ارتفاع درجة الحرارة يفاقم أزمة المياه شمال شرقي سوريا

«اللجنة الدولية للصليب الأحمر» قلقة بعد توقف محطة ضخ في ريف الحسكة

فتاتان تنقلان المياه من خزانات وفرتها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» في شمال شرقي سوريا (الشرق الاوسط)
فتاتان تنقلان المياه من خزانات وفرتها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» في شمال شرقي سوريا (الشرق الاوسط)
TT

ارتفاع درجة الحرارة يفاقم أزمة المياه شمال شرقي سوريا

فتاتان تنقلان المياه من خزانات وفرتها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» في شمال شرقي سوريا (الشرق الاوسط)
فتاتان تنقلان المياه من خزانات وفرتها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» في شمال شرقي سوريا (الشرق الاوسط)

أعربت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» عن قلقها حيال شح مياه الشرب بمدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، بعد انقطاع مضخة العلوك بريف المدينة الشمالي الغربي عن الخدمة منذ عشرين يوماً، وسط ارتفاع درجات الحرارة، حيث جاوزت 40 درجة مئوية.
وأطلق أهالي الحسكة ونشطاء مدنيون حملة بعنوان «العطش يخنق الحسكة»، طالبوا عبرها الجهات العسكرية والسياسية بتحييد ملف المياه عن الصراعات، وإخضاع إدارة محطة العلوك لفريق مدني مختص ومستقل، بإشراف ورقابة دولية، في وقت كشفت فيه مديرية مياه الحسكة التابعة للإدارة الذاتية عن دخول 25 بئراً في «محطة الحمة»، مرحلة الاختبار، وستعمل بشكل جزئي، وتحتاج إلى ثلاثة أيام من أجل تزويد قسم من أحياء المدينة بالمياه الصالحة للشرب.
وقال عدنان حزام المتحدث الرسمي لـ«اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، أمس: «نعرب عن قلقنا من أن يتدهور الوضع الإنساني بسبب انقطاع المياه على مئات الآلاف من ساكني الحسكة، خاصةً مع انتشار جائحة (كورونا)، وندعو إلى تحييد المنشآت المدنية الحيوية والخدمية عن الصراعات»، وذكر بأن «الصليب الأحمر» مع فرق منظمة «الهلال الأحمر العربي السوري»... «تقومان بتوزيع مياه الشرب بشكل يومي مرتين من خلال الصهاريج لتعبئة أكثر من 60 خزان مياه بمعدل 550 متراً مكعباً يومياً في مختلف أحياء وشوارع الحسكة».
وتشكو منظمات إنسانية دولية ومحلية تعمل في المنطقة من أن بدائل ضخ المياه من محطة مياه العلوك غير كافية، حيث تقوم بتوزيع المياه عبر الصهاريج بشكل متقطع، لكنها تستغرق وقتاً طويلاً، وبحسب حزام، تعمل «اللجنة»، كغيرها من المنظمات العاملة، على توفير المياه لتزويد قاطني مخيم الهول بالمياه الصالحة للشرب. وقال: «تدعو (لجنة الصليب الأحمر الدولية) كل الأطراف المنخرطة في الصراع إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، وتحييد المنشآت الخدمية والمدنية، وعلى رأسها المياه والكهرباء، من دائرة الصراعات».
وجمعت حملة «العطش يخنق الحسكة» نشطاء المعارضة والأكراد، وتصدر وسم «هاشتاغ» الحملة، من بين أعلى الحملات تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي و«السوشيال ميديا»، وقال أهالي الحسكة ونشطاء في بيان إن «تكرار انقطاع المياه الصالحة للشرب دفع سكان الحسكة وأريافها للاعتماد على مصادر مياه غير آمنة، ما يشكل خطراً جسيماً على حياتهم، في ظل الجهود المحلية للتصدي لفيروس (كورونا المستجد)».
وأشارت الحملة إلى أن قلّة المياه أثرت بشكل سلبي على النظافة الشخصية للأشخاص والعائلات، وكذلك نظافة وتعقيم المراكز الصحية والمشافي، كما أجبرت الأهالي على شراء المياه، وزيادة الطلب على مياه الصهاريج المتنقلة التي قد لا تكون نظيفة وغير معقمة، وطالب البيان بتحييد محطة علوك «عن الصراعات السياسية والعسكرية، وإخضاع إدارتها لفريق مدني مختص ومستقل، بإشراف ورقابة دولية، وكفّ يد القوات التركية عن استخدامها كورقة ابتزاز، واستفادة جميع سكان المنطقة بشكل عادل ودون تمييز»، على حد تعبير البيان الذي نشرته صفحات وحسابات النشطاء قبل يومين.
ومنذ سيطرة الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية له، بداية أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، على مدينة رأس العين بالحسكة، بعد هجوم واسع، وعملية «نبع السلام»، تحولت محطة العلوك إلى ورقة ضغط بين موسكو وأنقرة، وقد دخلت على خط المفاوضات، وتوصلوا إلى تفاهمات أولية نصت على السماح بضخ المياه من العلوك نحو مدينة الحسكة، والبلدات التابعة لها وريفها، مقابل تزويد محطة مبروكة الكهربائية برأس العين بالتيار الكهربائي لخدمة المناطق الخاضعة للفصائل الموالية لتركيا.
بدورها، أعلنت مديرية المياه بالحسكة التابعة للإدارة الذاتية عن بدء ضخ المياه من آبار «محطة الحمة»، الواقعة على بُعد 14 كيلومتراً غرب المدينة، كأحد الحلول الإسعافية لسد احتياجات المنطقة من مياه نظيفة صالحة للشرب، وكشفت سوزدار أحمد، مديرة المياه بالحسكة، أن 25 بئراً دخلت في مرحلة الاختبار، وستعمل بشكل جزئي على مدار ثلاثة أيام، وستخضع للتحاليل قبل ضخها، وقالت: «بدأنا عملية ضخ المياه من 25 بئراً مجهزة من أصل 50 بئراً بسعة 30 ألف متر مكعب يومياً، تم تشغيلها تحت الاختبار وسيتم الضخ باتجاه الأحياء بعد تعبئة الخزانات».
وشدّدت أحمد على أن هذه الآبار لن تكفي لتأمين جميع احتياجات سكان الحسكة وريفها وقاطني المخيمات، ولفتت قائلة: «دخول هذه الآبار الخدمة أحد الحلول العاجلة، قد لا تغطي حاجة المدينة وريفها والمخيمات المنتشرة بالمنطقة، والتأخر بتشغيلها يعود لانتشار (فيروس كورونا) وأسباب خارجة عن نطاق المديرية».
يُذكَر أن محطة العلوك تُعدّ المصدر الوحيد لتأمين مياه الشرب لأكثر من 460 ألف نسمة يعيشون بالمنطقة، حيث تزود بلدة أبو راسين وقراها وناحية تل تمر ومدينة الحسكة وريفها، كما تغذي المحطة 3 مخيمات، من بينها مخيم «واشوكاني» ويضم قرابة 12 ألف نازح فروا من رأس العين، ومخيم «العريشة» الخاص بنازحي مدينتي دير الزور والرقة ويبلغ تعداده نحو 13 ألفاً. أما مخيم «الهول» فيبلغ عدده نحو 65 ألفاً، حيث يعيش فيه آلاف النازحين السوريين، واللاجئين العراقيين، وقسم خاص بالأجانب الذين كانوا يعيشون في مناطق سيطرة تنظيم «داعش» سابقاً.



​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
TT

​المعلمون اليمنيون بين سجون الحوثيين والحرمان من الرواتب

الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)
الحوثيون حولوا المدارس العامة إلى مواقع لاستقطاب المراهقين وإرسالهم إلى الجبهات (إعلام محلي)

يحتفل العالم في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) باليوم العالمي للمعلم، فيما لا يزال المعلمون في اليمن يعانون من ويلات الحرب التي أشعلها الحوثيون، إذ اعتقلت الجماعة ألف معلم على الأقل، وأجبرت عشرات الآلاف على العمل من دون رواتب منذ ثمانية أعوام، في حين اضطر الآلاف إلى العمل في مجالات أخرى لتوفير لقمة العيش.

وإلى جانب تدني المرتبات في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وتأخر صرفها والنزوح القسري، طال من يعمل في قطاع التعليم الانتهاكات طوال العشر السنوات الأخيرة، سواء من خلال التسريح القسري والاختطافات، أو نتيجة تحويل الحوثيين المدارس والمؤسسات التعليمية إلى معسكرات لتجنيد الطلاب، أو نشر الأفكار الطائفية بهدف تغيير التركيبة المذهبية في البلاد.

انقلاب الحوثيين أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء (إعلام محلي)

في هذا السياق ذكرت الشبكة اليمنية لروابط الضحايا أن المعلم اليمني يستقبل هذه المناسبة وهو يعاني من انتهاكات جسيمة لحقوقه الأساسية، مما يحوّل هذه الذكرى إلى يوم حزين بدلاً من يوم احتفاء.

وقالت الشبكة إنه منذ ما يقارب عشر سنوات من الحرب التي تسبب بها انقلاب جماعة الحوثي على الدولة ومؤسساتها، يعاني المعلم من أزمة إنسانية متفاقمة، تتمثل في حرمانه من حقوقه المالية والمدنية والسياسية، وتعرضه لمختلف أشكال العنف والانتهاكات، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاختطاف والتهجير القسري.

ووفق ما ذهبت إليه الشبكة، فقد أدت هذه الأوضاع «المأساوية» إلى تدهور حاد في مستوى التعليم، وتفشي الجهل والأمية بين صفوف الشباب. ومع تأكيدها أنها تدرك حجم المعاناة التي يتعرض لها المعلمون في اليمن، أدانت بشدة جميع أشكال الانتهاكات التي يتعرضون لها خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، وطالبت المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتحرك العاجل لإنهاء هذه الانتهاكات، وضمان حصول المعلمين على حقوقهم كاملة غير منقوصة.

وطالبت الشبكة التي تضم روابط ضحايا الانتهاكات في اليمن بصرف مرتبات المعلمين ومستحقاتهم بشكل منتظم، لضمان استقرارهم المعيشي، وتمكينهم من أداء مهامهم التعليمية على أكمل وجه، وتوفير بيئة عمل آمنة للمعلمين، حفاظاً على حياتهم وكرامتهم، ولتشجيعهم على الاستمرار في عملهم، والإفراج الفوري عن جميع المعلمين المعتقلين والمختطفين في سجون الحوثيين، وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.

معدلات الأمية ارتفعت إلى 70 % في الأرياف اليمنية (إعلام محلي)

كما طالبت الشبكة بتوفير الدعم اللازم لإعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية التي تأثرت بسبب الحرب، والعمل على تطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع احتياجات المجتمع اليمني.

ودعت جميع الأطراف وعلى وجهة الخصوص جماعة الحوثي المسلحة التي يتعرض المعلمون في مناطق سيطرتها إلى أشكال متعددة من الانتهاكات الممنهجة، إلى تحمل مسؤولياتها، والعمل الجاد على إنهاء معاناة المعلمين، وصرف رواتبهم، وتوفير الظروف المناسبة لهم لأداء دورهم الحيوي في بناء مجتمع يمني مزدهر.

مأساة التعليم

أكد «مركز ألف لحماية التعليم» أن المعلمين في اليمن واجهوا تحديات بالغة التعقيد خلال العقد الأخير، متجاوزين كل الصعوبات التي فرضتها ظروف النزاع وانعدام الأمن، حيث أثرت الحرب والهجمات المسلحة على قطاع التعليم بشكل كبير مما أدى إلى تدهور أوضاع المعلمين والطلاب على حد سواء.

وبحسب ما أورده المركز بمناسبة اليوم العالمي للمعلم، فإن هناك ما يقارب من ألف معلم مختطف ومحتجز قسراً معظمهم لدى جماعة الحوثي، وذكر أن هذا الأمر انعكس سلباً على روح وواقع العملية التعليمية، ودفع كثيراً من المعلمين للبحث عن وظائف بديلة.

وناشد المركز المعني بحماية التعليم الحوثيين سرعة صرف رواتب المعلمين والتربويين في مناطق سيطرتهم، التي توقفت منذ عام 2016، والإيفاء بالتزاماتهم تجاه عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات، وضمان حمايتهم من الاعتقال والاختطافات والإخفاء القسري والحجز التعسفي.

كما ناشد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بتحسين رواتب المعلمات والمعلمين في مناطق سيطرتها، والتي لا تفي بأبسط متطلبات الحياة المعيشية الضرورية في ظل تدهور أسعار الصرف وتفشي البطالة.

الحوثيون أجبروا عشرات الآلاف من المعلمين على العمل دون رواتب منذ 8 أعوام (إعلام محلي)

ودعا المركز الجهات المهتمة بالتعليم إلى تبني مشاريع تضمن استمرارية التعليم وتحسين جودته، وتعمل على دعم المعلمين وتدريبهم وتأهيلهم خاصة في ظل وجود شريحة واسعة من المتطوعات والمتطوعين الذين يعملون في الميدان لتغطية نسب العجز الكبيرة في الطاقم المدرسي، ودون أدنى معايير التأهيل والتدريب.

وتحدّث المركز عما وصفها بـ«مأساة التعليم في اليمن» وقال إن نسبة الأمية تقدر بنحو 70 في المائة في الأرياف، و38 في المائة في المدن، وذكر أن 45 في المائة من المعلمين لا يحملون شهادة الثانوية العامة، وأن 13.8 في المائة فقط لديهم شهادة جامعية، كما أن الخصخصة والافتقار إلى التنظيم أثرا سلباً على جودة التعليم في الوقت الذي يدخل فيه التعليم خارج اليمن مرحلة التحول الرقمي.

وكانت إحصائية حكومية حديثة ذكرت أن 4.5 مليون طفل باتوا خارج التعليم في اليمن، وهو رقم يزيد بمقدار الضعف على الرقم المسجل مع بداية النزاع، حيث لم يتجاوز العدد مليوني طفل.

مدارس طائفية

أفادت مصادر في الحكومة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» بأن قطاع التعليم يعاني من نقص شديد في الكوادر البشرية نتيجة وقف التوظيف منذ عام 2011، ومن بعد ذلك الحرب التي أشعلها الحوثيون في نهاية عام 2014.

وقالت المصادر إن كثيراً من المدارس استعانت بمتطوعين للعمل وتغطية العجز، إذ يحصلون على مكافآت شهرية متدنية لا تتجاوز عشرين دولاراً في الشهر يتم توفيرها من التبرعات التي يقدمها التجار أو من عائدات السلطات المحلية.

وأثّر تراجع سعر العملة المحلية، وفق المصادر، بشكل كبير على رواتب الموظفين العموميين وفي طليعتهم المعلمون، حيث أصبح راتب المعلم الواحد خمسين دولاراً بعد أن كان يعادل مائتي دولار.

وأشارت المصادر إلى أن هذا الوضع دفع بمجاميع كبيرة إلى ترك العمل في سلك التعليم والالتحاق بالتشكيلات العسكرية؛ لأنهم يحصلون على رواتب أعلى.

المياه تغمر ساحة إحدى مدارس صنعاء والطلاب ملزمون بالدوام (إعلام محلي)

وفي مناطق سيطرة الحوثيين تحدثت المصادر العاملة في قطاع التعليم عن تدهور مخيف في مستويات الالتحاق بالمدارس مع زيادة الفقر، وعجز الأسر عن توفير متطلبات التحاق أبنائها، والعروض التي يقدمها الحوثيون للمراهقين في سبيل الالتحاق بجبهات القتال والحصول على راتب شهري يساوي 100 دولار، إلى جانب التغذية ووضع أسرهم في صدارة قوائم المستحقين للمساعدات الغذائية التي توزعها المنظمات الإغاثية.

ووفق هذه الرواية، فإن اهتمام الحوثيين بتحويل المدارس إلى مواقع لاستقطاب المراهقين، ونشر الأفكار الطائفية وقطع مرتبات المعلمين وفرار الآلاف منهم خشية الاعتقال دفع بالجماعة إلى إحلال عناصرها بدلا عنهم، واختصار الجدول المدرسي إلى أربع حصص في اليوم بدلاً من سبع.

كما وجهت الجماعة عائدات صندوق دعم المعلم لصالح المدارس الطائفية الموازية التي استحدثوها خلال السنوات الأخيرة، ويتم فيها منح المعلمين رواتب تصل إلى 700 دولار، كما توفر هذه المدارس السكن الداخلي، والتغذية، والكتب المدرسية بشكل مجاني للملتحقين بها.