كارلوس أجواساكو: اللغة الإسبانية وطني

عبير عبد الحافظ ترجمت ديوانه «قصائد مترو نيويورك» إلى العربية

كارلوس أجواساكو: اللغة الإسبانية وطني
TT

كارلوس أجواساكو: اللغة الإسبانية وطني

كارلوس أجواساكو: اللغة الإسبانية وطني

نصحه أصدقاؤه أن يكتب بالإنجليزية حتى يحقق نجاحاً أكبر فرفض قائلاً، اللغة وطن ووطني هو الإسبانية! قالوا له تحدث عما هو غرائبي وخرافي لتلقى كتاباتك رواجاً مدهشاً، خاصة أنك من أميركا اللاتينية، فقال لهم: لن أكتب إلا ما أشعر به وهي التفاصيل الهامشية العادية! وحين يأسوا منه قالوا له على الأقل فلتزعم أن السلطات في بلادك طاردتك وقمعتك فهاجرت هارباً، فهكذا تكتسب التعاطف. لكنه رفض أيضاً هذه الوصفة المزيفة للعالمية.
إنه الشاعر والكاتب كارلوس أجواساكو الذي ينتمي إلى الجيل الأحدث في كولومبيا، هذا البلد اللاتيني صاحب التجارب الإبداعية الخصبة، لكن مكتبتنا العربية تكاد تتوقف عند رمزه الأدبي الأعظم غابرييل غارسيا ماركيز صاحب «مائة عام من العزلة » و«الحب في زمن الكوليرا»، ولم تتابع الأجيال التالية له هناك.
في كتاب «قصائد مترو نيويورك» الصادر في القاهرة عن المركز القومي للترجمة تسعى المترجمة الدكتورة عبير عبد الحافظ، رئيسة قسم اللغة الإسبانية بجامعة القاهرة، إلى التعريف بإحدى التجارب المهمة للجيل الجديد في كولومبيا.
ولد أجواساكو عام 1975 بالعاصمة بوغوتا، وتخصص في الدراسات الأدبية بالجامعة الوطنية، وقرر الإقامة بمدينة نيويورك منذ عام 1999، حيث تنوع نشاطه الفني والأدبي في فروع متعددة، فقدم برنامجاً إذاعياً هناك، وعمل بالسينما والمجلات الأدبية، ومارس الترجمة، فضلاً عن متابعته دراسته العليا بجامعة سيتي كوليج بنيويورك، وحالياً يدرِّس بها بقسم الدراسات البينية والثقافية، بعد أن حصل على الدكتوراه من جامعة ستوني بروك.
لا يقتصر نشاطه على الشعر؛ فهو باحث وناقد أدبي قدم من خلال دار النشر التي أسسها «أرتي بوتيكا بريس» فن الشعر، ونصوصاً من الفن القصصي كما في مجموعته «الخالد وأقاصيص أخرى» التي تحتوى على نماذج من السرديات القصيرة. وفي إحدى قصصها ينطق البطل بلسان حال أجواساكو نفسه قائلاً «لم أرحل عن بلادي لأسباب سياسية؛ فليس هناك ديكتاتور يجعلني ألقي بذنب مشقتي وتعاستي عليه. وبالمثل لم أرحل لأسباب اقتصادية، صحيح أنني لم أكن غنياً، ولكن كان لدي عمل ثابت ومستقر. لقد أتيت إلى نيويورك لأسباب شخصية، حضرت لأدرس وأصنع مستقبلاً، وقال لي أصدقائي إنك عنيد، عليك أن تكتب باللغة الإنجليزية وتتحدث عن العناصر المثيرة والغرائبية ببلادك؛ فالكتّاب اللاتينيون الذين يكتبون بالإنجليزية يلقون رواجاً كبيراً في الغرب. أعلم أنهم على حق؛ فالتفاصيل الأجنبية المثيرة أو الغرائبية تحقق أرباحاً كبيرة إذا ما كتبت بالإنجليزية، لكنني قررت أن أكتب بالإسبانية؛ لأن اللغة وطني وفيها أعيش».
في تقديمه لديوان «قصائد مترو نيويورك» يشير الناقد خوسيه بالثا إلى أن كارلوس أجواساكو يطوف عبر أزمة مختلفة للشعر بحثاً عن صوته الخاص. هكذا سنجده متأثراً بأجواء شتى، لكنه لا يسمح لنفسه بالاندماج مع القدماء، إنما يبدأ من حيث انتهوا. هكذا سنجده يستفيد من سافو وشكسبير وبتراركا وباشو وهولدرين، وغيرهم من الشعراء القدامى ضمن الدوائر المحيطة به. وبالطبع، حسب بالثا، على الشعراء أن يأخذوا في الاعتبار كثافة اللغة المكتوبة نصاً والسياق الاجتماعي الذي يكتبون من خلاله مثلما يفعل كاتب من أميركا اللاتينية في هذه اللحظة الراهنة؛ فالشاعر اللاتيني يكتب اليوم بالإسبانية وإن كان يتغذى من الواقع حوله بمجساته الخاصة التي يتلمس بها الأشياء والأحداث اليومية والكونية من حوله.
ويتوقف الناقد اللاتيني بشكل خاص عند قصيدة «أصوات» التي كتبها أجواساكو وهو في العشرين من عمره ونشرها ضمن ديوان «التحاور مع ملاك»، التي تشى بشكل مبكر بسمات وملامح ستصبح فيما بعد أساسية في أعماله اللاحقة، حيث تتبدى فيها قدرة فريدة على استدعاء وإيقاظ الأخيلة، ولتلقائية التي تستحضر أجواء الشاعر الأميركي «رايموند كارفر»، كذلك تشكيل السطر الشعري كأداة فاعلة ذات طاقة، فضلاً عن المؤثرات الصوتية التي تحدثها تراكيب لغوية معينة بالإسبانية، مثل «الموت والإيمان» أو «سافر أنطونيو إلى الجنوب» أو «عرق الصباح».
ورغم أن الشاعر مقيم في الولايات المتحدة، فإنه يحمل معه، كما يؤكد خوسيه بالثا، إرثه اللاتيني الخاص في مواجهة نيويورك، تلك المدينة المغناطيسية القادرة على سحق أعتى الهويات. يقاوم أجواساكو غواية المدينة المعروفة بلقب «التفاحة الكبيرة» فيلوذ بماضيه وذكريات طفولته، مستدعياً العادات اليومية الموروثة والمواقف المضحكة لعله يجد فيها بعض الدفء والحميمية وسط مبان شاهقة وناطحات سحاب تشعرك بالغربة والضآلة.
يضم الديوان قصائد كتبها الشاعر عبر ثماني سنوات في الفترة من 1995 إلى 2003، ويتألف من ستة أجزاء تحمل أصداء وحضور كبار الشعراء من أميركا اللاتينية وإسبانيا، يشير يالثا إلى أنهم بدوا وكأنهم يمدون يداً داعمة للقصيدة التي يكتبها أجواساكو، فتأتي مفعمة بالدفقة العاطفية بموازاة تفكير عميق وتلقائي. مجسدة أهم السمات عنده وهي «القدرة اللفظية في الصياغة الحادة غير النمطية وغير المتوقعة، فقصائده ذاتية تتعلق بالذات الإنسانية ومخاوفها، وكونية في الوقت نفسه، حيث ترمى للتعبير عن أشواق الإنسان للحق والخير والجمال». وهو ما يتبدى في قصيدة بعنوان «تحت هذا الجلد الهجين يرقد قزم»، حيث يبدو الشاعر في أزمة مع ذاته، وكما يقول:
«تحت هذا الجلد الهجين يرقد قزم
يستخدم بشرتي كعباءة شحاذ
يلفها حول عنقه
ويطلب هبة وبيده فنجان قهوة
تزعجني رائحته الشبيهة بلاعب الأكروبات في السيرك
وقلنسوته مثل عامل القطار
ورغبته في القفز من رصيف لآخر
عند محطة المترو
في بعض المناسبات أحاول جعله وحيداً بمنتصف الطريق
أهرب بجلدي وأركض إلى ليكسنجتون أفينيو
أهجره هناك»
في رسالة بعث بها لأحد أصدقائه يبرر أجواساكو نفسه غرابة عنوان ديوان هذا قائلاً «أرغب في عنوان يجبر القارئ على التساؤل عن ماهية الشعر اليوم، عنوان سهل يمكن تذكره، ساخر وجريء». وهو ما يتجسد في قصيدة «المتنزه»، حيث يطرح أجواساكو مفهومه للشعر وإحساسه بلحظات الصمت والهدوء، ويقول فيها:
«القصيدة مورد للجلد
كساء للعظام والقلب ينبض
ولدت لأبكي مدداً ولأجلس بالمتنزهات
القراءة الجهرية ابنة القصيدة الممتدة في الهواء
تلاعب نيويورك لتختبئ تحت شمس الظهيرة
إنني كومة فوق الشعب ترقب الحمائم تتحلق في دوائر
والقطار المعلق يشير لانقضاء الدقائق سبعة إثر سبعة
جئت هاهنا لأجلس في صمت
لو كنت شجرة لالتفت أغصاني بحثاً عن بصيص الضوء بين المباني
لو كنت شجرة لحاكت جذوري هذا الدوران
أمكث ساكناً إلى أن تتغوط فوق وجهي الحمامة.
ويعبّر أجواساكو عن الحب باعتباره الطرف الآخر في خلق القصيدة، وفي تجديدها أيضا، أو تركها أحادية تصارع لحظات الذبول والانطفاء، كما في نص بعوان «اثنان» حيث يقول:
«لكتابة قصيدة جديدة فلا بد من وجود (اثنين)
لا أحد يكتب القصيدة دون فرد (ثان) يمنحها الوجود
لكي توجد هذه السطور لا بد من وجودك أنتِ
ولغتي التي ترسمها على جلدك
ريشة من لعاب يتهجى اسمك على حافتي شفتيك
وشفتاك مثل لوح الكتابة أتعلم أن أضع فوقه النبرات
لأقرأ قصيدة يلزمني وجودك».
وتتنوع القصائد في الديوان، فبعضها يتسم بالطول، كما يتسع فضاؤها الداخلي واشتباكاته مع العالم، بينما نجد قصائد تأخذ شكل الومضة الشعرية لا تزيد على أسطر عدة كما في قصيدة «هل ترغب أن تذوق المرارة؟»، التي يقول فيها:
«حينها تحيا بين الآخرين وفيهم
اترك صدرك محروماً وافتح شفتيك
زهرتين سترى أنهما تخدعانك»



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.