محكمة الحريري ومصير التحقيق في انفجار بيروت

لبنانيون يرفعون أعلاماً لبنانية أمام مقر المحكمة الدولية أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يرفعون أعلاماً لبنانية أمام مقر المحكمة الدولية أمس (أ.ف.ب)
TT

محكمة الحريري ومصير التحقيق في انفجار بيروت

لبنانيون يرفعون أعلاماً لبنانية أمام مقر المحكمة الدولية أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يرفعون أعلاماً لبنانية أمام مقر المحكمة الدولية أمس (أ.ف.ب)

يقطع حكم المحكمة الخاصة بلبنان الناظرة في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، الطريق أمام أي دعوة جدية لتحقيق دولي أو مستقل في التفجير الذي دمّر أجزاء واسعة من العاصمة بيروت وقتل حوالي مائتين وأصاب الآلاف بجروح خطيرة في الرابع من أغسطس (آب) الحالي.
هذا باختصار ما يمكن الخروج به من جلسة تلاوة الحكم التي عقدت في لاهاي بعد خمسة عشر عاماً على اغتيال الحريري في جريمة ما زالت تداعياتها تتوالى إلى اليوم. لقد قررت المحكمة أن لـ«(حزب الله) وسوريا مصلحة في اغتيال الحريري، لكن لا يوجد دليل على مسؤولية قيادتي الحزب وسوريا في الاغتيال»، بل إن «حسن نصر الله ورفيق الحريري كانا على علاقة طيبة في الأشهر التي سبقت الاعتداء».
وبديهي أن المحاكم تعمل وفق الأدلة والبراهين المادية التي تملك وتؤسس حكمها عليها. وهي غير معنية بالإجابة عن الأسئلة المحيطة بالجريمة من نوع من هو الطرف الذي أمر وخطط ونفّذ الاغتيال، أو ما هي الظروف السياسية المحلية والإقليمية التي أحاطت بالجريمة ما دام أن تكلفيها ينحصر بملاحقة المنفذين المباشرين، وليس الدول أو الهيئات السياسية ولا القادة.
ولا يحتاج مواطنو هذه المنطقة إلى من يشرح لهم آليات القرار في سلطات وحكومات لبنان وسوريا وغيرهما من الدول التي تورطت في الاغتيال. ولم ترَ المحكمة ضرورة لتفسير كيف يقرر أشخاص القيام باغتيال شخصية مثل رفيق الحريري الذي كان يتمتع بعلاقات على امتداد العالم، وكان يعتقد حتى اليوم الأخير من عمره أن قتله «خط أحمر» لن يتجاوزه إنسان. فكل اللبنانيين والسوريين يعلمون أن اغتيالاً بهذا الحجم لا يتخذ القرار فيه جهاز أمني مهما بلغ من العتو والجبروت، ولا يجد طريقه إلى التنفيذ ونشر المراقبين بشبكات هواتفهم المعقدة، من دون أمر مباشر من هيئة عليا.
ولا يزيد كلام المحكمة عن غياب البراهين عن دور مباشر لبشار الأسد وحسن نصر الله وعلي خامنئي عن كونه تجاهل العالم. بيد أن التجاهل هذا كان في حاجة إلى اقتراح آلية بديلة لكيفية القيام بعمليات اغتيال «مشهدية»، إذا صح القول، تبعتها عشرات من الاغتيالات لشخصيات تتشارك كلها بمعارضة السياسات السورية والإيرانية.
وليس صحيحاً أن أحداً ما كان ينتظر قرار المحكمة وحكمها، ليصوغ مواقفه، أو ليبني توجهات. كانت «الحقيقة» معلومة للجميع منذ كشف الرائد وسام عيد، مستخدماً برنامج كومبيوتر عادياً، شبكة الاتصالات التي استخدمها المنفذون، ووصل بالتالي إلى الأسماء والانتماء الأمني والحزبي للمذكورين. ودفع الرائد عيد حياته مع مرافقيه ثمناً لهذا الاكتشاف الذي تسرب إلى القتلة، في تفجير آخر لم يكشف مرتكبوه بعد.
ما كان منتظراً من المحكمة هو إعطاء بعض القيمة لمفهوم العدالة الدولية، وقدرتها على الالتزام بوعد المجتمع الدولي للبنانيين في 2005 بعدم إفلات المجرمين من العقاب. ما حصل هو العكس تماماً: كرر الحكم الحقائق المعروفة عن أشخاص وأجهزة هاتف خليوية وانتحاري مجهول، مستعيداً المقاربة ذاتها التي اعتمدها قرار الاتهام والتقارير الدورية للمحققين الدوليين. تجوز المقارنة هنا مع المحكمة الدولية بخصوص يوغوسلافيا السابقة التي حاكمت جميع مجرمي الحرب من كل الأطراف وصولاً إلى الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، في حين غرقت محكمة النظارة في اغتيال رفيق الحريري بتفاصيل الهواتف الخلوية وعدد الاتصالات التي أجراها كل منها. كانت محكمة يوغوسلافيا السابقة ضرورة لانتظام المشروع الأوروبي. محكمة لبنان ليست ضرورة لأحد.
ما يعنينا اليوم هو أن حكم المحكمة يأتي بعد أسبوعين من جريمة تفوق اغتيال رفيق الحريري في هولها والدمار والقتل اللذين ألحقتهما بآلاف اللبنانيين. انفجار الرابع من أغسطس. سيكون لهذا الحدث آثار ساحقة على عمران بيروت واجتماعها وثقافتها، ليكمل الإجهاز على كل ما حملته المدينة من قيم وصفات وحتى آثام. وإذا استمرت محاولات تضليل التحقيق وإخفاء الحقائق واستخدام المحازبين والموالين للسلطة في القضاء وأجهزة الأمن كمشرفين على كشف ملابسات الكارثة، فلن تكون هناك لا حقيقة ولا عدالة، وسيسجل الانفجار ضد مجهول، أو في أحسن الأحول ضد حفنة من صغار الموظفين الذين يسهل الاستغناء عنهم كأضاحٍ رخيصة على مذبح النظام القاتل.
مرة جديدة، تعيد المحكمة الخاصة بلبنان تذكير مواطني هذا البلد بانعدام قيمة حياتهم وموتهم وآلامهم، والأهم أن هذه المنطقة ستبقى عصية على التعريفات البسيطة المفترض أنها كونية للحقيقة والعدالة، وعدم الإفلات من العقاب، وقبل ذلك كله لمعنى الحياة البشرية. والأرجح أن إفلات المجرمين اللبنانيين سيغري غيرهم بمضاعفة أفعالهم وجرائمهم، وستبقى العدالة حلماً لا يتحقق في بلادنا.



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.