الراعي يعلن «لبنان والحياد الناشط» وسط صمت «حزب الله»

الراعي في مؤتمره الصحافي (الوكالة الوطنية)
الراعي في مؤتمره الصحافي (الوكالة الوطنية)
TT

الراعي يعلن «لبنان والحياد الناشط» وسط صمت «حزب الله»

الراعي في مؤتمره الصحافي (الوكالة الوطنية)
الراعي في مؤتمره الصحافي (الوكالة الوطنية)

حدّد البطريرك الماروني بشارة الراعي ثوابت حياد لبنان القائمة على «عدم دخول لبنان في تحالفات ومحاور وصراعات سياسية، وحروب إقليمية ودولية ومنع أي دولة عن التدخل بشؤونه»، و«تعزيز الدولة اللبنانية لتكون دولة قويّة عسكريا بجيشها ومؤسساتها وقانونها وعدالتها ووحدتها الداخليّة، لكي تضمن أمنها الداخلي من جهة، وتدافع عن نفسها بوجه أي اعتداء بري أو بحري أو جوّي يأتيها، سواء من إسرائيل أو من غيرها من جهة أخرى»، وهو مضمون يثبت قاعدة «النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة، وينزع الشرعية عن سلاح «حزب الله» لقتال إسرائيل، في وقت يلوذ الحزب بالصمت ولم يعلن أي موقف بعد من الوثيقة.
وأعلن الراعي في مؤتمر صحافي أمس، «مذكرة لبنان والحياد الناشط» انطلاقاً من أن «حياد لبنان هو ضمان وحدته وتموضعه التاريخي، وخصوصاً في هذه المرحلة المليئة بالتغييرات الجغرافية والدستورية».
ومع أن «حياد لبنان»، كنظام دستوريٍ، لم يكن حاضرا في ذهن مؤسسي دولة لبنان الكبير، فإنه «كان حاضرا كسياسة دفاعية وخارجية يتبعها هذا الكيان الصغير والجديد ليثبت وجوده ويحافظ على استقلاله واستقراره ووحدته وهويته»، بحسب ما قال الراعي الذي توقف عند محطات تاريخية اتبع فيها لبنان مفهوم الحياد من العام 1943 وهو تاريخ استقلال لبنان، إلى عام 1975 وهو تاريخ اندلاع الحرب الأهلية.
وإذ توقف عند «إعلان بعبدا» في عام 2012 الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع وقد تضمن بوضوح عبارة «تحييد لبنان»، لفت إلى أن لبنان خلال السنوات ما قبل 1975 تمكن من المحافظة على وحدة أراضيه رغم مشاريع الوحدة العربية في عام 1958، وانتكاس التوازن اللبناني مع دخول العامل الفلسطيني إلى المعادلة الداخلية وانطلاق العمل المسلح الفلسطيني في لبنان بموجب اتفاق القاهرة 1969 الذي «أذعنت الدولة اللبنانية له وقبلت التنازل عن سيادتها» مما سمح للمنظمات الفلسطينية القيام بأعمال عسكرية ضد إسرائيل انطلاقا من الجنوب اللبناني.
وقال: «كرت سبحة انحياز الدولة وفئات لبنانية إلى النزاعات العقائدية والسياسية والعسكرية والمذهبية في الشرق الأوسط. احتلت إسرائيل جنوب لبنان (1978 - 2000) وسيطرت المنظمات الفلسطينية على الجزء الباقي وصولا إلى وسط بيروت (1969 - 1982)، ثم دخلت القوات السورية لبنان (1976 - 2005) ونشأ «حزب الله» حاملا مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بوجوهه الديني والعسكري والثقافي (1981 - ...).
وأرجع الراعي كل الأحداث إلى «خروج لبنان عن سياسة الحياد المتعارف عليها من دون نص دستوري»، وقال: «أصبح لبنان في حالة تفكك، وفشلت جميع الحلول والتسويات، وما عاد ينقذ وحدته واستقلاله واستقراره سوى الحياد. ذلك أن الخلافات بكثافتها وعمقها تهدد الكيان لا الدولة فقط».
وإذ رأى الراعي أن «إعلان حياد لبنان هو فعل تأسيسي مثل إعلان دولة (لبنان الكبير) سنة 1920 وإعلان استقلال لبنان سنة 1943»، شدد على أن الحياد هو «عقد الاستقرار» بعد عقدي الوجود والسيادة». وقال إن «لبنان بحياده الناشط لديه ثلاثة أبعاد مترابطة ومتكاملة وغير قابلة للتجزئة»، أولها هو «عدم دخول لبنان قطعيا في أحلاف ومحاور وصراعات سياسية وحروب إقليميا ودوليا، وامتناع أي دولة إقليمية أو دولية عن التدخل في شؤونه أو الهيمنة عليه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراض عسكرية»، بينما «يحق للبنان أن يبقى عضوا فاعلا في جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، فيساهم في إغناء فكرة تضامن الشعوب وعملها من أجل السلام ونهضة الشعوب».
أما البعد الثاني فيتمثل في «تعاطف لبنان مع قضايا حقوق الإنسان وحرية الشعوب، ولا سيما العربية منها التي تجمع عليها دولها والأمم المتحدة؛ وبذلك يواصل لبنان الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني والعمل على إيجاد حل للاجئين الفلسطينيين لا سيما أولئك الذين يوجدون على أراضيه». أما البعد الثالث «فيتمثل في تعزيز الدولة اللبنانية لتكون دولة قوية عسكريا بجيشها وبمؤسساتها وقانونها وعدالتها وبوحدتها الداخلية وإبداعاتها، لكي تضمن أمنها الداخلي من جهة، وتدافع عن نفسها بوجه أي اعتداء بري أو بحري أو جوي يأتيها من إسرائيل أو من سواها من جهة أخرى. ويستلزم لبنان الحيادي أن يصار إلى معالجة الملفات الحدودية مع إسرائيل على أساس خط الهدنة، وترسيم الحدود مع سوريا أيضا».
ورأى أن نظام الحياد مصدر استقلال لبنان واستقراره كونه «يؤمن الخروج من حال النزاعات والحروب والأحداث الداخلية المتتالية التي تلت قيام دولة لبنان الكبير» في إشارة إلى الأعوام 1958، و1969 و1973 و1975.
وفند أسباب النزاعات وهي «نزاعات داخلية بين المكونات الدينية والجماعات المذهبية المتعددة الولاءات على خلفية قومية وعقائدية ورغبة بتعديل سلطة الحكم في البلاد وخدمة مصالح دول أخرى»، و«نزاعات سياسية وجغرافية وقومية في بلدان مجاورة كانت لها تداعيات عندنا»، و«عدم صفاء علاقة سوريا بلبنان لجهة أرضه أو السلطة أو حدوده الدولية»، و«ارتداد نشوء دولة إسرائيل على لبنان لا سيما على أمنه القومي، الحدودي والداخلي، والتسبب بمجيء اللاجئين الفلسطينيين إليه».
وفيما اعتبر أن تلك النزاعات «عولجت بحلول سطحية ومؤقتة»، قال: «تضمنت التسويات في طياتها بذور نزاعات مستقبلية. فأصبح لبنان وطنا تتنازع مكوناته على أدوارها في حكمه، وساحة لحروب الآخرين على أرضه».
وحذر الراعي من أنه «إذا لم تعالج أسباب هذه النزاعات في العمق، فستتواصل النزاعات والحروب، وسنصل إلى إحدى الحالات الثلاث: إما أن تتسلط طائفة على الآخرين بقوة السلاح وتضع يدها على الدولة وتهدد جيرانها والتوازن الإقليمي، وإما أن يبقى لبنان دولة فاشلة مشرعة وفاقدة الوزن والاستقرار، وإما أن يقرر الآخرون إعادة النظر بالكيان اللبناني في إطار تغييرات الشرق الأوسط خلافا لإرادتنا بالوحدة والعيش معا». وأكد أننا «طرحنا نظام الحياد لتفادي هذه الحالات، ولتثبيت السيادة والاستقرار».
ولفت الراعي إلى استفادة لبنان اقتصاديا من نظام الحياد. وقال إنه بفضل كل ذلك «يتحول لبنان محور الاتحاد المتوسطي والمكان الذي تتقاطع فيه مصالح جميع الأطراف»، واصفاً «الشراكة الأوروبية والاتحاد المتوسطي» بأنهما «مشروعان حيويان للبنان».
ودعا الراعي الأسرة العربية والدولية إلى أن تتفهم الأسباب الموجبة التاريخية والأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية التي تدفع غالبية اللبنانيين إلى اعتماد «الحياد الناشط»، وأن تقر منظمة الأمم المتحدة في حينه نظام الحياد بأبعاده الثلاثة، واعتبر أن «لبنان القائم على التعددية والتوازن بين مكوناته يحتاج لكي يستمر أن تجد منظمة الأمم المتحدة مع الدول المعنية حلا لوجود نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني ونحو مليون ونصف المليون نازح سوري على أراضيه».



مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
TT

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)

تسعى الحكومة المصرية، لتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في مجال إدارة الموارد المائية، في ظل تحديات كبيرة تواجهها تتعلق بـ«محدودية مواردها». وخلال لقائه سفيرة الاتحاد الأوروبي في القاهرة أنجلينا إيخورست، الاثنين، ناقش وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، التعاون بين الجانبين، في «إعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجتها».

وتعاني مصر عجزاً مائياً، حيث يبلغ إجمالي الموارد المائية، نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، في مقابل احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، وبنسبة عجز تقدر 54 مليار متر مكعب، وفق «الري المصرية».

وتعتمد مصر على حصتها من مياه نهر النيل بنسبة 98 في المائة، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وحسب بيان لـ«الري المصرية»، ناقش سويلم، مع سفيرة الاتحاد الأوروبي، مقترحات تطوير خطة العمل الاستراتيجية (2024-2027)، طبقاً للأولويات المصرية، مشيراً إلى الدعم الأوروبي لبلاده في مجالات «رفع كفاءة الري، وإعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجة المياه، والتكيف مع تغير المناخ».

ووقَّعت الحكومة المصرية، والاتحاد الأوروبي، إعلاناً للشراكة المائية، خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP28، الذي عُقد في دبي عام 2023، بهدف تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية، وتعزيز الحوار، وتبادل الخبرات.

وأوضح وزير الري المصري أن «الإجراءات التي تتبعها بلاده لرفع كفاءة استخدام المياه، تندرج تحت مظلة الجيل الثاني لمنظومة الري»، منوهاً بقيام الوزارة حالياً «بتأهيل المنشآت المائية، ودراسة التحكم الآلي في تشغيلها لتحسين إدارة وتوزيع المياه، والتوسع في مشروعات الري الحديث»، إلى جانب «مشروعات معالجة وإعادة استخدام المياه، ودراسة تقنيات تحلية المياه من أجل الإنتاج الكثيف للغذاء».

ومن بين المشروعات المائية التي تنفذها الحكومة المصرية، بالتعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي، «البرنامج القومي الثالث للصرف، وتحسين نوعية المياه في مصرف (كيتشنر)، وتحديث تقنيات الري لتحسين سبل عيش صغار المزارعين في صعيد مصر، ومراقبة إنتاجية الأراضي والمياه عن طريق الاستشعار عن بعد».

وتعوِّل الحكومة المصرية على الخبرات الأوروبية في مواجهة ندرة المياه، وفق أستاذ الموارد المائية، في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، الذي أشار إلى أن «القاهرة سبق أن استعانت بخبراء أوروبيين لصياغة حلول للتحديات المائية التي تواجهها مصر»، وقال إن «كثيراً من المقترحات التي قدمها الخبراء تنفذها الحكومة المصرية في سياستها المائية، ومن بينها التوسع في مشروعات معالجة المياه، وتحلية مياه البحر، واعتماد نظم الري الحديث».

وللتغلب على العجز المائي شرعت الحكومة المصرية في تطبيق استراتيجية لإدارة وتلبية الطلب على المياه حتى عام 2037 باستثمارات تقارب 50 مليون دولار، تشمل بناء محطات لتحلية مياه البحر، ومحطات لإعادة تدوير مياه الصرف بمعالجة ثلاثية، إضافة إلى تطبيق مشروع تحول للري الزراعي الحديث.

ويعتقد نور الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخبرة الأوروبية في مجال تطوير إدارة المياه والتغيرات المناخية هي الأفضل في هذا المجال»، مشيراً إلى أن «القاهرة تسعى إلى الاستفادة من المنح الأوروبية المقدَّمة في تلك المجالات، وخصوصاً، التكيف مع التغيرات المناخية»، معتبراً أن «التعامل مع العجز المائي في مصر من أولويات السياسة المائية المصرية».

ويُعد الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء في المجال التنموي بالنسبة لمصر، وفق أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي أشار إلى أن «التعاون المائي بين الجانبين يأتي ضمن الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي جرى توقيعها بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، لتطوير التعاون بمختلف المجالات».

ويرى شراقي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتحاد الأوروبي يمتلك التكنولوجيا والخبرات الحديثة بشأن تطوير استخدام المياه، خصوصاً في الدول التي تعاني من شح مائي».