من الصعب معرفة ما إذا كان مطار «سنغافورة شانغي» مجمعاً ترفيهياً أم مطاراً، نظراً لاحتوائه على سينما من 3 شاشات، وحديقة داخلية، ومسبح على السطح، ومطاعم مبتكرة، تجذب كثيراً من السكان المحليين والمسافرين.
مع أكثر من 400 متجر؛ بما فيها «أبل» و«تيفاني كومباني»، كان من الممكن حسبان مطار «شانغي» رابع أكبر مركز تجاري من حيث عدد المحال التجارية لو أنّه كان سوقاً تجارية في الولايات المتحدة.
لقد جعل الجمهور، وغالبيته من الأثرياء، من تلك المساحات المربعة داخل المطارات التجارية واحدة من أكثر الأماكن ربحاً في العالم، لكنّ الوباء حطم الحسابات التجارية في المطارات، ولا أحد يعرف ما سيحدث بعد ذلك.
لوس أنجليس الدولي
يعد مطار لوس أنجليس الدولي المطار الرائد في مجال الامتيازات التجارية ومبيعات التجزئة في الولايات المتحدة، حيث تبلغ إيراداته 3036 دولاراً للقدم المربعة، وفقاً لتقرير عام 2018 حسب موقع «أخبار المطارات». يأتي مطار شيكاغو في المرتبة الثانية بمبيعات تبلغ 2718 دولاراً للقدم المربعة. بالمقارنة، يبلغ متوسط بائعي التجزئة في المراكز التجارية خارج المطارات نحو 325 دولاراً للقدم المربعة، وفقاً لبيانات موقع «كوستار» لعام 2017.
غير أن ألان غلوك، مستشار طيران كبير في شركة «أي سي إف»، صرح بأن كل هذا قد انتهى الآن، مضيفاً: «بشكل عام، ذهبت المبيعات إلى المرحاض». على سبيل المثال، فقد انخفضت مبيعات مطار سان فرنسيسكو الدولي في مايو (أيار) بنسبة 96 في المائة عن العام السابق. وقال إن مبيعات مناطق الامتياز المعفاة من الرسوم الجمركية انخفضت بنسبة 100 في المائة؛ لأنّ جميع المتاجر كانت مغلقة. في مايو 2019 بلغت المبيعات المعفاة من الرسوم الجمركية 11.5 مليون دولار.
حتى عودة حركة الركاب، حسب غلوك، لن يكون بيع العقارات بالتجزئة في المطارات مراكز ربحية، وحتى بعد عودة الطيران فستكون المبيعات محدودة. وقال: «أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في الأساليب التجريبية الحالية ما لم نعتقد أن سلوك العملاء سيعود إلى ما نعدّه الآن طبيعياً»، مضيفاً أنّ أنشطة الكشف بالأشعة لأغراض صحية غالباً ما تقتطع مساحاتها لصالح مناطق أخرى ذات نشاط تجاري.
من المحتمل أن يحتاج كثير من مناطق الامتيازات التجارية إلى مساحات أكبر للتباعد الاجتماعي، مما سيقلل من عدد وحدات البيع بالتجزئة التي يمكن أن تقدمها المطارات.
إن وسائل الراحة التي جعلت المطارات ذات يوم مكاناً مهماً لتحقيق الربح هي الأشياء نفسها التي ثبت أنّها تمثل تحدياً. على سبيل المثال، لا تزال مسارح «شانغي» مغلقة ليس فقط من أجل الحماية من مسببات الأمراض، ولكن أيضاً لأن الحركة بها باتت محدودة للغاية بحيث لا تفي بنفقات التشغيل.
وفي السياق ذاته، قال إيفان تان، نائب رئيس اتصالات التسويق بـ«مجموعة مطار شانغي» التي تدير المرفق: «سنقوم بتوسيع نطاق عمليات المطار لدينا بناءً على حجم الركاب الذين نتولى خدمتهم».
وقال تان إن الحركة في المطار انخفضت إلى واحد في المائة مقارنة بما كانت عليه قبل عام، مما يترك مجالاً ضئيلاً للأسواق والأفلام أو وجبات الطعام. يستغل المطار الوقت الحالي لإغلاق المبنى رقم «2» لتسريع عمليات التجديد المخطط لها، لكن الوباء سيتسبب في الاستبدال ببعض وسائل الراحة أخرى جديدة. واستطرد قائلاً: «لم يتضح بعد التأثير طويل المدى لفيروس (كورونا) على المرافق ووسائل الراحة التي نقدمها».
حتى الآن لم يوقف الوباء العمل في المحطات المخطط لها أو قيد الإنشاء في الولايات المتحدة رغم أن بعض مشغلي المطارات يعيدون النظر في وسائل الراحة للمسافرين.
يقع «مطار كانساس سيتي الدولي» في منتصف خطة تجديد بقيمة 1.5 مليار دولار لدمج محطاته الثلاث في مطار عملاق واحد يضم 39 بوابة، ونافورة من طابقين، ومنطقة لعب للأطفال، ومنطقة امتيازات تجارية حديثة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها إعادة تصميم المطار خلال اضطراب صناعة الطيران الكبير، ففي 11 سبتمبر (أيلول) 2001 كان المطار في منتصف عملية إصلاح كبيرة حيث يتعين إجراء تغييرات سريعة على مناطق الفحص وعلى الزجاج الداخلي والخارجي المحصن.
كان المشروع قيد التنفيذ، وقال المتحدث باسم المطار، جو ماكبرايد: «أُجريت التعديلات، ولم يفت الأوان بعد. ما زلنا في وقت مبكر بمشروع المحطة، والبناء مستمر، لذلك نحن في وضع أفضل مما كنا عليه في (11 سبتمبر)».
هناك مشاريع أخرى قيد التنفيذ، بما في ذلك بمطار «لاغوارديا» في نيويورك وفي الأسواق الأصغر، مثل «لافاييت»، «لوس أنجليس»، وجمعيها تمضي قدماً، ولكنّها تتبع نهج الانتظار والترقب بشأن التعديلات.
وصرح الدكتور أنتوني س.فوسي، مدير «المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية»، قائلاً إن بناء المحطة الجديدة يجب أن يركز على المساحات ليس فقط لفيروس «كورونا»، ولكن تحاشياً لأمراض الجهاز التنفسي الأخرى.
وأضاف الدكتور فوسي أن «الطبيعة المزدحمة للأشياء في المطار تجعلني دائماً غير مرتاح، لا سيما في مطار أقل حداثة. الناس تسير ملتصقة تماماً بانتظار ركوب الطائرة».
وقال إن المحطات الجديدة ضرورية للسماح بمساحة كافية للناس للتحرك والانتشار، ومن الضروري عمل منقي هواء عالي الكفاءة وتوزيع أقنعة مجانية. وأضاف أنه يود أن يرى مزيداً من الفحوصات الصحية في المطارات لمنع انتشار الفيروس الذي انطلق من ووهان الصينية ثم ميلانو الإيطالية. ويمكن أن يشمل هذا الاختبار فحص درجة الحرارة والاستجواب وتتبع الاتصال. وأضاف أن 40 في المائة من حالات الإصابة بفيروس «كورونا» من دون أعراض، مما يجعل المهمة صعبة. واستطرد الدكتور فوسي: «لا يمكنك رفع يديك والقول إن ذلك مستحيل».
في السياق ذاته، قال فيك كريشنان، مستشار الطيران في شركة «ماكينزي آند كومباني» إن المفتاح لجعل مطارات ما بعد الوباء قابلة للاستمرار والحياة تجارياً هو جعل الفحوصات الطبية موحدة في كل مكان. وأضاف: «لم يكن لديك شركات طيران مختلفة تروج لسلامتها بعد (11 سبتمبر)، وسيكون المسافرون أكثر ميلاً للسفر مرة أخرى إذا اعتمدت المطارات معايير سلامة صحية الآن».
تعديلات حسب الضرورة
في «كانساس سيتي»، يجري المسؤولون تعديلات حسب الضرورة. إذا كانت هناك حاجة إلى مساحة أكبر، فإن تصميمها يجب أن يتميز بالمرونة المدمجة، وهو أمر لا تستطيع المطارات القديمة القيام به بسهولة. وقال ماكبرايد: «حتى الآن، لم نقم بتغيير المسار أو تعديل التصميم الجديد الحالي للمطار، لكننا في المراحل الأولى من استكشاف كيفية تعزيز سلامة المسافرين وصحتهم».
وفي الإطار ذاته، قالت لورا إيتلمان، الشريك الإداري بشركة «أوينغز آند ميريل» المشرفة على تجديد المطار، وهي شركة معمار وتصميم في نيويورك، إن المبنى الجديد سيعطي المطار مزيداً من المرونة في التعامل مع هذا الوباء أو الآفات المستقبلية، بما في ذلك إمكانية إجراء فحوصات صحية في الخارج، مضيفاً أن الوباء سيسرع من بناء محطات طبية في المستقبل لمزيد من المرونة.
وأضاف إيتلمان أن «المطارات صعبة من الناحية المعمارية؛ لأنها باتت قديمة، لذا فإن جميع المباني التي نعمل عليها اليوم تتمحور حول مزيد من المرونة»، وهو النهج نفسه الذين يتبعه مصممو المطارات الآخرون.
في سياق متصل، قال كيرتس فينتريس، مهندس معماري من «دنفر» وتشارك شركته في إعادة تصميم المحطة الدولية في «مطار جورج بوش الدولي» في هيوستن، وكذلك مباني الركاب في ناشفيل وأورلاندو بولاية فلوريدا: «نحن لا نتراجع في الوقت الحالي. ما يمكننا القيام به جميعاً هو وضع مسافة بين الأشياء وتجنب لمس الأشياء قدر الإمكان». وأضاف: «أنت تنقل أعداداً هائلة من الأشخاص عبر المطار، لذا فإنني أدخل ضوء النهار ليقودك ويرشدك داخل المبنى وجعل المكان صحياً والاستمتاع بأكبر قدر ممكن من النظافة والأمان».
وقال هنريك روث، المحاضر البارز في تخطيط المطارات بجامعة كرانفيلد في بريطانيا والذي صمم مطارات في 45 دولة، إن هناك حاجة إلى عمل تغييرات أكبر، مضيفاً أن «تعطيل المطارات هو الأمر الأكثر تعقيداً على الإطلاق، وسيتعين على جميع أصحاب المصالح أن يجتمعوا معاً لإعادة تصورهم». وأكد أن «تفشي مرض (سارس) عام 2002 كان تحذيراً وبائياً تجاهله معظم المطارات. وعلى المدى الطويل، سيتعين على المطارات إعادة تقييم عملياتها، وربما تصبح أكثر توجهاً نحو الأعمال والبنية التحتية أكثر من اهتمامها بوسائل الراحة».
واختتم روث مشيراً إلى أهمية أن «تصبح المطارات مراكز تجارية متعددة الأغراض ومستدامة ومرنة في مواجهة الأحداث التخريبية».
- خدمة «نيويورك تايمز»