بعد يوم واحد من رفض القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي، المشير خليفة حفتر، المقترح الأميركي بجعل مدينة سرت منطقة «منزوعة السلاح»، أعلن رئيسا المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» فائز السراج، والبرلمان المستشار عقيلة صالح، كل على حدة، عن «وقف فوري لإطلاق النار على كل الأراضي الليبية، وتنظيم انتخابات مقبلة بالبلاد»، وسط ترحيب أممي ودولي.
وعزا نواب وسياسيون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» هذه الخطوة المفاجئة إلى أنها «جاءت نتيجة ضغوط دولية كبيرة على طرفي النزاع، بهدف المسارعة في إعادة إنتاج النفط»، مع وعد بإخراج المرتزقة المواليين لتركيا من البلاد، في وقت التزمت فيه القيادة العامة للجيش الصمت حتى مساء أمس، لكن قيادياً كبيراً في الجيش اكتفى بالقول في تصريح أمس: «ما زلنا ندرس الموقف، وسنعلن موقفنا».
وظهر أمس، قال فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، إنه «أصدر تعليماته لجميع قوات حكومة الوفاق بالوقف الفوري لإطلاق النار، وكل العمليات القتالية في كل الأراضي الليبية». وأكد أنه بادر إلى هذه الخطوة بهدف «استرجاع السيادة الكاملة على التراب الليبي، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة».
وذهب السراج، في بيانه الذي جاء ممهوراً باسمه وصفته فقط، أن تحقيق وقف فعلي لإطلاق النار «يقتضي أن تصبح منطقة سرت والجفرة منزوعة السلاح، وتتفق أجهزة الشرطة من الجانبين على الترتيبات الأمنية داخلها»، متحدثاً عن أهمية استئناف الإنتاج والتصدير في الحقول والموانئ النفطية «على أن تودع الإيرادات في حساب خاص بالمؤسسة الوطنية للنفط لدى المصرف الليبي الخارجي، وألا يتم التصرف فيها إلا بعد التوصل إلى ترتيبات سياسية جامعة، وفق مخرجات مؤتمر برلين، وبما يضمن الشفافية والحوكمة الجيدة، بمساعدة البعثة الأممية والمجتمع الدولي».
مؤسسة النفط
وفي حين جدد السراج تأكيده على أن مؤسسة النفط هي الوحيدة التي يحق لها الإشراف على تأمين الحقول والموانئ النفطية في جميع أنحاء البلاد، انتهى داعياً إلى انتخابات رئاسية ونيابية خلال مارس (آذار) المقبل، وفق قاعدة دستورية مناسبة يتفق عليها الليبيون.
وفي السياق ذاته، دعا المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، أمس، إلى «وقف إطلاق النار، والعمليات القتالية كافة في أنحاء البلاد، والبدء في انتخابات نزيهة»، ورأى أن هذا القرار «يقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية، ويخرج المرتزقة، ويفكك الميليشيات، ويساهم في عودة ضخ النفط».
وأعرب رئيس البرلمان، في بيان، عن تطلعه إلى أن يتم «تشكيل شرطة أمنية رسمية مختلطة لتأمين سرت، تمهيداً لتوحيد مؤسسات الدولة، وأن تتحول سرت إلى مقر للمجلس الرئاسي الجديد». وفي حين قال صالح «إننا نسعى لتجاوز الماضي، وطي صفحات الصراع والاقتتال، وبناء الدولة»، شدد على الالتزام باستئناف إنتاج وتصدير النفط، وتجميد إيراداته في حساب بالمصرف الليبي الخارجي، قائلاً: «لن يتم التصرف بإيرادات النفط قبل تسوية سياسية وفق مؤتمر (برلين) وإعلان القاهرة، وبضمانة أممية».
وعد أعضاء في مجلس النواب الليبي قرار وقف إطلاق النار تحركاً إيجابياً. ففي حين وصفه النائب عبد الهادي الصغير بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح لإخراج البلاد مما هي فيه»، قال النائب محمد تامر: «إذا صدقت نوايا المجتمع الدولي، فإن هناك انفراجاً قريباً، وبدءاً بالعملية السياسية».
وأضاف تامر، النائب عن جنوب البلاد (بلدية تراغن): «أعتقد أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة بموضوع فتح صمامات النفط». ورداً على عدم تعليق القيادة العامة للجيش على هذه القرار، قال: «أعتقد أن هناك اتفاقاً بين رئيس مجلس النواب وقيادات الجيش على هذا الموضوع»، لكنه أكد أن ضغوطاً أميركية ودولية كبيرة تقف وراء هذا القرار.
وفي السياق ذاته، أبدت المبعوثة الأممية لدى ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، ترحيبها الشديد بما وصفته بـ«القرارات الشجاعة» و«نقاط التوافق الواردة في البيانيين الصادرين عن السراج وصالح، لوقف إطلاق النار، وتفعيل العملية السياسية». وعبرت ويليامز، في بيانها أمس، عن أملها بأن تفضي هذه الخطوة إلى الإسراع في تطبيق توافق اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودين على الأراضي الليبية، داعية إلى التطبيق العاجل السريع لدعوة الرئيسين لفك الحصار عن إنتاج وتصدير النفط، وتطبيق الإرشادات المالية التي ذكرت في البيانين.
ترحيب إقليمي ودولي
وفور الإعلان عن قرار وقف إطلاق النار، أبدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ترحيبه، أمس، بالبيانين الصادرين عن السراج وصالح، لوقف إطلاق النار، ووقف العمليات العسكرية في الأراضي الليبية كافة، معتبراً أن هذا القرار «خطوة مهمة على طريق تحقيق التسوية السياسية، وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار، وحفظ مقدراته».
وفي حين رحبت السفارة الأميركية لدى ليبيا بالقرار، وقالت في بيان مقتضب إنه «سيكون لدى الولايات المتحدة المزيد لتقوله قريباً»، دعت وزارة الخارجية الألمانية، أمس، على لسان متحدث باسمها، إلى «الالتزام بوقف إطلاق النار الفوري» في ليبيا، وقالت في بيان أمس: «نأمل، وننتظر أن تتمكن جميع الجهات الفاعلة في ليبيا الآن من الاستمرار في الاتفاق على هذا النهج البناء، ومواصلة هذا المسار البناء بقدر الإمكان».
وأفادت المتحدثة أنه لم تتضح بعد التفاصيل كافة، لكن «وفقاً لكل ما نسمعه في هذه اللحظة، يمكن أن تكون هذه خطوة مهمة نحو التهدئة، وإيجاد حل آخر للصراع الليبي بروح عملية برلين».
ومحلياً، سارعت المؤسسة الوطنية للنفط، الموالية لحكومة «الوفاق» في طرابلس، بتأييد «مقترحات طرفي النزاع» في البلاد، لرفع حصار استمر 7 أشهر على منشآت النفط، ووضع الإيرادات في حساب مصرفي خاص حتى يتم التوصل إلى اتفاق سياسي، وقالت: «نرحب ببياني رئيسي المجلس الرئاسي والنواب اللذين يدعمان مقترح المؤسسة باستئناف إنتاج وتصدير النفط، وتجميد إيرادات البيع في حسابات المؤسسة الوطنية للنفط لدى المصرف الليبي الخارجي حتى يتم التوصل إلى ترتيبات سياسية شاملة، وفق مخرجات مؤتمر برلين».
وجددت دعوتها لإخلاء جميع المنشآت النفطية من أشكال الوجود العسكري كافة، لضمان أمن وسلامة عامليها، ولتتمكن من رفع حالة القوة القاهرة المباشرة في عمليات تصدير النفط».
ووصف العميد ركن الدكتور شرف الدين سعيد العلواني، المحلل الخبير العسكري الليبي، عملية وقف إطلاق النار بأنها تتم مع من وصفهم بأنهم «لا عهد لهم ولا ميثاق»، في إشارة إلى قوات «الوفاق». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن القرار جاء نتيجة «الضغوط الدولية، بهدف الحصول على النفط والغاز، ومزيد من المصالح»، ورأى أن هذه الخطوة «تستهدف كسب الوقت لمصالحهم، وللحشد بقواعدهم المقررة في مصراتة والوطية ومعيتيقة».