دعوة القطاع الخاص لتحقيق أقصى منافع مبادرات التحفيز السعودية

اقتصاديون لـ «الشرق الأوسط» : يتعين على الشركات إعادة الهيكلة وتأهيل الكوادر واستغلال الفرص الجديدة

ميناء الملك عبد العزيز يستقبل أكبر مناولة تاريخية للمرافئ السعودية (الشرق الأوسط)
ميناء الملك عبد العزيز يستقبل أكبر مناولة تاريخية للمرافئ السعودية (الشرق الأوسط)
TT

دعوة القطاع الخاص لتحقيق أقصى منافع مبادرات التحفيز السعودية

ميناء الملك عبد العزيز يستقبل أكبر مناولة تاريخية للمرافئ السعودية (الشرق الأوسط)
ميناء الملك عبد العزيز يستقبل أكبر مناولة تاريخية للمرافئ السعودية (الشرق الأوسط)

في وقت أطلقت فيه الحكومة السعودية عدة مبادرات وإجراءات داعمة للقطاع الخاص بأشكال مختلفة، يرى اقتصاديون أن القطاع الخاص أمام محك حقيقي يكشف عن مدى مرونته، وقدرته على استثمار هذه المبادرات والإجراءات لتفعيل آليات نموه، وإسهامه في الاقتصاد الوطني، فضلاً عن تعويض ما فاته بسبب الآثار التي نجمت عن تفشي جائحة «كورونا» في الشهور الماضية.
وتأتي دعوة تحقيق القطاع الخاص لأقصى منافع التحفيز الحكومي، في وقت يتأهب فيه العالم لموجه جديدة محتملة من الجائحة، بعد انفتاح الاقتصاد العالمي، وعودة الأنشطة الاقتصادية بشكل كامل، وذلك من خلال تنفيذ 3 محاور رئيسية، وهي: إعادة الهيكلة، وتأهيل الكوادر، واستغلال الفرصة الجديدة.
ومن جانبه، قال الاقتصادي الأكاديمي الدكتور سالم باعجاجة إن القطاع الخاص بات يؤدي دوراً رئيسياً محورياً، وفقاً للرؤية الجديدة في عملية التنمية الاقتصادية في السعودية، من خلال مساهمته الفعالة في تنشيط الحياة الاقتصادية، بعواملها التجارية والاستثمارية والإنتاجية لرفع معدلات النمو، مؤكداً أنه وفقاً لظروف الجائحة، ومعالجة الدولة لها بجملة من المبادرات السخية التي قدمتها، يجب على القطاع الخاص وضع استراتيجية مثلى لتطوير آلياته ومكوناته.
وأضاف باعجاجة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يتعين على القطاع الخاص العمل على وضع آليات على 3 محاور رئيسية، وهي: إعادة هيكلة الشركات والمؤسسات، وإعادة تأهيل الكوادر البشرية العاملة، والاستفادة من الفرص الجديدة، في إطار وضع متطلبات وشروط لالتزامهم، وفق آليات تحقيق أعلى مستويات الاستفادة والتفعيل».
ومن جهته، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور خالد رمضان أن الفرصة سانحة الآن أمام القطاع الخاص لإعادة ترتيب البيت من الداخل، لتعظيم الاستفادة القصوى من المبادرات التي أطلقتها الحكومة للتخفيف من الآثار الكارثية للجائحة، وتوفير التدفقات المالية لضمان الاستمرارية، وتفادي تسريح الموظفين.
وأضاف أنه يتعين على الشركات والمؤسسات الخاصة وضع آليات دقيقة لتحديد أوجه الصرف والإنفاق، وترشيد الأنشطة، وتعظيم المنفعة الاقتصادية، وتعزيز الاستدامة والقدرة التنافسية، مع استحداث لجان وأقسام متخصصة في إدارة المخاطر، والاستعداد للتعامل مع الحالات الطارئة والأزمات، والبحث عن فرص مستقبلية للعودة من جديد إلى مربع النمو.
ويتوقع رمضان أن يحشد القطاع الخاص جهوده خلال الفترة المقبلة، وأن يكون مستنفراً من أجل تعويض خسائره الفادحة في أثناء فترة الإغلاقات، في النصف الأول من العام الحالي، معتبراً أن الأزمة الراهنة، رغم فداحتها، ولدت فرصاً استثمارية هائلة، لو أحسن القطاع الخاص استغلالها فسينعكس ذلك على الأرباح في المديين المتوسط والطويل.
واستطرد رمضان: «من بين الفرص الأنشطة المتعلقة ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﺤﻮﻳﻠﻴﺔ، وإﺣﻼل المنتجات المحلية ﻣﺤﻞ اﻟﻮاردات، خاصة في قطاعي الغذاء والدواء، لسد الفجوة اﻻﺳﺘﻬﻼﻛﻴﺔ الهائلة، بالإضافة إلى توسيع دائرة اﻟﺘﺠﺎرة الإﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ التي ثبت أنها كانت الحصان الأسود الرابح خلال فترة الإغلاقات القاسية».
وقال: «أعطت جائحة كورونا إشارة مهمة للشركات التي ليس لديها حضور عبر الإنترنت، والتي تحطمت مبيعاتها أو تهاوت تماماً في أثناء الحظر، بأنه التقنية باتت ضرورة، وليست خياراً».
ومن جهته، أوضح الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية، أن الحكومة أطلقت مبادرات منذ بداية جائحة كورونا، بإجمالي تجاوز 214 مليار ريال (57 مليار دولار)، فضلاً عن البرنامج الذي أطلقته مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وبلغت قيمته 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، في حين خصصت 47 مليار ريال (12.5 مليار دولار) للقطاع الصحي، ما يعني فتح آفاق واسعة أمام القطاع الخاص لتحقيق أعلى منفعة منها لتعزيز أنشطته المختلفة، وتسريع نموه، لتعويض ما فاته بسبب الجائحة التي جمدت الأعمال بنسبة كبيرة لعدة شهور.
وأضاف باعشن لـ«الشرق الأوسط» أن عدداً من الوزارات، وفي مقدمتها وزارة المالية ووزارة الموارد البشرية، فضلاً عن الهيئات ذات الصلة، حفزت القطاع الخاص من خلال اتخاذ عدة تدابير وإجراءات، ليتمكن من الوقوف على قدميه، ومواجهة آثار الجائحة الاقتصادية، الأمر الذي يوفر للقطاع الخاص آليات لتحريك أنشطته بعد العودة إلى مزاولة الأعمال بدوام كامل.
وأشار باعشن إلى أن تلك المبادرات الحكومية تسهم بشكل مباشر في دعم الأفراد والمنشآت والمستثمرين، ما يوفر في حد ذاته فرصاً كبيرة للقطاع الخاص لينهض، كما كان عليه الحال قبل الجائحة.
وتتزامن هذه المطالب بتحقيق أقصى المنافع من مبادرات التحفيز السعودية مع ما كشفه مؤخراً تقرير لمؤشر «بي إم آي» الدولي عن استقرار ظروف العمل في السعودية مع بداية النصف الثاني من العام الحالي، رغم استمرار تداعيات فيروس «كورونا المستجد»، لافتاً إلى تحسن طرأ على مؤشرات الطلبات الجديدة في الإنتاج والتوظيف ومخزون المشتريات في البلاد، ما يعطي علامة على أن القطاع الخاص غير النفطي تجاوز أسوأ حالات التوقف بسبب «كوفيد-19».
وبحسب بيانات المؤشر، اقترب مستوى إجمالي النشاط التجاري من الاستقرار في يوليو (تموز) الماضي، مع تحسن مؤشر الإنتاج إلى أعلى مستوى في 5 أشهر، حيث لفتت عدد من الشركات إلى أن الانتعاش في ظروف السوق، وزيادة النشاط التسويقي، ساعدا على زيادة حجم الأعمال.
وبرزت كذلك مؤخراً مقترحات كثيرة لتحسين بيئة العمل في ظل الجائحة، للاستفادة منها في تطوير أعمال القطاع الخاص، كان من أبرزها ما أوصت به تقارير لجهات أعمال من الداخل حول تأثير جائحة «كوفيد-19) بإعادة ترتيب ملف العمالة، حيث حملت المطالبات ضرورة استحداث برنامج جديد للإبقاء على العمالة المهارة، وترحيل المخالفين، للحد من إغراق الأسواق بالعمالة غير الماهرة.
ومن جهة أخرى، خلصت توصيات مجلس الغرف السعودي -نشرتها «الشرق الأوسط» مؤخراً- إﻟﻰ أن الضرر الناجم من تداعيات كورونا خلف فرصاً اﺳﺘﺜﻤﺎرية ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺴﺘﻐﻠﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻴﺪ من ﻣﻨﺸﺂت اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص، وعلى رأﺳﻬﺎ أنشطة مرﺗﺒﻄﺔ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﺤﻮﻳﻠﻴﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻤﺴﺘﻬﺪف إﺣﻼل ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﺎ ﻣﺤﻞ اﻟﻮاردات، واﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻷﻣﻦ اﻟﻐﺬاﺋﻲ واﻟﺪواﺋﻲ، ﻓﻀﻼ ًﻋﻦ أﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﺠﺎرة الإﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻦ ﺑﻌﺪ.



النفط يسجل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر

منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)
منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)
TT

النفط يسجل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر

منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)
منشأة لويندل باسل لتكرير النفط في هيوستن بولاية تكساس الأميركية (رويترز)

ارتفعت أسعار النفط قليلاً يوم الجمعة متجهة صوب تسجيل أول مكاسب أسبوعية منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مع تفاقم المخاوف بشأن الإمدادات بسبب عقوبات إضافية على إيران وروسيا في حين أثرت توقعات الفائض على الأسواق.

وزادت العقود الآجلة لخام برنت 28 سنتاً أو 0.38 في المائة إلى 73.69 دولار للبرميل بحلول الساعة 14.08 بتوقيت غرينتش، وارتفعت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 30 سنتاً أو 0.43 بالمائة إلى 70.32 دولار للبرميل.

واتجه الخامان صوب تسجيل مكاسب أسبوعية بأكثر من ثلاثة في المائة بفعل مخاوف من اضطراب الإمدادات بعد فرض عقوبات أشد على روسيا وإيران، وكذلك آمال بأن تعزز إجراءات التحفيز الصينية الطلب في ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم.

ومن المتوقع أن تظل واردات الخام للصين، وهي أكبر مستورد في العالم، مرتفعة حتى أوائل عام 2025، إذ تميل المصافي لزيادة الإمدادات من السعودية، أكبر مُصدر في العالم، بسبب انخفاض الأسعار بينما تسارع المصافي المستقلة إلى استغلال حصصها.

ورفعت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري عن سوق النفط توقعاتها لنمو الطلب إلى 1.1 مليون برميل يومياً، من 990 ألف برميل يومياً في الشهر الماضي. وقالت إن نمو الطلب «سيكون إلى حد كبير في الدول الآسيوية بسبب تأثير إجراءات التحفيز الأحدث في الصين».

ومع ذلك، توقعت الوكالة فائضاً في العام المقبل، عندما كان من المتوقع أن تزيد الدول غير الأعضاء في تحالف أوبك بلس الإمدادات بنحو 1.5 مليون برميل يومياً، بقيادة الأرجنتين والبرازيل وكندا وجيانا والولايات المتحدة. ويراهن المستثمرون على خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) تكاليف الاقتراض الأسبوع المقبل على أن يُتبع ذلك بتخفيضات أخرى العام القادم بعد أن أظهرت بيانات اقتصادية ارتفاعاً غير متوقع في طلبات إعانة البطالة الأسبوعية.

وبالتزامن، ذكرت «بلومبرغ نيوز»، يوم الجمعة، أن الإمارات تعتزم خفض شحنات النفط في أوائل العام المقبل وسط مساعي مجموعة أوبك بلس لانضباط أقوى في تلبية أهداف الإنتاج.

وذكر التقرير أن شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) خفضت شحنات النفط الخام المخصصة لبعض العملاء في آسيا، مما قلص الأحجام بنحو 230 ألف برميل يومياً عبر درجات الخام المختلفة، وذلك نقلاً عن شركات لديها عقود لتلقي الشحنات.

من جهة أخرى، قال متعاملون ومحللون إن سعر النفط الخام الإيراني للصين ارتفع إلى أعلى مستوى منذ سنوات بسبب عقوبات أميركية إضافية أثرت على قدرات الشحن ورفعت تكاليف الخدمات اللوجيستية.

ويؤدي ارتفاع أسعار النفط الإيراني والروسي إلى زيادة التكاليف على المصافي الصينية المستقلة التي تمثل نحو خمس الطلب في أكبر سوق مستوردة للخام في العالم، مما يسلط الضوء على تحديات محتملة في ظل توقعات بأن تزيد إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب الضغوط على طهران عندما تتولى السلطة.

وأوضح متعاملون أن بعض المصافي تتحول إلى إمدادات غير خاضعة لقيود العقوبات، بما في ذلك من الشرق الأوسط وغرب أفريقيا، لتلبية الطلب الموسمي في الشتاء وقبل رأس السنة القمرية الجديدة.

وانخفضت الخصومات على الخام الإيراني الخفيف لنحو 2.50 دولار للبرميل مقابل خام برنت في بورصة إنتركونتيننتال على أساس تسليم ظهر السفينة في ميناء الوصول للصين، وذلك مقارنة بخصومات أقل من أربعة دولارات في أوائل نوفمبر. وقال متعاملون إن الخصومات على الخام الإيراني الثقيل تقلصت أيضاً إلى نحو أربعة إلى خمسة دولارات للبرميل من نحو سبعة دولارات في أوائل نوفمبر.

وترتفع أسعار الخام الإيراني منذ أكتوبر (تشرين الأول) عندما انخفضت صادرات الدولة العضو في «أوبك» في أعقاب مخاوف من هجوم إسرائيلي على منشآت نفط إيرانية.

وأفادت المصادر وبيانات الشحن من مجموعة بورصات لندن بأن تشديد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للعقوبات على طهران الأسبوع الماضي أدى إلى توقف بعض السفن التي تنقل الخام الإيراني عبر ناقلات أخرى إلى الصين قبالة سواحل سنغافورة وماليزيا.

وأظهرت بيانات كبلر لتتبع السفن أن واردات الصين من النفط الخام والمكثفات الإيرانية انخفضت في نوفمبر بنحو 524 ألف برميل يومياً إلى أدنى مستوى في أربعة أشهر عند 1.31 مليون برميل يومياً مقارنة بالشهر السابق.

وأظهرت بيانات الشحن من مجموعة بورصات لندن أن عدداً من ناقلات النفط الخام العملاقة الخاضعة للعقوبات تبحر قبالة سواحل ماليزيا. وأوضحت البيانات أن ناقلة نفط خاضعة للعقوبات أبحرت من الصين يوم الجمعة. وقالت مصادر تجارية إن الناقلة أفرغت حمولتها في ميناء ريتشاو بمقاطعة شاندونغ.

وقال محللون إن أسعار النفط الإيراني تلقت دعما جزئياً من تعافي الطلب في الصين مع شراء المصافي المستقلة المزيد من الخام بعد الحصول على حصص استيراد إضافية من الحكومة وزيادة إنتاجها من الوقود قليلاً.