«المفاعلات الاندماجية» وحلم طاقة نظيفة بلا حدود

«المفاعلات الاندماجية» وحلم طاقة نظيفة بلا حدود
TT

«المفاعلات الاندماجية» وحلم طاقة نظيفة بلا حدود

«المفاعلات الاندماجية» وحلم طاقة نظيفة بلا حدود

تولِّد مصادر الطاقة المنخفضة الانبعاثات حالياً نحو 35 في المائة من مجمل الكهرباء العالمية، حيث تبلغ مساهمة الطاقة النووية نحو 10 في المائة، وتزيد حصة الطاقة الكهرومائية (السدود) عن 15 في المائة، فيما توفر طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمصادر المتجددة الأخرى 10 في المائة. ورغم الانخفاض المتواصل في تكاليف تأسيسها وتشغيلها، ودورها في تخفيف الانبعاثات الكربونية، تواجه طاقة الرياح والطاقة الشمسية محدودية بالنسبة إلى اتساع المساحات التي تشغلها، وتتأثر بعوامل لا تخضع للسيطرة، كسطوع الشمس وهبوب الرياح. ومن ناحية أخرى، يشهد العالم تراجعاً في الحصة السوقية للطاقة الكهرومائية، بسبب الكلفة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية الباهظة للسدود.
أمام هذه التحديات، عاد الحديث بقوة عن تقنية «الاندماج النووي» كعنصر أساسي في مزيج طاقة المستقبل النظيفة. ويمكن للمفاعلات الاندماجية أن تولّد طاقة لا حدود لها من دون انبعاثات كربونية أو نفايات مشعّة ذات عمر طويل، أو حوادث تسرب إشعاعي، لأن التفاعل الاندماجي يتوقف تلقائياً في حال حدوث خلل. والاندماج النووي هو المصدر الأهم للطاقة في الكون، بما فيها تلك الطاقة التي تستمدها الأرض من الشمس، كما أنه من أكثر مصادر الطاقة كفاءة، إذ إن بضعة غرامات من وقود الاندماج تحرر طاقة تعادل عدة أطنان من الفحم. وتنتج هذه الكميات الهائلة من الطاقة عن شيء صغير للغاية هو نواة الذرة، فعندما تتلاقى نواتا ذرّتين أو أكثر، تندمجان تحت ظروف معينة لتشكيل نواة أكبر، مع تحرير كمية هائلة من الطاقة. وعلى مقياس ضخم، تحدث هذه العملية في نواة النجوم، مما يجعلها تشع لمليارات السنين.
كان حلم الإنسان منذ خمسينات القرن الماضي محاكاة الاندماج النووي الذي يحصل على الشمس لتوليد طاقة نظيفة لامتناهية، باستخدام نظائر الهيدروجين التي تندمج لتصبح غاز الهيليوم. ولكن عملية الاندماج صعبة للغاية في إطلاقها والاستمرار بها، وهي تتطلب حرارة وكثافة مرتفعتين. ففي نواة الشمس، على سبيل المثال، تبلغ الحرارة 15 مليون درجة مئوية والكثافة تعادل وضع نصف لتر من الماء في ملعقة شاي.
أفضل الأرقام المسجلة حتى الآن في عمليات الاندماج النووي المخبرية كانت عام 1997. عندما نجح مركز الأبحاث «جيت»، التابع للبرنامج الأوروبي للاندماج النووي، في توليد طاقة بلغت 16 ميغاواط في مقابل طاقة مدخلة تبلغ 24 ميغاواط، واستمر التفاعل لبضعة أجزاء في المائة من الثانية. في ذلك الوقت، بدا مفاعل «جيت» الاندماجي قريباً من تحقيق اختراق علمي. لكن سلوكاً غريباً ظهر في البلازما النووية عمل على تبريد مركزها وعطّل التفاعل. وسيعود مفاعل «جيت» في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل إلى الدوران من جديد، بعد سنوات طويلة من التحديث، بهدف تحقيق معدل طاقة صافية أعلى وتطويل مدة التفاعل.
وعلى مستوى الجهد الدولي المشترك، أطلق الرئيس إيمانويل ماكرون في نهاية يوليو (تموز) الماضي في جنوب فرنسا أعمال تجميع مفاعل «إيتر» الاندماجي، الذي تدعمه 35 دولة هي، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، الصين والولايات المتحدة وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان والهند. وسيبدأ المفاعل أول اندماج نووي اختباري في 2035 بتأخير 15 سنة عما كان مخططاً له. ويطمح العاملون في المشروع إلى توليد طاقة تعادل عشرة أضعاف الطاقة الداخلة.
لكن ضغط المسألة المناخية وآثارها المتزايدة يجعل الحاجة إلى مصادر جديدة للطاقة الخالية من الكربون أمراً أكثر إلحاحاً. وقد تساهم مجموعة من الابتكارات والتطورات الحديثة في تعزيز فرص بناء مفاعلات رخيصة ومستدامة خلال فترة أقصر مما كان متوقعاً، ما يفسر انطلاق سباق محموم بين الشركات الخاصة لبناء أول مفاعل اندماجي مستدام. ومن بين المتنافسين الذي يسيرون على خطى مفاعلات «جيت» و«إيست» و«إيتر» مشروع «كومنويلث فيوجن سيستمز»، الذي يشرف عليه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بتمويل جزئي من بيل غيتس وجيف بيزوس وآخرين. وهو يهدف، نظرياً، إلى إنتاج مفاعل اندماجي في غضون 10 سنوات.إن مثل هذه الابتكارات والسرعة التي تحدث بها حالياً قد ترسم ملامح مستقبل قد لا يكون بعيداً، يمكن فيه الحصول على طاقة نظيفة ومستدامة من شمس مصغّرة يصنعها الإنسان على الأرض. لكن هذا يتوقف على تطوير النظرية العلمية الثابتة إلى أجهزة تعمل بفاعلية وأمان خارج المختبرات.


مقالات ذات صلة

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

يوميات الشرق المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

أُزيل فيل برتقالي ضخم كان مثبتاً على جانب طريق رئيسي بمقاطعة ديفون بجنوب غرب إنجلترا، بعد تخريبه، وفق ما نقلت «بي بي سي» عن مالكي المَعْلم الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الوزير السعودي يتسلم رئاسة السعودية رسمياً لمؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«كوب 16 الرياض» يجمع صناع السياسات لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر

اجتمع عدد كبير من صنُاع السياسات والمنظمات الدولية والدوائر غير الحكومية وكبرى الجهات المعنية، الاثنين، في الرياض، للبحث عن حلول عاجلة للأزمات البيئية.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
TT

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)
جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)

تشكل الفكرة القائلة إنّ «المناطق الزرقاء» المشهورة في العالم بطول عمر سكانها وارتفاع نسبة المعمرين فيها، مجرد خدعة تستند إلى بيانات غير صحيحة، كما يؤكد أحد الباحثين.

هذه العبارة التي استُحدثت للإشارة إلى منطقة من العالم يقال إن سكانها يعيشون لفترة أطول من غيرهم ويتمتعون بصحة أفضل من قاطني مناطق اخرى. وكانت جزيرة سردينيا الإيطالية أوّل منطقة تُصنّف «زرقاء» عام 2004.

أدت الرغبة في العيش لأطول مدة ممكنة إلى ظهور تجارة مزدهرة، مِن وجوهها نصائح غذائية، وأخرى لاتباع أسلوب حياة صحي، بالإضافة إلى كتب وأدوات تكنولوجية ومكملات غذائية يُفترض أنها تساهم في طول العمر.

لكنّ الباحث البريطاني في جامعة يونيفرسيتي كوليدج بلندن سول جاستن نيومان، يؤكد في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ البيانات المتوافرة عن الأشخاص الأكبر سنّا في العالم «زائفة لدرجة صادمة جدا».

ودقق بحثه الذي يخضع حاليا لمراجعة، في البيانات المتعلقة بفئتين من المعمّرين: أولئك الذين تتخطى أعمارهم مائة عام، ومَن يبلغون أكثر من 110 سنوات، في الولايات المتحدة وإيطاليا وإنكلترا وفرنسا واليابان.

وفي نتيجة غير متوقعة، وجد أن «المعمّرين الذين تتخطى أعمارهم 110 سنوات» هم عموما من مناطق قطاعها الصحي سيئ وتشهد مستويات مرتفعة من الفقر فضلا عن أنّ سجلاتها غير دقيقة.

يبدو أنّ السر الحقيقي وراء طول العمر هو في «الاستقرار بالأماكن التي تُعدّ شهادات الميلاد نادرة فيها، وفي تعليم الأولاد كيفية الاحتيال للحصول على راتب تقاعدي»، كما قال نيومان في سبتمبر (أيلول) عند تلقيه جائزة «آي جي نوبل»، وهي مكافأة تُمنح سنويا للعلماء عن أبحاثهم التي تُضحك «الناس ثم تجعلهم يفكرون».

كان سوجين كيتو يُعدّ أكبر معمّر في اليابان حتى اكتشاف بقاياه المحنّطة عام 2010، وتبيّن أنه توفي عام 1978. وقد أوقف أفراد من عائلته لحصولهم على راتب تقاعدي على مدى ثلاثة عقود.

وأطلقت الحكومة اليابانية دراسة بيّنت أنّ 82% من المعمّرين الذين تم إحصاؤهم في البلاد، أي 230 ألف شخص، كانوا في الواقع في عداد المفقودين أو الموتى. ويقول نيومان «إن وثائقهم قانونية، لقد ماتوا ببساطة».

فالتأكّد من عمر هؤلاء الأشخاص يتطلّب التحقق من المستندات القديمة جدا التي قد تكون صحتها قابلة للشك. وهو يرى أن هذه المشكلة هي مصدر كل الاستغلال التجاري للمناطق الزرقاء.

* سردينيا

عام 2004، كانت سردينيا أول منطقة تُصنّف «زرقاء». وفي العام التالي، صنّف الصحافي في «ناشونال جيوغرافيك» دان بوتنر جزر أوكيناوا اليابانية ومدينة لوما ليندا في كاليفورنيا ضمن «المناطق الزرقاء». لكن في أكتوبر (تشرين الأول)، أقرّ بوتنر في حديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه صنّف لوما ليندا «منطقة زرقاء» لأنّ رئيس تحريره طلب منه ذلك، إذ قال له عليك أن تجد منطقة زرقاء في الولايات المتحدة.

ثم تعاون الصحافي مع علماء سكان لإنشاء «بلو زونز» التي أضيفت إليها شبه جزيرة نيكويا في كوستاريكا وجزيرة إيكاريا اليونانية.

إلا أنّ سجلات رسمية لا تنطوي على موثوقية كبيرة مثل تلك الموجودة في اليابان، أثارت الشك بشأن العمر الحقيقي للمعمّرين الذين تم إحصاؤهم في هذه المناطق.

وفي كوستاريكا، أظهرت دراسة أجريت عام 2008 أن 42% من المعمرين «كذبوا بشأن أعمارهم» خلال التعداد السكاني، بحسب نيومان. وفي اليونان، تشير البيانات التي جمعها عام 2012 إلى أن 72% من المعمرين ماتوا. ويقول بنبرة مازحة «بقوا أحياء حتى اليوم الذي يصبحون اعتبارا منه قادرين على الاستفادة من راتب تقاعدي».

ورفض باحثون مدافعون عن «المناطق الزرقاء» أبحاث نيومان ووصفوها بأنها «غير مسؤولة على المستويين الاخلاقي والأكاديمي». وأكد علماء ديموغرافيا أنهم «تحققوا بدقة» من أعمار «المعمرين الذين تتخطى اعمارهم 110 سنوات» بالاستناد إلى وثائق تاريخية وسجلات يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر.

لكنّ نيومان يرى أنّ هذه الحجة تعزز وجهة نظره، ويقول «إذا انطلقنا من شهادة ميلاد خاطئة منسوخة من شهادات أخرى، فسنحصل على ملفات مترابطة جيدا... وخاطئة بشكل تام».

ويختم حديثه بالقول «كي تعيش حياة طويلة، ما عليك أن تشتري شيئا. استمع إلى نصائح طبيبك ومارس الرياضة ولا تشرب الكحول ولا تدخن... هذا كل شيء».