الشائعات تسيطر على اللبنانيين بعد تفجير بيروت

أغلبها يحذّر من تفجيرات جديدة والمواطنون يصدقونها من باب الاحتياط

متطوعون يساعدون امرأة متضررة من التفجير تجلس أمام حائط كُتب عليه «لا تقلقوا» (أ.ف.ب)
متطوعون يساعدون امرأة متضررة من التفجير تجلس أمام حائط كُتب عليه «لا تقلقوا» (أ.ف.ب)
TT

الشائعات تسيطر على اللبنانيين بعد تفجير بيروت

متطوعون يساعدون امرأة متضررة من التفجير تجلس أمام حائط كُتب عليه «لا تقلقوا» (أ.ف.ب)
متطوعون يساعدون امرأة متضررة من التفجير تجلس أمام حائط كُتب عليه «لا تقلقوا» (أ.ف.ب)

منذ اليوم التالي للانفجار الذي هز مرفأ بيروت، غزت هواتف اللبنانيين تسجيلات مزيفة وإشاعات تتعلق بإمكانية حدوث انفجارات أخرى، ورسائل عدة تصل إلى هواتفهم عبر تطبيق «واتساب» تحدد تواريخ وأماكن تفجيرات محتملة مع نسب الأخبار إلى سفارات أجنبية أو جهات دولية وأحياناً مصادر أمنية، مما يسبب قلقاً وخوفاً لكثير من المواطنين.
ومن هذه الأخبار تسجيل صوتي تم تداوله يدعي أن السفارة الفرنسية تحذر رعاياها من التجول في بيروت، وهو ما نفته السفارة لاحقا، مؤكدة أن «التسجيل قديم ويتكرر تداوله بين الفترة والأخرى خصوصا خلال الأزمات، بهدف التضليل وإثارة الهلع». ومن الأخبار المزيفة المتداولة أيضا تسجيل صوتي ادعى أن قوات حفظ السلام في الجنوب تحذر من عمل إرهابي في مناطق في بيروت، وهو ما نفته أيضاً القوات لاحقا.
وإذا كانت خلفيات نشر هذين التسجلين الصوتيين غير معروفة ويمكن وضعهما في إطار إثارة القلق والبلبلة، فإن البعض على ما يبدو يحاول الاستفادة من الوضع الأمني لتسجيل مصالح شخصية، تماما كالرجل الذي ألقت قوى الأمن الداخلي القبض عليه إثر إرساله تسجيلاً صوتياً، انتشر فيما بعد، يحذر فيه من التحضير لأعمال إرهابية في منطقة كسروان، وذلك لأنه يريد حث زوجة عمه على مغادرة منطقة الذوق بعد ورود أنباء عن وجود مواد كيماوية خطيرة في المنطقة.
هذه الأخبار المزيفة التي غالبا ما يتم كشف عدم صحتها بعد ساعات من انتشارها تبقى راسخة في أذهان الكثير من المواطنين ويتعاملون معها كحقيقة تدفعهم في بعض الأحيان إلى تجنب المرور في المناطق التي حددت في الخبر أو حتى عدم الخروج إلا للضرورة، وذلك من باب الاحتياط لأن ما حصل «مؤخرا في مرفأ بيروت كان صادما ولم يكن متوقعا ولا في إطار أحداث حرب. فحدث غير مفهوم وبهذا الحجم يدفع الناس بطبيعة الحال إلى تصديق أخبار أخرى غير مشابهة»، حسب ما يؤكد الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع، عبدو قاعي.
وقال قاعي لـ«الشرق الأوسط» إن تصديق الأخبار المزيفة والاشاعات «يصبح سهلا في أيام الحروب أو بعد حدث كبير يشبه الانفجار الذي حدث في مرفأ بيروت، لأن المواطن يكون مهيأ لتلقف الاشاعات وتصديقها». وأضاف أن «تصديق هذه الأخبار ومشاركتها على الرغم من المعرفة بأنها كاذبة تكون في بعض الأحيان بهدف «تخفيف العبء عن النفس وإقناعها بأن ما حصل يعتبر أمراً بسيطاً مقارنة مع ما سيأتي».
وهذا بالفعل ما عبرت عنه أنجيلا التي نجت من الانفجار حيث كانت قرب منزلها في منطقة الكرنتينا، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الخير أن تقتصر المصائب على ما حدث، أي على الانفجار. ونحمد الله دائما ولعل ما سيأتي أكثر خطورة». فإمكانية أن يحمل الخبر المتداول «شيئا من الصحة أو حتى على مبدأ إن لم ينفع لن يضر» يدفع البعض إلى مشاركة الخبر كما تفعل مريم (34 عاما موضحة أنها بالعادة «لا تصدق المنجمين ولكنها مؤخرا ترسل أي شيء يصلها فيه تحذير حتى لا يعذبها ضميرها إذا صادف وأن صدقت الشائعة» لا سيما أن الانفجار الأخير «بأسبابه ونتائجه لا يمت للمنطق بصلة».
بالإضافة إلى الأسباب النفسية التي يمكن أن تدفع أي شخص إلى مشاركة خبر كاذب أو مزيف، يتحدث المتخصص في الأمن الرقمي والتكنولوجيا عبد قطايا عن دوافع أخرى «تقف وراءها أجهزة استخباراتية أو جهات سياسية تريد الضغط نحو موضوع معين أو خدمة أفكار تروج لها، فضلا عن إمكانية أن تكون الدوافع اقتصادية أو تجارية».
وفي حين يشير قطايا إلى أن «تداول الأخبار المزيفة والاشاعات يكون بنسبة أكبر عند وجود حدث كبير لأن الناس تكون أكثر نشاطا على وسائل التواصل الاجتماعي وتكون أكثر اهتماما بالخبر وبالأخبار المتعلقة به» يوضح أن بعض الدراسات سبق ووجدت أن «الأخبار المزيفة وعلى تويتر مثلا تلقى تفاعلا وإعادة تغريد أكثر من غيرها، إما لأن مطلقها يعمل على نشرها أو لأنها تكون تقارب ما يتمناه بعض الأشخاص أو ما يخدم توجهاتهم فيقومون بمشاركتها حتى ولو كانت غير صحيحة».
وعن شكل الأخبار المزيفة يشرح قطايا أنها «ممكن أن تكون صحيحة ولكن قديمة يُعاد تدويرها وكأنها حدثت الآن تماما كما حصل مع التسجيل الصوتي للسفارة الفرنسية»، أو يمكن أن «تكون صحيحة ولكن يتم نقلها بطريقة مضللة» تماما كما خبر تحذير الحكومة الكندية رعاياها من التواجد في مناطق معينة مؤخرا، «فالخبر صحيح لكنه لا يرتبط بالانفجار مباشرة إنما الحكومة، وبناء على تقييم مستمر للمخاطر تصدر بين الفترة والأخرى تحذيرا لمواطنيها من ارتياد مناطق معينة غالبا ما تشهد مشاكل أو اشتباكات عند حدوث فوضى».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.