قال مصدر مسؤول في منظمة الصحة العالمية إن «المنظمة تتابع باهتمام كبير تطورات المشهد الوبائي في إسبانيا» بعد الارتفاع المطرد منذ أسابيع في عدد من البؤر الجديدة والإصابات اليومية، ما دفع الحكومة الإسبانية إلى الإعلان ظهر أمس الجمعة عن حزمة من التدابير الصارمة التي أعادت إلى الأذهان الوضع الذي كان سائداً خلال مرحلة ذروة انتشار الفيروس في مارس (آذار) الماضي.
وكان وزير الصحة الإسباني سالفادور إيليا قد عقد اجتماعاً طارئاً مع السلطات الصحية الإقليمية، صرح في نهايته: «أمام تطورات انتشار الوباء، قررنا بالإجماع مجموعة من الإجراءات التي تشكل الحد الأدنى مما يقتضيه الوضع الراهن، واتفقنا على حزمة أخرى من التدابير الجاهزة للتطبيق في حال تفاقم الوضع في الأيام المقبلة». وأعلن الوزير الإسباني عن 11 تدبيراً، من بينها منع التدخين في الشوارع إذا تعذر الحفاظ على مسافة مترين بين المارة، وإغلاق المرابع الليلية والمقاهي اعتباراً من منتصف الليل في جميع أنحاء البلاد، وحظر كل التجمعات التي تزيد عن 10 أشخاص. كما أعاد فرض مسافة متر ونصف بين الزبائن في المقاهي والمطاعم والمـؤسسات الفندقية.
وتأتي هذه التدابير تكملة لتلك التي كانت قد اتخذتها عدة أقاليم إسبانية في الأيام الماضية بمنع التدخين في الأماكن المقفلة والشوارع، وبلوغ بؤر انتشار الوباء عتبة الألف، وارتفاع عدد الإصابات اليومية الجديدة الذي بلغ 2934 أول من أمس الخميس ما دعا البعض إلى وصف إسبانيا بأنها «المريض الأكثر خطورة في أوروبا»، بعد أن كانت قد تمكنت من احتواء الوباء وخفضت عدد الوفيات اليومية إلى الصفر أواسط الشهر الماضي. وللمرة الأولى منذ انتشار الوباء، تجاوز معدل الإصابات في إسبانيا المائة لكل مائة ألف مواطن، وهي النسبة الأعلى في أوروبا.
وكانت هيئات صحية قد حذرت من انهيار جديد في القدرة الاستيعابية للمستشفيات في حال عدم اتخاذ تدابير عاجلة وفعالة، تحسباً للازدياد المطرد في عدد الحالات الجديدة التي تستدعي العلاج في مراكز العناية الصحية. لكن مدير مركز تنسيق الطوارئ الصحية، فرناندو سيمون، نفى من جهته أن تكون المراكز الصحية على شفير الانهيار، مؤكداً أن نسبة مرضى «كوفيد - 19» فيها لا تتجاوز 3 في المائة في الوقت الراهن.
وفيما أعلنت عدة أقاليم رسمياً أنها في موجة ثانية من الوباء، سجلت أمس 824 إصابة جديدة في مدريد وحدها، بينما كانت السلطات الصحية في أقاليم كاتالونيا وآراغون وبلاد الباسك تطالب بتدابير أكثر تشدداً مثل العزل الجزئي لفترة محدودة، وعقوبات صارمة للمخالفين منعاً لخروج الوباء عن السيطرة.
- جدل انتقال الفيروس
وبينما لا تزال الألغاز تحيط بمسالك سريان الفيروس الذي ظهر على شخص واحد أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) واقترب عدد المصابين به اليوم من 21 مليوناً، تكرر منظمة الصحة العالمية أن الفيروس يتنقل بشكل أساسي عبر الذرات التنفسية الناجمة عن العطس أو الكلام خلال تواصل قريب وطويل بين الأشخاص. وكانت جهات علمية عدة قد ناشدت منظمة الصحة العالمية مؤخراً الرجوع عن إصرارها على رفض فرضية السريان الهوائي للفيروس على مسافة أبعد من تلك التي ينتشر عبرها فيروس السل أو الحصبة.
وكان أحد خبراء المنظمة قد لخص موقفها من هذه الفرضية بالقول: «إذا كان فيروس الحصبة أو السل يطير كالنسر، فإن «كوفيد - 19» يطير كالدجاجة». لكن باحثين في مستشفى جامعة فلوريدا بالولايات المتحدة أعلنوا هذا الأسبوع عن إجرائهم تجارب بينت أن الفيروس يمكن أن ينتقل على مسافة تصل إلى 5 أمتار داخل غرفة مغلقة، من غير أن يفقد قدرته على العدوى. وقالوا إن الفيروس الذي تم التقاطه على هذه المسافة من مصاب في إحدى غرف المستشفى، نُقل إلى المختبر وزُرع في عدد من الخلايا وتمكن من التكاثر فيها بسرعة. كما تبين أيضا أن الفيروسات التي تم التقاطها في الهواء مطابقة لتلك التي كانت في حنجرة المصاب. وكان باحثون في جامعة كولورادو الأميركية قد توصلوا إلى نفس النتيجة بعد ذلك بيومين، ما يعزز النظرية القائلة بأن التباعد لمسافة مترين ليس كافياً داخل الأماكن المغلقة.
لكن هذه النتائج ليست كافية بعد بالنسبة لـ {الصحة العالمية} لتتراجع عن رفضهاتأكيد نظرية سريان «كوفيد - 19» عبر الهواء، وهي تصر على مزيد من البحوث في الأماكن الضيقة المغلقة مثل المطاعم من غير تهوية كافية. ويذكر أن 36 باحثاً كانوا قد ناشدوا المنظمة العالمية إصدار توجيهات وإرشادات لتحسين التهوية في الأماكن العامة المزدحمة للحد من احتمالات السريان في هذه الأماكن، ريثما يتم التوصل إلى موقف ثابت ونهائي من هذه الفرضية.