هل هناك طريقة لإطعام العالم بصورة مستدامة؟

منظومة الغذاء العالمية تواجه تحديات متزايدة تشمل تغير المناخ وتزايد عدد السكان

هل هناك طريقة لإطعام العالم بصورة مستدامة؟
TT

هل هناك طريقة لإطعام العالم بصورة مستدامة؟

هل هناك طريقة لإطعام العالم بصورة مستدامة؟

في وقتنا الحاضر يعيش على الكرة الأرضية ما يقرب من سبعة مليارات إنسان، سيزيدون بحلول منتصف القرن الحالي إلى قرابة عشرة مليارات نَسمة.
الخبر السعيد أن معدل الزيادة السكانية آخذ في التراجع، ومع ذلك، فإن ثمة حاجة إلى مزيد من الموارد لإنتاج الغذاء اللازم لتحسين النظم الغذائية للأفراد، بالتزامن مع خروجهم من دائرة الفقر. ومن ثم سوف تشهد العقود القليلة المقبلة زيادة بالغة في الطلب العالمي على الغذاء.
ويتزامن هذا الارتفاع في الطلب مع الضغوط المتصاعدة على جانب العرض في معادلة إنتاج الغذاء، لا سيما في ظل زيادة المنافسة على موارد الأراضي والمياه. فعلى مدى عقودٍ طويلة، طالما أفرط البشر في استغلال التربة الزراعية، التي بدورها فقدت خصوبتها وصارت تعتمد بكثرة على عديد من المُدخلات الخارجية، مثل المياه والأسمدة والمبيدات الحشرية. ومن المتوقع أيضاً أن يواجه العالم مزيداً من الصدمات المتكررة؛ فالتهديدات الناجمة عن تغير المناخ حتماً سوف تتصاعد بلا هوادة، وها نحن نشهد حالة بالغة من عدم الاستقرار السياسي، بالأخص على صعيد التجارة العالمية.
ومن الواضح تماماً أنك إذا كنت تعيش في منطقة الشرق الأوسط، فإن الحاجة إلى وجود نظام عالمي لتداول السلع يتميز بدرجة أداء جيدة، يُشكل ضرورة ملحة لتلبية الطلب على الغذاء.
هناك كثير من الأمور التي يمكن القيام بها لمواجهة تلك التحديات.
أولا: نحن بحاجة إلى أن نكون جادين في معالجة مسألة تغير المناخ، ذلك التحدي الذي يتهدد وجود البشرية في القرن الحادي والعشرين. كذلك يتعين علينا حتماً إخضاع نظام تداول السلع العالمي (أبرزها السلع الزراعية وسلع الطاقة والسلع المعدنية والسلع الحيوانية) لاختبار تحمل؛ لنختبر مدى مرونته، وهو الأمر الذي كان لزاماً علينا أن نفعله كي نتحقق من منظومة القطاع المالي العالمي في بداية العقد الأول من القرن الحالي. وفي إطار منظومة الغذاء، نحتاج إلى اتخاذ بعض الإجراءات بشأن الإنتاج الزراعي والنظم الغذائية وهدر الطعام.
أهمية «التكثيف المستدام»
تحتاج البشرية إلى إنتاج كميات إضافية من الغذاء تنتمي إلى البصمة الزراعية نفسها بشكل أساسي، لكن مع مراعاة الحد بدرجة كبيرة من التأثيرات السلبية على البيئة، وهذا ما يُسمى غالباً بـ«التكثيف المستدام». أما البديل، وهو التوسع في مساحة الأراضي الزراعية، فلم يعد خياراً قابلاً للتطبيق؛ فهناك مساحات قليلة جداً من الأراضي الجديدة المتاحة للزراعة دون آثار بالغة الضرر على مستوى انبعاثات غازات الدفيئة والتنوع البيولوجي.
وللتكثيف المستدام عدة مكونات أساسية، أهمها أننا بحاجة إلى أنواع وسلالات شتى من المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية تكون أكثر إنتاجية، وأفضل كفاءة في استخدام الموارد، وأكثر مرونة وتكيفاً في مُجابهة أي صدمات متعلقة بتغيُر المناخ.
وفي هذا المقام أود أن أنوه بالأبحاث التي تُجرَى في المنطقة العربية خاصة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بالسعودية والتي تتميز بأهمية بالغة في هذا الصدد، لا سيما من ناحية تركيزها على الزراعة التي تتسم بالكفاءة في استهلاك المياه بالمناطق القاحلة. نحتاج كذلك إلى تحسين علوم الزراعة، بشكل يتضمن تطوير أنظمة لزراعة المحاصيل وتربية الماشية من شأنها حماية التربة وتقليل استخدام المُدخلات الخارجية من الأسمدة ومبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية. كما يتعين علينا أيضاً ضخ مزيد من الاستثمارات بقطاع الزراعة في البلدان منخفضة الدخل، ما من شأنه تمكين المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة من إنتاج مزيد من الغذاء لأنفسهم وللأسواق المحلية، بل وحتى للأسواق الأكثر بُعداً، بصورة مستدامة.
خيارات صعبة
وسيكون لزاماً علينا كذلك تبني خيارات صعبة بشأن الطعام الذي نأكله إذا ما أردنا خلق نظام مُستدام عالمياً، إذ يستحيل على تعداد سكان يبلغ عشرة مليارات نسمة استهلاك ما نتمتع به حالياً من نظم غذائية في البلدان مُرتفعة الدخل، فلا يوجد ما يكفي من الأراضي، كما ستكون العواقب البيئية لإنتاج هذا الكم الهائل من الغذاء كارثية.
إضافة إلى ذلك، فالأنظمة الغذائية التي يتبعها أصحاب الدخول المُرتفعة تُصيب البشرية بالأمراض. فمثلا تستشري في عالمنا المعاصر جائحة فرط الوزن والسمنة، إذ تنتشر أمراض النظم الغذائية ذات الصلة بالإفراط في الاستهلاك أكثر من مثيلاتها المرتبطة بنقص الاستهلاك. إننا بحاجة إلى تغيير كثير من جوانب نظامنا الغذائي، فعلى سبيل المثال، يسهم تقليل الكميات التي نتناولها من السُكر والدهون في تحسين صحتنا، في حين أن خفض استهلاكنا للحوم هو أفضل ما يمكننا فعله من أجل البيئة.
وأخيراً، لا بد من تقليل هدر الطعام؛ فالتقديرات الموجودة بهذا الشأن متباينة، ولكن قرابة ثلث الأغذية المُنتجة لا تُؤكل مُطلقاً. ففي البلدان ذات الدخول المنخفضة، تتجسد المشكلات بالأساس في المزارع والسلسلة الغذائية. أما في البلدان مُرتفعة الدخل فيحدث الهدر في أقصى صوره بقطاعي المنازل والمطاعم. إننا بحاجة إلى حوافز اقتصادية لتقليل الهدر، كما أننا نحتاج إلى تغييرات على صعيد الأعراف الاجتماعية حتى يصير من غير المقبول التخلص من الطعام برميه بعيداً.
ومع حلول نهاية القرن الحالي، من المرجح أن يكون عدد سكان كوكبنا قد وصل إلى مرحلة من الثبات والاستقرار، بل وربما يبدأ في التناقص. من الممكن ساعتها إطعام مزيد من الناس دون تدمير الكوكب. لكن من أجل بلوغ هذا الهدف، علينا التحرك الآن وفوراً. لا بد من ضخ استثمارات أكبر في الأبحاث المتعلقة بالابتكارات التقنية للتكثيف المستدام. كما نحتاج كذلك إلى إرادة سياسية يمكنها أن تتخذ قرارات صعبة بشأن تغير المناخ والأنظمة الغذائية.

- مدير برنامج أكسفورد لمستقبل الغذاء خبير علم الأحياء السكاني وتغطي مؤلفاته المجالات الأساسية والتطبيقية في علوم البيئة والتطور وعلم الأوبئة



الآشوريون عرفوا علاج جذور الأسنان قبل أكثر من 3000 عام

الآشوريون عرفوا علاج جذور الأسنان قبل أكثر من 3000 عام
TT

الآشوريون عرفوا علاج جذور الأسنان قبل أكثر من 3000 عام

الآشوريون عرفوا علاج جذور الأسنان قبل أكثر من 3000 عام

عندما ننظر إلى تاريخ الطب القديم، نجد أن الحضارات القديمة كانت متقدمة في مجالات عدة بفضل براعة وابتكار أطبائها.

ومن بين هذه الحضارات، تبرز حضارة وادي الرافدين، بإنجازاتها العظيمة في الطب والعلاج. ومن أكثر الاكتشافات إثارة للإعجاب هي الرسائل الطبية الآشورية التي تكشف عن ممارسات طبية متقدمة تُستخدم لمعالجة التحديات الصحية المعقدة.

رسالة تشخيص قبل نحو 3000 عام

من بين هذه الرسائل المذهلة تأتي رسالة تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، أرسلها طبيب إلى الملك الآشوري نابو ناصر. تحتوي هذه الرسالة على تفاصيل مذهلة حول كيفية تعامل الأطباء مع مشكلات صحية تتعلق بالأسنان التي كانت تسبب آلاماً شديدة للملك، لا في السن فحسب، بل وفي باقي الجسم إذ كان يعاني من الصداع وآلام الأطراف.

وفي الرسالة، يشخّص الطبيب السبب وراء الأوجاع التي يعاني منها الملك على أنها نتيجة لمشكلة في الأسنان، ويوضح أن التسوس، الذي كان يُعتقد آنذاك أنه بسبب الديدان، هو السبب وراء هذه الأعراض.

علاج جذور الأسنان

قدم الطبيب توصيات للعلاج، مشيراً إلى خيارين رئيسيين: الأول هو علاج السن عبر «قنوات داخلية»، حيث يتم تنظيف التسوس، وهو أقرب ما يكون لما نعرفه اليوم بعلاج الجذور. أما الخيار الثاني فهو قلع السن المصابة بالكامل إذا كانت الحالة متقدمة.

تقدم الفكر الطبي في حضارة آشور

وتكشف الرسالة عن وعي الأطباء الآشوريين بأثر صحة الفم على باقي أعضاء الجسم، وهي فكرة لم تكتشفها الأبحاث الطبية الحديثة إلا في القرن التاسع عشر. وهذا الوعي يعكس تفوق الأطباء الآشوريين في فهم العلاقة المتبادلة بين صحة الفم والصحة العامة للجسم.

كما تُظهر النصوص المسمارية التي وثقت هذه الرسائل تنوع الممارسات الطبية في ذلك الوقت، حيث لم تقتصر على استخدام الأعشاب والزيوت، بل شملت أيضاً الطقوس الروحية والتقنيات الجراحية البسيطة.

تاريخية الوثيقة واكتشافها

هذه الوثيقة الثمينة، التي نشرها وترجمها العلامة البروفسور طه باقر في القرن العشرين (وتم نشرها حصرياً في المجلات العلمية لكنها لم تنشر في أي وسيلة إعلامية للعامة وهذه أول مرة يتم نشرها على أي صحيفة أو مجلة تستهدف العامة)، تؤكد مكانة الطب الآشوري بين حضارات العالم القديم. وعثر على هذه الرسالة في تل قوينجق شمال مدينة الموصل في العراق، وتعتبر من أهم الوثائق التي تبرز التقدم الطبي لدى الآشوريين.

إن هذا التراث الطبي الثري يُعد مصدر فخر للإنسانية، ويذكرنا بأهمية الاستمرار في البحث والتعلم من الحضارات السابقة لتطوير مستقبل أكثر صحة ورخاء.