انقلابيو اليمن يعودون لاستهداف قطاعي التعليم العالي والعام

صفقات فساد وانتهاكات طالت الطلبة والأكاديميين

TT

انقلابيو اليمن يعودون لاستهداف قطاعي التعليم العالي والعام

أفادت مصادر مطلعة في العاصمة صنعاء بأن الميليشيات الحوثية لا تزال تكثف من حجم انتهاكاتها وممارساتها الإجرامية بشتى الطرق والوسائل بحق منتسبي قطاعي التعليم العالي والعام في صنعاء وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وأشارت المصادر إلى ارتكاب الجماعة حديثا سلسلة من التعسفات بحق أكاديميين وطلاب وطالبات في جامعة صنعاء (كبرى الجامعات اليمنية)، والتي تنوع بعضها بين القمع والإذلال والاختطاف والتجويع والملاحقات والفصل الوظيفي.
وفي الوقت الذي أكدت فيه المصادر استمرار الانقلابيين في تضييق الخناق على طلاب جامعة صنعاء ومنعهم من إقامة أي تجمعات أو احتفالات تخرج بحجة منع الاختلاط. قالت أيضا إن الجماعة أجبرت طلاب المرحلتين الأساسية والثانوية على أداء الامتحانات لنيل الشهادة العامة عقب عام دراسي وصفه كثيرون بـ«المتعثر» والمتدني في مستوى التحصيل العلمي للطلبة.
وفي سياق متصل، كشف أكاديميون وطلاب في جامعة صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن قيام الميليشيات أخيرا بمنع أي تجمعات داخل الجامعة بما في ذلك احتفالات التخرج، بحجة منع الاختلاط. واعتبروا أن تلك الممارسات تشبه تماما ما اقترفه تنظيم «داعش» في بعض الدول العربية كالعراق وسورية من جرائم إرهابية.
وعلى ذات الصعيد، تداول ناشطون يمنيون بمواقع التواصل الاجتماعي وثيقة، قالوا إنها تتضمن تعميما لعمداء الكليات ورؤساء الأقسام وأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم الموالين للجماعة وتقضي بالفصل بين الجنسين عند توزيع الطلبة على مجموعات لإعداد مشاريع التخرج والتكاليف، بحيث يكون الطلاب في مجموعات منفصلة عن مجموعات الطالبات.
وقالت الوثيقة الممهورة بتوقيع القيادي الحوثي المدعو القاسم عباس المعين من قبل الحوثيين رئيساً للجامعة «إن السبب في ذلك تحقيق الهدف العام للجامعات اليمنية من ضرورة تنشئة مواطنين متمسكين بهويتهم الإيمانية متحلين بالمثل العربية والإسلامية السامية» على حد زعمه.
وأشار عدد من الطلاب والأكاديميين في الجامعة، في حديثهم مع «الشرق الأوسط»، إلى أن تلك التعسفات تضاف إلى سجلها الحافل بالقرارات الطائفية المجحفة وغير القانونية والتي منعت في بعضها الاختلاط في القاعات، وأخرى خصصت مداخل خاصة للذكور وأخرى للإناث، وحددت مواصفات الزي الذي على الطالبات ارتداؤه.
واعتبروا أن تلك القرارات التي وصفوها بـ«المتشددة» لم تقتصر على الجامعات فقط، ففي وقت سابق، وجهت ذات الميليشيات صوالين الحلاقة في مناطق سيطرتها بمنع قصات الشعر بحجة أنها منافية للقيم، وشنت في المقابل سلسلة من حملات المداهمة والجباية طالت مقاهي واستراحات وأصحاب محال بيع العبايات (البالطوهات) بذريعة مخالفتها للتعاليم الحوثية.
وتواصلا لمنهج الاستهداف الحوثي المتكرر لقطاع التعليم العالي، وتحديدا جامعة صنعاء، منعت الجماعة قبل أيام الدراسة في الجامعة بذريعة احتفالات ما سمي بيوم «الولاية»، الذي حولت الميليشيات بموجبه معظم باحات وقاعات الجامعة إلى أماكن لاحتفالاتها العنصرية على مدى أسبوعين، وفق إفادة موظفين في الجامعة لـ«الشرق الأوسط».
وقال الموظفون إن الميليشيات في جامعة صنعاء أقرت مؤخرا تأجيل الدراسة التي كانت مقررة في 8 أغسطس (آب) في جميع كليات الجامعة على خلفية تفريغ الطلاب والطالبات والأكاديميين والإداريين لحضور فعاليتها، وذكروا لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة ألغت يوما دراسيا كاملا وألزمت خلاله العمداء بحشد الطلاب وبقية موظفي الجامعة لحضور الفعالية الخاصة بالجماعة.
وخصصت الميليشيات 8 حافلات لنقل الطلبة والموظفين إلى مناطق احتفالاتها ودفعت مبالغ مالية كأجور مواصلات وتحشيد لميادينها واحتفالاتها.
وطبقا لما تحدثت به مصادر أكاديمية أخرى في ذات الجامعة لـ«الشرق الأوسط»، يأتي اهتمام الانقلابيين بالمناسبات الدخيلة على اليمنيين في وقت يعاني فيه السكان من أزمات متعددة وكوارث طبيعية تسبب بعضها بوقوع خسائر مادية وبشرية فادحة. وكان عدد من مشرفي الجماعة في جامعة صنعاء نفذوا خلال الأشهر القليلة الماضية سلسلة من الانتهاكات والاعتقالات بصفوف الأكاديميين والطلبة والطالبات تحت مبررات ومزاعم تعسفية.
وفي منتصف مايو (أيار) الماضي خضعت طالبات في جامعة صنعاء للاعتقال داخل سكن الجامعة، من قبل قيادي حوثي بشكل لا إنساني مستغلا سطوته ونفوذه.
وأكدت حينها مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن المدعو بشير ثوابة، هو القيادي المسؤول عن اعتقال ست طالبات في سكن جامعة صنعاء، دون أي مسوغ قانوني يبرر هذه الجريمة الوحشية.
وأشارت إلى أن المدعو ثوابة، مسؤول في السكن الجامعي وعينته الجماعة بغرض التجسس على الفتيات ومراقبتهن، ووصل به الحال إلى احتجاز طالبات في السكن الجامعي بشكل قسري. وبحسب المصادر فإن الطالبات بعضهن يدرسن دراسات عليا، واضطررن إلى السكن في الجامعة كونهن جئن من مناطق بعيدة وظروفهن لا تسمح لهن بتوفير سكن خاص.
وعلى صعيد ما يعانيه الطلبة في قطاع التعليم العام من تعسفات وبطش الميليشيات، أقرت الجماعة مؤخرا إجراء امتحانات المرحلتين لنيل الشهادة العامة، رغم تدني مستوى التحصيل العلمي خلال عام دراسي وصف بـ«المتعثر».
وأفاد تربويون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، بأنه من الصعب إقناع الجماعة بأن قرارها المتعلق بالامتحانات سابق لأوانه ومجحف في حق الطلبة والعملية التعليمية في ظل عودة تفشي فيروس «كورونا» وعدم حصولهم على تحصيل علمي مكتمل نتيجة استهلاك الجماعة للعام الدراسي في أنشطة وبرامج طائفية وعمليات تحشيد للطلبة للانخراط والقتال في جبهاتها.
ويؤكد عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، بأنهم سيخوضون تلك الامتحانات رغم عدم حصولهم على دراسة جيدة طيلة العام ودون إتمام المنهج الدراسي علاوة على عدم دراسة بعض المواد العلمية بشكل نهائي.
في المقابل، تشير وكالة «سبأ» بنسختها الحوثية، إلى أنه من المقرر أن يخوض هذه الامتحانات حوالي 87 ألف طالب وطالبة في مناطق سيطرة الجماعة في 300 مركز امتحاني.
وفي حين كشف القيادي الحوثي المدعو همدان الشامي المعين من قبل الجماعة نائبا لوزير التربية بحكومة الانقلابيين عن توفير أكثر من 10 ملايين كمامة وقفازات صحية للأيدي ومعقمات ومطهرات وأجهزة كشف حرارة في المراكز الامتحانية بتكلفة تزيد على مليار ريال، وتوزيعها للطلاب أثناء دخول قاعات الامتحانات، كشف مصدر تربوي في العاصمة عن أن المليار ريال هذه هي السبب الحقيقي الذي يقف وراء مسارعة الحوثيين لاتخاذ قرار إجراء العملية الامتحانية (الدولار يساوي 600 ريال).
وقال المصدر التربوي، لـ«الشرق الأوسط»،: «بما أن الأجواء الحالية غير مناسبة لإجراء الامتحانات نتيجة تفشي «كوفيد - 19» واستمرار تدفق السيول والانهيارات للمنازل وغيرها من الأزمات الأخرى المتعددة، إلا أن الجماعة لديها مخزون كبير من الكمامات والكفوف والمعقمات والمطهرات قُدمت في السابق لليمنيين كمساعدات طبية من منظمات دولية واستحوذت عليها وكدستها بمخازنها السرية».
وأشار إلى مسارعة الجماعة لإخراج تلك الكميات من مخازنها بعد أن حرمت اليمنيين من الحصول عليها وبيعها وفق صفقات عقود شراء مزيفة ومشبوهة وغير قانونية لذات الوزارة الواقعة تحت سيطرتها.
وعلى مدى السنوات الماضية من عمر الانقلاب، واجهت العملية التعليمية صعوبات واختلالات وعانت في ذات الوقت من تدهور كبير جراء مواصلة وجرائم وتعسفات وانتهاكات الميليشيات بحق هذا القطاع ومنتسبيه.


مقالات ذات صلة

بن مبارك: الالتزامات الدولية تجاه اليمن تشمل المجالات الأمنية والدفاعية

خاص رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك خلال لقاء سابق مع السفيرة البريطانية لدى اليمن (سبأ)

بن مبارك: الالتزامات الدولية تجاه اليمن تشمل المجالات الأمنية والدفاعية

قال رئيس الوزراء اليمني إن الالتزامات الدولية تجاه اليمن لن تقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية، بل ستشمل أيضاً المجالات الأمنية والدفاعية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج نزع فريق «مسام» في محافظة عدن 154 ذخيرة غير منفجرة (واس)

مشروع «مسام» ينتزع 732 لغماً في اليمن خلال أسبوع

تمكّن مشروع «مسام» لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، خلال الأسبوع الثالث من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، من انتزاع 732 لغماً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي لقاء سابق بين رئيس الوزراء اليمني والسفيرة البريطانية لدى اليمن (سبأ)

«اجتماع نيويورك»... نحو شراكة استراتيجية بين اليمن والمجتمع الدولي

تأمل الحكومة اليمنية تأسيس شراكة حقيقية مع المجتمع الدولي، وحشد الدعم السياسي والاقتصادي لخططها الإصلاحية، وجوانب الدعم الدولية المطلوبة لإسناد الحكومة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي عضو في فريق يمني لمكافحة الألغام خلال حملة توعوية بمحافظة الحديدة (أ.ف.ب)

93 يمنياً في الحديدة ضحايا ألغام الحوثيين خلال عام

كشفت بعثة الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق ستوكهولم الخاص بالحديدة ومنظمتان حقوقيتان في مأرب عن سقوط أكثر من 150 ضحية للألغام خلال العامين الماضيين.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
TT

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)

تسعى الحكومة المصرية، لتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في مجال إدارة الموارد المائية، في ظل تحديات كبيرة تواجهها تتعلق بـ«محدودية مواردها». وخلال لقائه سفيرة الاتحاد الأوروبي في القاهرة أنجلينا إيخورست، الاثنين، ناقش وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، التعاون بين الجانبين، في «إعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجتها».

وتعاني مصر عجزاً مائياً، حيث يبلغ إجمالي الموارد المائية، نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، في مقابل احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، وبنسبة عجز تقدر 54 مليار متر مكعب، وفق «الري المصرية».

وتعتمد مصر على حصتها من مياه نهر النيل بنسبة 98 في المائة، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وحسب بيان لـ«الري المصرية»، ناقش سويلم، مع سفيرة الاتحاد الأوروبي، مقترحات تطوير خطة العمل الاستراتيجية (2024-2027)، طبقاً للأولويات المصرية، مشيراً إلى الدعم الأوروبي لبلاده في مجالات «رفع كفاءة الري، وإعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجة المياه، والتكيف مع تغير المناخ».

ووقَّعت الحكومة المصرية، والاتحاد الأوروبي، إعلاناً للشراكة المائية، خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP28، الذي عُقد في دبي عام 2023، بهدف تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية، وتعزيز الحوار، وتبادل الخبرات.

وأوضح وزير الري المصري أن «الإجراءات التي تتبعها بلاده لرفع كفاءة استخدام المياه، تندرج تحت مظلة الجيل الثاني لمنظومة الري»، منوهاً بقيام الوزارة حالياً «بتأهيل المنشآت المائية، ودراسة التحكم الآلي في تشغيلها لتحسين إدارة وتوزيع المياه، والتوسع في مشروعات الري الحديث»، إلى جانب «مشروعات معالجة وإعادة استخدام المياه، ودراسة تقنيات تحلية المياه من أجل الإنتاج الكثيف للغذاء».

ومن بين المشروعات المائية التي تنفذها الحكومة المصرية، بالتعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي، «البرنامج القومي الثالث للصرف، وتحسين نوعية المياه في مصرف (كيتشنر)، وتحديث تقنيات الري لتحسين سبل عيش صغار المزارعين في صعيد مصر، ومراقبة إنتاجية الأراضي والمياه عن طريق الاستشعار عن بعد».

وتعوِّل الحكومة المصرية على الخبرات الأوروبية في مواجهة ندرة المياه، وفق أستاذ الموارد المائية، في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، الذي أشار إلى أن «القاهرة سبق أن استعانت بخبراء أوروبيين لصياغة حلول للتحديات المائية التي تواجهها مصر»، وقال إن «كثيراً من المقترحات التي قدمها الخبراء تنفذها الحكومة المصرية في سياستها المائية، ومن بينها التوسع في مشروعات معالجة المياه، وتحلية مياه البحر، واعتماد نظم الري الحديث».

وللتغلب على العجز المائي شرعت الحكومة المصرية في تطبيق استراتيجية لإدارة وتلبية الطلب على المياه حتى عام 2037 باستثمارات تقارب 50 مليون دولار، تشمل بناء محطات لتحلية مياه البحر، ومحطات لإعادة تدوير مياه الصرف بمعالجة ثلاثية، إضافة إلى تطبيق مشروع تحول للري الزراعي الحديث.

ويعتقد نور الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخبرة الأوروبية في مجال تطوير إدارة المياه والتغيرات المناخية هي الأفضل في هذا المجال»، مشيراً إلى أن «القاهرة تسعى إلى الاستفادة من المنح الأوروبية المقدَّمة في تلك المجالات، وخصوصاً، التكيف مع التغيرات المناخية»، معتبراً أن «التعامل مع العجز المائي في مصر من أولويات السياسة المائية المصرية».

ويُعد الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء في المجال التنموي بالنسبة لمصر، وفق أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي أشار إلى أن «التعاون المائي بين الجانبين يأتي ضمن الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي جرى توقيعها بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، لتطوير التعاون بمختلف المجالات».

ويرى شراقي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتحاد الأوروبي يمتلك التكنولوجيا والخبرات الحديثة بشأن تطوير استخدام المياه، خصوصاً في الدول التي تعاني من شح مائي».