«البيروقراطية» تجهض المشروعات الصغيرة في ليبيا

أصحاب الشركات الناشئة يشتكون من الغياب الحكومي وتعرضهم للأزمات

أحد المحلات التجارية في مدينة مصراتة (رويترز)
أحد المحلات التجارية في مدينة مصراتة (رويترز)
TT

«البيروقراطية» تجهض المشروعات الصغيرة في ليبيا

أحد المحلات التجارية في مدينة مصراتة (رويترز)
أحد المحلات التجارية في مدينة مصراتة (رويترز)

يمضي الشاب الليبي زكريا الجعفري، ساعات طويلة في مركز يملكه للتدريب البشري بالعاصمة طرابلس، يحلم في التوسع باتجاه مساعدة أبناء بلده، لكنه يشتكي عددا من العقبات التنظيمية التي تواجهه مع وزارة العمل والتأهيل المسؤولة عن اعتماد الشركات المختصة في مجال التدريب، والمناهج والشهادات التي تمنح للمتدربين.
ويعكس الجعفري (27 عاماً) في شكاياته جانبا كبيراً من قصص أقرانه من الشباب الليبيين من أصحاب المشاريع الصغيرة، الذين يرغبون في التوسع نحو القطاع الخاص بحثاً عن فرص جديدة للعمل، لإعالة أسرهم بعيداً عن القطاع الحكومي المتضخم بـ«أعداد عمالة هائلة».
واستهل الجعفري حديثه إلى «الشرق الأوسط» بوجود تعاملات وصفها بـ«غير القانونية» تواجه الشركات الناشئة، بـ«التعنت معها مما يجبرها على عدم استكمال إجراءاتها»، ورأى أن الشرائح التي يتم إقصاؤها هي التي «لا تملك علاقات مع المسؤولين في الدولة». بحسب قوله.
ويوضح الجعفري أن انطلاقه نحو النشاط التدريبي قبل خمسة أعوام وافتتاح مركزه بالعاصمة جاء بعد «فترة من عمله كمترجم بإحدى الشركات الكبرى ورصده لظاهرة استغلال الشباب حديث التخرج للعمل ساعات طويلة دون مقابل مادي عادل، وقال: «رصدت ذلك أيضاً في أماكن كثيرة مثل المصانع والمقاهي والمطاعم والمحال التجارية».
وتابع: «في بداية نشاطي الخاص كان الدخل جيداً، ولكن بسبب إجراءات الحظر لفيروس (كورونا) انخفض بنسبة كبيرة جداً بسبب طول المدة التي بات البرنامج التدريبي يتطلبها».
أما بيّه عبد القادر المهدي، التي تنتمي إلى مدينة سبها بالجنوب الليبي، فمشكلتها وإن اختلفت عن معاناة نظرائها من أصحاب المشاريع الصغيرة ممن تعرضوا لخسائر بسبب عجزهم عن تسويق بضائعهم في ظل التوترات الأمنية التي اجتاحت مناطق جنوب العاصمة لمدة 14 شهراً، فإنها تتقاسم معهم المعاناة بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في كل من طرابلس ومدن الجنوب أيضاً.
وأوضحت بيّه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنها تمتلك مشروعاً صغيراً حيث تصنّع الحلوى في منزلها وتبيعها للمواطنين، وقالت: «لكن بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر كثيراً تتعرض بضاعتي للتلف لكونها لا تتحمل الحرارة العالية مما دفعني لقصر نشاطي على شهور الشتاء فقط، ولهذا يتسبب في خسائر».
واستكملت: «إلا أنه ومع تفشي فيروس (كورونا) في مدن الجنوب تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين، بدرجة كبيرة جداً، وللأسف الدولة لا تدعم أصحاب المشاريع الصغيرة كي نتمكن من الاستمرار في السوق وتقديم الخدمة اللازمة».
وفقا لنتائج الإحصاءات النصف سنوية التي نفذها مركز المعلومات والتوثيق التابع لوزارة العمل والتأهيل بحكومة «الوفاق»، فإن أعداد الموظفين في القطاع العام ضمن منظومات مكاتب العمل والتأهيل بالمناطق تجاوز الثلاثة ملايين موظف في عموم ليبيا. فيما بلغ عدد العاملين في القطاع الإداري قرابة المليون ونصف المليون موظف، وبلغ عدد العاملين خارج الجهاز الإداري 600 ألف موظف.
المطالب ذاتها تبنتها أيضا خديجة الصالحين، والتي عملت حتى قبل الالتحاق بالمرحلة الجامعية بعدة مهن في الشويرف (جنوب غربي ليبيا) من أجل الإنفاق على دراستها والحصول على الخبرة وتجميع رأس مال تبدأ به مشروعها القائم على التسويق والدعاية للعديد من المنتجات والمحال عبر الإنترنت، وتحويل الأموال أيضاً.
وتقول الصالحين (32 عاماً) بعد تخرجي في مجال التقنية الطبية كاختصاصية علاج طبيعي وطوارئ حصلت منذ 2011 على دورات عديدة في التنمية البشرية وإدارة الأعمال ثم دخلت المجال بلا أي دعم لا حكومي أو حتى عائلي، متابعة: «البدايات كانت مبشرة واستطعت تطوير العمل والانتقال إلى مدن طرابلس ومصراتة وبنغازي، إلاّ أنه في ظل جائحة كورونا وما تبعها من حظر تجوال بالفترات الماضية انخفض الدخل بمقدار 50 في المائة تقريبا».
وتطالب الصالحين «بوجود صندوق حكومي لدعم رواد الأعمال في ظل الأزمات وحالات الطوارئ التي يتعرضون لها خاصة مع كثرة أعدادهم حالياً»، مشيرة إلى أنها «استطاعت عبر مشروعها توفير دخل شهري جيد لعدد من مندوبي المبيعات والتوصيل والسائقين فضلاً عن استفادة موظفي وأصحاب الشركات التي تتعامل معها من منتجي الملابس والإكسسوارات والمكياج».
في السياق ذاته، يقول الخبير الاقتصادي عيسى راشون، إن أغلب الشباب الليبي اتجه للبحث عن تكوين شراكات مع بعضهم البعض أو البحث عمن يدعمهم من رجال الأعمال، بعد «تيقنهم منذ سنوات عديدة من فساد المؤسسات الحكومية المختصة بدعم المشروعات الصغيرة بالبلاد».
وأوضح رشوان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «البيئة الخاصة بالمشروعات الصغيرة واعدة ومليئة بالفرص المضمونة النجاح»، موضحا أن «الجميع يعتمد في ليبيا على الاستيراد وبالتالي يحتاج لموردين ومقدمي خدمات من الداخل الليبي، بالإضافة إلى تقدم خدمات ما بعد البيع، لكن الأزمات التي تواجه أصحاب المشكلات الصغيرة تعيق استمرارهم في السوق».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.