«فيتا» ابنة الإغريق منذ ستة قرون

الجبنة اليونانية البيضاء دُرّة المائدة بلا منازع

«فيتا» أشهر أنواع الجبنة في اليونان
«فيتا» أشهر أنواع الجبنة في اليونان
TT

«فيتا» ابنة الإغريق منذ ستة قرون

«فيتا» أشهر أنواع الجبنة في اليونان
«فيتا» أشهر أنواع الجبنة في اليونان

رغم محاولة تقليدها وتصنيعها في بعض الدول الأخرى، إلا أن Feta «فيتا» وهو الاسم الذي يطلق على الجبنة اليونانية البيضاء، لا تزال تتصدر المكانة الأولى في الطعم ولذة المذاق من دون منافس، فلا تخلو مائدة يونانية من هذه الجبنة، ويتزاحم القادمون إلى اليونان على شرائها عند مغادرتهم بلاد الإغريق، فهي العمود الفقري أيضاً في طبق السلاطة اليونانية والمعروفة في اليونان باسم «خوريتكي سلاطا» ودول العالم المختلفة (جريك سالاط)، فلا يخلو طبق سلاطة من قطعة كبيرة مستطيلة أو مربعة من هذه الجبنة توضع أعلى الطبق وعليها زيت الزيتون والزعتر اليابس المفروك.
وإذا نظرنا إلى قصة «الفيتا» والتي تُصنع فقط من ألبان النعاج والماعز في اليونان، فقد مرت بمراحل صعبة كثيرة حيث دخلت هذا الاسم المحاكم العادية والأوروبية، لإثبات أبوته بعد أن اختلف بعض الدول مع اليونان على مشاركتها في هذا الاسم، ولكن اليونان انتصرت في آخر حكم محكمة، وكسبت الدعوى المرفوعة ضدها من كل من الدنمارك وألمانيا في معركة أبوة جبنة «فيتا»، وقد جاءت توصية النائب العام الأوروبي وقتذاك إلى المحكمة الأوروبية برفض الدعوى المقدمة ضد اليونان، من الدول التي طالبت بانتهاء احتكار اليونان لاسم الجبنة البيضاء المعروفة باسمها اليوناني «Feta».
وقد أجمع كثيرون على أن مصطلح «فيتا» لا يمكن أن يستعمل كاسم مشاع للجميع، ولا بد أن يعامل كمصطلح تقليدي لهذا النوع من الجبنة المنتجة في اليونان، وأن هذا الاسم حالياً يرتبط بدرجة كبيرة بتاريخ اليونان، حيث يرجع تاريخ إنتاج اليونان لهذا النوع من الجبن باسم «فيتا» إلى ستة آلاف عام.
كان قرار اتخذته اللجنة الاقتصادية للبرلمان الأوروبي قبل سنوات بإعطاء اليونان الحق الحصري في استخدام تسمية «فيتا» كعلامة تجارية لتسويق الجبنة البيضاء المصنوعة من حليب النعاج أو الماعز، قد أثار ثورة في أوساط صانعي الأجبان في المجموعة الأوروبية، ويرى صانعو الجبنة الفرنسيون أن القرار الأوروبي يفتح الباب أمام نزاع لا نهاية له، إذ سيطالب الإيطاليون بحصر إنتاج جبنة «الموزاريلا» فيهم، وجبنة «تشيدر» بالإنجليز، و«غودا» بالهولنديين، و«إيمانتال» بالسويسريين، و«كامومبير» بالفرنسيين.
وكانت فرنسا، وهي من الدول الأكثر تضرراً من قرار احتكار اليونان للاسم، قد نشرت حينها إعلانات مدفوعة في وسائل الإعلام المختلفة موجَّهة إلى نقابات مربّي النعاج والماعز والأبقار، لمطالبة الحكومة بالاعتراض على القرار الأوروبي والسعي لإلغائه.
وبدأت معركة اسم «فيتا» منذ عام 2002 عندما طلبت ألمانيا والدنمارك من المحكمة الأوروبية إلغاء القانون الصادر بحق امتلاك اليونان للاسم، حيث يحرم هذا القرار الآلاف من أصحاب مصانع الجبنة بدول الاتحاد الأوروبي من تسويق هذا النوع من الجبنة تحت علامة «فيتا».
كما يرى الفرنسيون أن خروجهم من حلبة «فيتا» سيفتح أسواق البلاد أمام الأميركيين والنيوزيلنديين والأتراك الذين لا يخضعون للاتفاقية الاقتصادية الأوروبية. كما سيسبب خسائر لهم بوصفهم ينتجون 12 ألف طن من هذه الجبنة في السنة، عدا الخسائر الفادحة التي ستلحق بنظرائهم في ألمانيا والدنمارك.
في لقاءات لـ«الشرق الأوسط» مع عدد من أصحاب مصانع تصنيع الجبنة في اليونان، تبين أن اللبن الذي تُصنع منه هذه الجبنة وطعمه ورائحته ونوعية المراعي التي تنمو فيها الماعز والنعاج والجو المعتدل لليونان يلعب دوراً كبيراً في مذاق هذه الألبان والجبنة، ولذا يرجع الفضل في ذلك للمراعي الطبيعية في الجبال اليونانية، كما أن كل نوع من التصنيع يكتسب طعماً ومذاقاً معينين، حيث هناك الجبة التي تُصنع وتُحفظ في صفائح معدنية وأخرى في عبوات خشبية، أو براميل سواء بلاستيكية أو خشبية.
إذا نظرنا إلى أسعار هذه الجبنة في اليونان فهي مرتفعة جداً قياساً إلى الدخل المادي للأسرة، فيتراوح سعر كيلو الجبنة البراميلي بين 12 يورو وأكثر وهي أحسن وأفضل أنواع الجبنة، وتأتي في المرحلة الثانية الجبنة التي تُصنع في عبوات معدنية وتتراوح بين 9 و10 يوروات للكيلو، بينما أقل من ذلك يكون سعر تلك الجبنة اللزجة والخالية من الملح.



«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.