الميليشيات الحوثية تحوّل معقلها في صعدة إلى «إمارة طالبانية»

TT

الميليشيات الحوثية تحوّل معقلها في صعدة إلى «إمارة طالبانية»

لم تكتفِ الميليشيات الحوثية بتحويل محافظة صعدة اليمنية، حيث معقلها الرئيس، إلى «إمارة دينية»، على غرار ما تفعله التنظيمات الإرهابية، ولكنها سعت إلى نقل ذلك إلى العاصمة المختطفة صنعاء وبقية مناطق سيطرتها، من خلال منع سماع الأغاني والاختلاط، وإلزام النساء بزي مخصص، وتقييد حركتهن إلا بمحرم.
وفي حين أصبحت صعدة هي الأنموذج الذي تحاول الجماعة تعميمه في صنعاء، كانت شرعت أخيراً في العاصمة بفرض القيود على مؤسسات التعليم الجامعي، وفي المقاهي والمطاعم وصالات الأعراس ومحلات بيع الملابس النسائية، فضلاً عن سعيها لتغيير معتقدات المجتمع عبر مناهج التعليم والمساجد، وبالقوة الأمنية في الشوارع.
وبسبب القمع الشديد الذي تنتهجه ميليشيا الحوثي، خصوصاً في صعدة التي أرادت أن تكون نموذجاً لرؤيتها للحكم، حيث ينتشر مخبروها في كل شارع وحي، ويزجون بالمئات من الأشخاص في السجون بتهم غير حقيقية، مثل التعامل مع التحالف الداعم للشرعية، وزرع شرائح لاصطياد مواقع عسكرية أو إرسال إحداثيات، فإن حديث أي من سكان المحافظة إلى الصحافة يعد جريمة كبرى قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وفق ما يؤكده محمد صالح، أحد سكان المحافظة، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» مشترطاً عدم ذكر اسمه الكامل.
ويقول: «ما إن تغادر عمران في الطريق إلى صعدة حتى تنتشر النقاط التابعة لجهاز الأمن الخاص بالحوثيين التي كانت تعرف باسم الأمنيات، وباتت اليوم ترتدي لباس الشرطة وقوات النجدة، والتي تتولى التحقق من هويات الأشخاص، فإن كانوا من أبناء المحافظة سمح لهم بالمرور، وإن كانوا من خارجها فإن عليهم إثبات المكان الذي يقصدونه، وتحديد الشخص الذي سيلتقونه، وماذا سيعملون، ويتم في العادة إبلاغ مكتب الأمن في المحافظة من قبل أرباب العمل بأسماء من يعملون معهم، ومواعيد قدومهم، وعبر غرفة عمليات خاصة تبلغ النقاط بأسماء هؤلاء للسماح لهم بالمرور بعد التفتيش».
وعما يتداوله الناس بشأن قيام الحوثيين بتفتيش هواتف الأشخاص في النقاط، والتأكد من محتوياتها، يذكر محمد أن هذا الأمر أصبح معتاداً منذ عام 2010، حيث كانت تفتش اللجان الأمنية الحوثية الهواتف للتأكد من محتواها، وأيضاً للتأكد مما إذا كان فيها تسجيلات غنائية، إذ تقوم بسحب ذاكرة الهاتف، وتستبدل بها ذاكرة أخرى مليئة بأناشيد الجماعة الحربية. ويضيف: «هذا الأمر يخص القادمين من خارج المحافظة أو من الأرياف، أما سكان مدينة صعدة وضحيان تحديداً فإنهم قد ألزموا بذلك منذ سنوات، وأصبح هؤلاء معروفين وتحركاتهم مرصودة، ومنازلهم كذلك، ويعرفون أن سماع الأغاني محظور، وأن عليهم مشاهدة قنوات تلفزيونية محددة، مثل المسيرة والمنار والميادين والجزيرة فقط».
أما عماد، وهو موظف محلي في إحدى المنظمات الإغاثية، وقد عمل سابقاً في صعدة، فيؤكد أن المدينة تعيش تحت قبضة حديدية من عناصر الأمن والمخابرات الحوثية الذين يتعاملون بريبة وشك مع الموظفين في المنظمات الإغاثية أو القادمين من خارج المحافظة، مشيراً إلى أن الوضع فيها أشبه بإمارة «طالبان» عند سيطرتها على العاصمة الأفغانية. ويقول: «النساء ألزمن بلباس أسود يغطي كل شيء، حتى العيون بالكاد تظهر، ولا تتحرك المرأة إلا بمرافقة أحد أقاربها الذكور. كما ألزمت الطالبات في المراحل التعليمية المتوسطة والثانوية، وفي كلية التربية، بحضور دورات مذهبية مع ناشطات الحوثيين. أما التعليم في المدارس والكلية فأصبح منظومة مذهبية خالصة، فالمعلمون حوثيون يخضعون لما يسمى (القسم التربوي) في الهيكل التنظيمي للجماعة. كما تحولت المدارس إلى أشبه بثكنات عسكرية يتم فيها تعبئة صغار السن بالفكر الطائفي، وحثهم على القتال، وفصل الذكور عن الإناث في الصفوف الدراسية الأولى».
وحسب وصف عماد، فإن المدينة (صعدة) وبلدة ضحيان التي تقع على مدخلها «تحولتا إلى معسكر كبير، الكل مسلحون، يعملون لصالح الحوثيين أو يتظاهرون بالولاء لهم»، مضيفاً: «ما يتداوله السكان عن أعداد المعتقلين والذين يسمونهم (خونة)، وعن التعذيب الذي يتعرضون له في السجون، أرعب الناس، ولا تجرؤ حتى أسرهم على زيارتهم، بل يعاملون كمنبوذين».
هذا الوضع كان محل نقد من صالح هبرة، أحد مؤسسي الميليشيات رئيس مجلسها السياسي السابق، كما كان محل نقد كثير من الناشطين اليمنيين، بمن فيهم محسوبون على الجماعة أو متعاطفون معها.
وتداول ناشطون منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي منسوباً إلى هبرة، قال فيه: «استطعنا بفضل سياسة الخداع أن نجعل أبناء صعدة يعيشون جحيماً لسنوات، ونزج بالآلاف في المعتقلات، بذريعة أنهم يوزعون شرائح، وهي مجرد كذبة لا أساس لها من الصحة، فلم نحصل على شريحة واحدة، ولم تُكتشف كذبتنا إلا عندما فضحتنا تكنولوجيا الإحداثيات التي يستخدمها التحالف طوال فترة الحرب».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.