمة «نيويورك تايمز»