هل دفن الشعر الفلسطيني برحيل درويش؟

شاعران فلسطينيان وناقد يستنكرون السؤال ويدافعون عن المشهد

الشاعر الراحل محمود درويش و الشاعر غسان زقطان
الشاعر الراحل محمود درويش و الشاعر غسان زقطان
TT

هل دفن الشعر الفلسطيني برحيل درويش؟

الشاعر الراحل محمود درويش و الشاعر غسان زقطان
الشاعر الراحل محمود درويش و الشاعر غسان زقطان

منذ رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش، والجدل على أشده بخصوص مستقبل المشهد الشعري بعده، وهل دخل الشعر الفلسطيني بدفنه في مدينة رام الله، مرحلة سبات قد تطول، لدرجة أن قال بعضهم صراحة: «لقد مات الشعر الفلسطيني بموت درويش». في حين كان آخرون أقل تعصبا، بقولهم إن الشعر الفلسطيني بعد درويش دخل مرحلة «موت سريري». إلا أن ثمة من رأى في الشعر مشهدا تركيبيا لا بداية له ولا نهاية، ولا يرتبط بأشخاص مهما كانوا مؤثرين وشكلوا علامات فارقة، وأن الحديث عن مشهد شعري بأكمله يموت بموت شاعر «فارغ» و«ساذج».
الشاعر غسان زقطان، قال في حديث معه، إن الشعر الفلسطيني لم يرتبط بمحمود درويش. لكن درويش، شكل أحد مناطق التتويج الكبرى في الشعر الفلسطيني والعربي، إلا أن أحد أهم مصادر تجربته هو الشعر الفلسطيني، حيث بنى على المشهد الشعري الفلسطيني السابق له، واستكمل مشروع إبراهيم طوقان، وأبي سلمي، وحسن البحيري، وجيل النكبة كاملا وبنى على ذلك.
وأضاف زقطان، الفائز بجائزة «غريفين» العالمية حديثا: «موهبة محمود درويش الكبيرة، والخاصة جدا، والاستثنائية، هي التي سمحت له بأن يطور ويضيف على هذه التجربة»، مستهجنا ما وصفه بـ«الحكم الساذج» بأن الشعر الفلسطيني دفن بدفن درويش، حكم بني برأيه على «القطعيات، والمقدس، والثنائيات التي لا يجب تطبيقها أو إسقاطها على الحالة الإبداعية»، وفكرة «الخلافة».. درويش لا يزال موجودا في الحالة الشعرية الفلسطينية الآن.. الأمر لا يجب أن يرتبط بشخص بعينه، فنحن نتحدث عن مشهد شعري واسع أثر به محمود ودعمه، ودفعه باتجاه الضوء، ومهد له الطرق.

* عابر للأجيال

* وكشف زقطان لـ«الشرق الأوسط»، أن محمود نفسه - ولم يصرح بهذا - لم يكن يتعامل مع شعره بصفته معيارا له، فما بالك باعتباره معيارا للآخر. محمود كان يتكئ على تجربته ليبني نصا جديدا ومختلفا.. قوة درويش هي في كونه عابرا للأجيال في جماليات نصّه والمعايير الفنية التي يتعامل فيها. فهو لم يتوقف عند تجربته في سبعينات القرن الماضي، بل انضم بقوة إلى تجربة الثمانينات. وفي مرحلة ما استطاع التأثير فيها وفي جيلها. وفي التسعينات، وبعد عودته إلى رام الله، انضم إلى جيل هذا العقد، بل إنه دخل الألفية الثالثة بتألق وألق شديدين.
وأضاف: «أقول بكل ثقة، إن محمود درويش كان يرى في التعامل معه كخليفة في الشعر، أمرا مؤذيا له وللآخرين. وقد حاول أن يتحرر من الصورة التي رسمت له، والإطار المقترح له (الإطار الشعبي والنقدي)، ونجح في ذلك. ومن يتابع أعمال محمود درويش في الـ30 سنة الأخيرة، يكتشف التوجه العنيد في الرغبة بالخروج من هذا الإطار، وقد عبر عن هذا التوجه في ديوان (لماذا تركت الحصان وحيداً؟)، وفي (أرى ما أريد)، وكل ما كتبه في الثمانينات والتسعينات والألفية الجديدة. ولربما هذا سر صدمة الكثير من محبي درويش في محاولاته لتلافي الحديث عن تجربة الستينات، ليس من باب إنكار الماضي، بل بقدر لفت الأنظار إلى التعامل معه من خلال جديده في الشعر».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن محمود درويش نفسه قال ذات يوم: «لم أعد أعبِّر عن اللحظة السياسية الفلسطينية، بل عن إنسانية الفلسطينيين، وانتقلت، بالتالي، من النمط إلى الإنسان، أي أنني أطرد من صياغتي الخطاب السياسي البطولي وأتعمق في تراجيديا الشرط الفلسطيني وفي جمالية هذه التراجيديا».

* لا سجن ولا اغتيال

ويعترف الشاعر د. إيهاب بسيسو، بتأثره الشديد بشعر الآباء الشعريين، وخصوصا محمود درويش، وينطبق هذا أيضا، على سميح القاسم، والبياتي، والسياب، وصلاح عبد الصبور، وغيرهم. ويقول: لست مع اغتيال هؤلاء الآباء، وفي الوقت ذاته لست مع تقديسهم، كوني أرى أن العصر يحتاج إلى صيغ شعرية جديدة تتجاوز أطروحاتهم‏. وإن الحديث عن درويش المتجدد مختلفا.. درويش قامة شعرية كبيرة وعلامة فارقة في المشهد الشعري الفلسطيني، لكن تقديسه يسيء إليه.. هو وغيره يبقى لهم فضل الإسهام في التأسيس، ولفت أنظار العالم إلى قضيتنا‏ في البداية، لكن الحديث عن درويش مختلف، لأنه لم يحصر نفسه في قارورة كغيره، إلا أن هذا لا يعني أن نسجن أنفسنا في قوالبه وقوالب غيره من القامات الشعرية. ويضيف بسيسو: «الحديث عن موت الشعر الفلسطيني بموت درويش أمر مستهجن، وغريب، ومسيء لدرويش نفسه، وكان كما أعلم لا يقبله.. هو علامة فارقة في الشعر الفلسطيني والعربي، لكن الشعر الفلسطيني باق ما دام الشعب الفلسطيني لم يفنَ، فالمبدعون موجودون في كل زمان ومكان.

* الخليفة

* بدوره، أشار الكاتب والناقد سميح محسن، إلى أن درويش الذي شكل علامة فارقة في المشهد الثقافي الفلسطيني بكليّته، فرض سؤال الشعر الفلسطيني بعده.. وقال: هذه العلامة الفارقة نفسها هي التي دفعت بعض المتشوقين للجلوس على مقعد درويش الشعري للإعلان عن أنفسهم، وفي حياته، بأنهم سيكونون خليفته بعد رحيله، وكأن للشعر خلافة أو توريثاً!
وأضاف: «إن طرح هذا السؤال، أعني سؤال الشعر الفلسطيني بعد محمود درويش، كأنه يراد منه إحداث فصل بين مرحلتين تاريخيتين من تاريخ الشعر العربي منذ امرئ القيس وحتى يومنا هذا، وهذا ما لم يحدث من قبل على صعيد تجارب الشعراء، بمعنى أن المراحل الشعرية لم تُقّسَّم على أساس الشعراء، وإنما قسمت على أساس المراحل التاريخية للأحداث.
وخلص محسن إلى أن «الجيل الشعري الذي رافق درويش لا يزال على قيد الحياةِ، والجيل الذي جاء من بعده، لن يتوقف عن تطوير أدواته الشعرية»، وقال: «لكني لا أتوقع أن يحدث أي منهم انقلابا حادا في تجربته التي قدمها، وإنما سوف يؤسس على ما بناه.. إن الجيل الجديد هو من سيخوض التجربة، ويحمل أعباءها، ويرسم ملامحها.

* ما بين النقل والاستفادة

* وعن تأثير تجربة درويش على الشعراء الشباب على وجه الخصوص، أجاب غسان زقطان: «هناك فرق شاسع ما بين نقل التجربة وبين الاستفادة منها.. نحن وكل المبدعين محصلة كوكب من التأثيرات. والمهم برأيي، هو تحويل هذه المؤثرات إلى عمل إبداعي يحمل شخصيتنا وخصوصيتنا.. سيبقى محمود درويش حاضراً في نصوص الشباب والأجيال المقبلة من الشعراء في فلسطين وخارجها، كما المتنبي لا يزال موجودا حتى الآن في نصوص حداثية.. هناك من نسخ نصوص محمود بمفردات أضعف ورؤية هزيلة، وهؤلاء موجودون ومستمرون، وقد يكونون الخط الأغزر إنتاجا، ولكنه الأقل فاعلية». وخلص زقطان إلى أنه «إذا أردت أن تتخلص من عملية التأثير هذه التي قد تصل حد السطوة.. عليك أن تذهب لتقرأ محمود درويش في أعمق مناطقه.. كلما زادت المعرفة في نصه ومصادره وعلاقاته وشبكة الدلالات داخله، كلما تقلصت عملية النقل ومحاولات الاستنساخ».



مخدوم قولي... حارس الأمة التركمانية

نصب الشاعر مخدوم قولي
نصب الشاعر مخدوم قولي
TT

مخدوم قولي... حارس الأمة التركمانية

نصب الشاعر مخدوم قولي
نصب الشاعر مخدوم قولي

زرتُ عشق آباد قبل أيام، بدعوة من جمهورية تركمانستان، لحضور الفعالية المركزية والحفل الكبير بمناسبة مرور ثلاثمائة عام على ولادة شاعر تركمانستان مخدوم قولي فراغي، لم أكن متشجعاً في بداية الأمر لحضور الفعالية؛ ذلك أني لا أعرف أحداً في هذا البلد، ولا توجد لدينا سفارة، ولا أظن عراقياً واحداً يسكن فيها، رغم أن اسم عشق آباد يتردد في السرديات التاريخية والدينية بوصفها مدينة لها عمق تاريخي، وواحدة من عواصم الشرق القديم، فيها اختبأ التاريخ، وفوق رمالها صلى المتصوفون واعتكف الزاهدون، وربما وصل إليها أجدادنا قبل أكثر من ألف عام، فعانقوا فطرتها والتحموا بجلالها وجبالها، ولكني أخيراً تشجعت للحضور إلى هذه الفعالية، بعد أن قرأتُ عن الشاعر مخدوم قولي، وعن تركمانستان، وعن طبيعة الحياة فيها، فانطلقت إليها بعد عناء رحلة مضنية وترانزيت طويل نسبياً. وحين وصلت كنت أتوقع أن يكون الحفل والاحتفاء بالشاعر مثلما نقيمه نحن ببلداننا في مناسبات كهذه؛ يعني أن يحضر على أعلى تقدير وزير الثقافة وعدد من الأدباء والمهتمين بهذا الشأن في قاعة مغلقة، ونعزف السلام الجمهوري، ونفتتح المهرجان بالقصائد والكلمات، ونعود إلى بيوتنا بعد ذلك.

ولكني حين وصلت، وقبل أن أتحدث عن الحفل المركزي بودي الحديث عن المدينة (عشق آباد)؛ ذلك أن أول ما فاجأني هو اللون الأبيض، فالمدينة كأنّها مصبوغة باللون الأبيض، من رأسها حتى قدميها؛ إذ لا يوجد أي لون غيره، فالبنايات كلها من الرخام الأبيض، وواجهات البيوت أيضاً، والعلامات الدالة، والأرصفة، وحتى سيارات التاكسي. ترك هذا اللون مسحة هائلة من الأناقة والذوق على مفاصل المدينة، وكذلك النظافة التي تحلَّت بها المدينة، مما جعل منها مدينة غارقة بالذوق، حتى إني سألتُ أحد المرافقين لنا: لماذا عشق آباد مدينة غير سياحية؟ فأجاب أننا نخشى من السياح ألا يحافظوا على نظافتها؛ حيث إن النظافة لديهم تحولت إلى وسواس قهري، مما جعل السلطات لديهم تمنع التدخين في كل الأماكن، وهذا ما أزعجنا - نحن المدخنين.

أعود إلى الموضوع المركزي، وهو الاحتفاء بمرور ثلاثمائة عام على ولادة شاعر تركمانستان، مخدوم قولي فراغي، الذي أصبح لديهم أيقونة كبرى وجامعاً للهوية التركمانستانية، وهو عمل عظيم بالنسبة للشعراء، حين يتحولون إلى آباء للأمم، وصُنّاع للهوية الوطنية أو الأممية، وهذا ما حدث مع مخدوم قولي، وربما حدث مع شعراء آخرين، ولكنهم نادرون في هذا التوصيف، وقد جاءوا بطرق مختلفة، فمثلاً المتنبي لدى العرب تحول إلى حارس للغة العربية وملهم للهوية الثقافية والمعرفية، وأحد مصادر الفخر والاعتزاز والحكمة لدينا؛ فلا يكاد شخص عربي لا يحفظ ولو بيتاً للمتنبي، وكذلك شكسبير لدى الإنجليز، وبوشكين لدى الروس، كذلك مخدوم قولي تحول إلى جامع للهوية ورمز تلتف حوله الأمة التركمانية.

وصلنا إلى الفندق الرابعة فجراً، وأبلغونا بأن التحرك سيكون في السادسة صباحاً، فاستغربنا لماذا هذا الإصرار على حضور الفعالية صباحاً؟ عموماً تحركنا من الفندق السادسة صباحاً ووصلنا إلى تمثال الشاعر المحتفَى به، فكانت الصدمة الهائلة؛ حيث وجدنا نصباً للشاعر، ولكنه نصب بحدود 100 متر ينظر إلى المدينة بكاملها، وكأنه حارسها الشخصي، وأبوها الذي لا ينام. ويُقدر عدد الحاضرين بحدود 2000 شخص، منهم المسؤولون والوزراء والنواب والدبلوماسيون وموظفو الدولة من الدرجات العليا، إلى أن نصل إلى طلبة الجامعات، وكل شخص يحمل باقة ورود بين يديه، حتى نحن الضيوف الذين قدمنا من المطار، حمَّلونا باقات ورود لنهديها للشاعر في ذكراه. التمثال لوحده يحتاج إلى وقفة للقراءة والمعاينة، ذلك أن المساحة المخصصة له تُقدَّر بكيلومتر كامل أو أكثر، والقاعدة التي نُصب عليها التمثال تُقدَّر بخمسة دونمات، والصعود إليه عبر أكثر من 50 مدرجاً، ومن ثم النصب الذي لا يُرى ارتفاعاً وعرضاً، مما منح الهيبة والعلو والفخامة والجمال، وهو أول نصب في العالم - حسب علمي - يُمنَح لشاعر بهذا الحجم والفخامة، وهذا له رسائل عديدة تريد أن ترسلها الدولة في اتخاذها الشاعر مخدوم قولي رمزاً لوحدتها وهدفاً لانطلاقها.

ضيوف عديدون وشخصيات كبيرة من دول آسيوية وعربية، بوفود رفيعة المستوى قدَّموا جميعهم باقات الورد؛ حيث كان وزير الخارجية التركمانستاني في استقبال الوفود بمدخل الساحة المخصصة للنصب الكبير. أنظر إلى التركمانستانيين ذكوراً وإناثاً، وكأنهم في عيد ديني، أو وطني، فالكل يرتدي أجمل الملابس، ويحمل باقة الورد، ويُصوَّر مع التمثال، ويتبادل التهاني مع مَن معه، بالضبط كأنهم في عيد الفطر أو الأضحى.

احتفاء تركمانستان بمخدوم قولي فراغي يعيد الثقة بالشعر والشعراء ويعطي درساً للحكومات والأمم بطريقة الاحتفاء بهم

انتهينا من مراسم وضع الزهور، وهو مشهد لم أرَه منذ أكثر من 20 عاماً، حيث الإتيكيت الرسمي لمثل هذه التقاليد، بعد ذلك ذهبنا إلى الحفل الرسمي، حيث القاعة المركزية التي تضم مجمل الوفود المدعوة لهذا الحفل، وحين دخلنا القاعة وجدنا أن الحفل ليس احتفالاً بشاعر، إنما الدولة عقدت قمة كبرى؛ حيث تفاجأنا بحضور 12 رئيس جمهورية، وممثلين عن كل الدول المدعوة، وكلٌّ أمامه علم بلاده. وافتتح القمة رئيس الجمهورية محمدوف، ومن ثم ألقى رؤساء الجمهوريات المتبقون كلماتهم بهذه المناسبة. إن مثل هذا الحدث وهذا الاهتمام النوعي بالشعراء أظنه يحدث للمرة الأولى؛ في أن تنعقد قمة كبرى من أجل شاعر، وأن يحضر العالم للاحتفاء به، وإلقاء الكلمات بالمناسبة.

ماذا يريد الشعراء إذن؟ هل هناك خلود أكثر من هذا؟ أن تلتحم أمة بكاملها لأجله، وتصوغ حدثاً مرَّ عليه ثلاثمائة عام لتحتفي به داعية نصف العالم له، عابرين القارات والأمم من أجل مصافحته. إنها ولادة جديدة لهذا الشاعر، فمن لم يعرفه عرفه من جديد، ومَن لم يقرأ له فسيقرأه من جديد، وسيحفظ له نصوصه، وحين نقرأ مخدوم من جديد سنكتشف معه أسماء المدن والقرى التي كان يسكن فيها أو يمر بجانبها، وهي ظاهرة واضحة في قصائده؛ حيث تكثر أسماء القرى والمدن، وبهذا يتحول شعره إلى موسوعة أممية لمرحلة من المراحل، وستبدأ المؤسسات الثقافية ودور النشر بترجمة أعمال مخدوم لثقافاتها، ونشرها بما يليق بشعره، ومكانته في أمته. فعلاً إنها ولادة جديدة لمخدوم قولي، والاحتفاء مناسبة مهمة لجميع الشعراء في العالم لأن يعيدوا حساباتهم مع الشعر ومستقبله؛ حيث كثرت في السنوات الأخيرة استطلاعات الرأي ومقالات وكتب كثيرة تتحدث عن أفول زمن الشعر، وأن العالم يتغير تجاه تلك الفنون، وأنها تُستَبدل بها التقنيات الحديثة، وأن جمهور الشعر إلى زوال، وهذا ما ذكرتُه في إحدى مقالاتي عن أفول جمهور الشعر، وهي شكوى وندب للشعر بزواله وزوال جمهوره، ولكني حين رأيت كيفية استذكار الشاعر التركمانستاني مخدوم قولي راجعت أوراقي وتراجعتُ عن بعض مما أطلقته من أفول نجم الشعر؛ حيث وجدته في تلك البلاد شخصية محورية في صناعة الأمة والحفاظ على هويتها ولغتها وقوميتها، ولكني في الوقت نفسه لا أريد أن أكون مندفعاً وعاطفياً تحت وطأة النصب العظيم والحدث التاريخي وطريقة الاحتفاء؛ فلو عملنا استطلاعاً للرأي لدى هؤلاء الذين حضروا للاحتفاء باكراً في البرد؛ فهل سيحضرون من دون توجيه رسمي، ويضعون باقات الورد تحت قدمَي الشاعر؟

ولكن مع كل شيء شكراً لهذا الحدث العظيم الذي يعيد الثقة بالشعر والشعراء، ويعطي درساً للحكومات والأمم بطريقة الاحتفاء بهم بوصفهم حُرَّاساً على حدود هذا العالم على حد قول كادامير.