نزاع «سد النهضة»... مَخرج إثيوبي يلقى رفضاً مصرياً ـ سودانياً

تسبب رفض مصري - سوداني، طرحاً إثيوبياً لـ«اتفاق جزئي» لحل نزاع «سد النهضة»، في تعليق المفاوضات التي تجري برعاية «الاتحاد الأفريقي».
وبحسب مسؤولي الدولتين، فإن المُقترح الإثيوبي يشكل تراجعاً عما اتفق عليه في قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي، ولا يتضمن اتفاقاً نهائياً شاملاً على القضايا محل الخلاف، ويقصره على المرحلة الأولى لملء السد، دون قواعد تشغيله، أو أي عناصر تعكس إلزاميته.
وتأجلت المفاوضات التي تجري بحضور مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي، الاثنين الماضي. وقالت وزارة الري المصرية إنه «تم الاتفاق على رفع الاجتماع لمدة أسبوع، على أن يتم التشاور بين الوزراء لتحديد جدول الأعمال ومستوى المشاركة».
وتخشى القاهرة تضرر حصتها السنوية من مياه النيل، وهي 55.5 مليار متر مكعب، والتي تعتمد عليها بأكثر من 90 في المائة؛ بينما ترغب إثيوبيا في أن يتضمن أي اتفاق نهائي تقاسم مياه نهر النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل الذي تقول إثيوبيا إن مصر تحصل على نصيب الأسد منه.
ولا يعد الطرح الإثيوبي لاتفاق جزئي هو الأول، فقد سبق أن رفضت مصر والسودان في أبريل (نيسان) الماضي عرضاً مماثلاً، كما اقترحت مجموعة الأزمات الدولية في مارس (آذار) الماضي اتفاقاً حول قواعد الملء الأول، كوسيلة لبناء الثقة أثناء التفاوض بشأن الاتفاق الشامل.
ويسمح أي «اتفاق جزئي» لإثيوبيا بتجنب الالتزام باتفاق شامل، وفقاً لمراقبين حذروا من الإضرار بمصالح مصر المائية على المدى الطويل.
ووفق الدكتور حسام مغازي، وزير الموارد المائية المصري الأسبق، فإن ما قدمته أديس أبابا لا يبدد المخاوف المصرية والسودانية المتعلقة بكيفية التعامل في سنوات الجفاف والجفاف الممتد، وعدد سنوات الملء وأمان السد، وغيرها من الهواجس التي تتعدى مجرد قضية الملء خلال عام أو عامين.
وتتطلع مصر إلى توقيع اتفاق شامل نهائي، يؤمِّن تدفق حصتها المائية في نهر النيل، وفقاً للوزير المصري الأسبق الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن مثل هذه الاتفاقية تضمن عدم تغيير المواقف في المستقبل.
ولا تثق مصر في الوعود الإثيوبية باستكمال الاتفاق لاحقاً. وكما يشير مغازي، فإن «هناك شكوكاً حول جدية إثيوبيا في التوصل إلى اتفاق نهائي؛ خصوصاً بعدما رفضت حضور الجلسة الأخيرة المخصصة لتوقيع الاتفاق في العاصمة الأميركية واشنطن، نهاية فبراير (شباط) الماضي».
وتؤكد كل من مصر وإثيوبيا على خيار المفاوضات، باعتباره أفضل سبل تسوية النزاع الدائر منذ عقد من الزمان؛ لكن مصر ومعها السودان شددا على ضرورة استئناف المفاوضات وفق مخرجات القمة الأفريقية التي عُقدت في 21 يوليو (تموز) الماضي، والتي تنص على التفاوض لإبرام اتفاق ملزِم حول قواعد ملء وتشغيل السد.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس، إن بلاده «سوف تستمر في إعطاء الأولوية لموضوع (سد النهضة)، والمفاوضات مستمرة، وسيتم من خلالها الحرص على الحفاظ على مصالح مصر المائية»، مشيراً في تصريحات تلفزيونية إلى أن «جميع مؤسسات الدولة تعمل لحماية حقوق مصر المائية».
وفي الجهة المقابلة، قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، إن أديس أبابا ملتزمة بمعالجة مخاوف دول المصب حول «سد النهضة»، مؤكداً أن بلاده تريد التعاون مع السودان ومصر لجعل النيل مصدراً للتعاون بدلاً من الصراع.
وقال إن إثيوبيا تشجع المفاوضات الدبلوماسية السلمية، مشدداً على أنه لا نية لبلاده لإلحاق الأذى بدول المصب.
وتنظر إثيوبيا إلى «النيل الأزرق»، باعتباره نهراً إثيوبياً. وقال المتحدث باسم الخارجية إن «بلاده هي مصدر نهر النيل، فأكثر من 86 في المائة من مياه النهر تنبع من إثيوبيا... هذه هي ثروة إثيوبيا الطبيعية». ولفت إلى أن مشكلة إثيوبيا مع مصر تكمن في محاولتها «احتكار نهر النيل»، لافتاً إلى أنه «لن تكون هناك مشكلة مع مصر ما دامت تحترم حقوق الآخرين».
‏وترسخ التسوية الجزئية «فرض سياسة الأمر الواقع»، كما يؤكد الدكتور حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي أشار إلى أن «هذا هو ما تسعى إليه إثيوبيا التي بدأت ببناء السد نفسه بقرار أحادي، واتخذت قرار الملء في المرحلة الأولى في يوليو الماضي بإرادتها المنفردة».
وحذر خبير الشؤون الأفريقية، في مقال له، من أن «هذا النهج يدفع إلى تفجير الإقليم كله؛ نظراً لترك القضايا الجوهرية... حيث تتصاعد حدة الغضب المصري تجاه إثيوبيا التي تخطط للمضي قُدُماً حتى من دون اتفاق؛ بل وتعلن أنها سوف تقوم ببناء سدود أخرى مستقبلية على النيل الأزرق».
ولفت إلى أن «نهر النيل هو شريان حياة مصر، ولذلك يُعد (سد النهضة) مسألة قد تُمثل تهديداً وجودياً للمصريين. ربما يُضار نحو 5 ملايين مزارع، وينخفض الإنتاج الزراعي بمقدار النصف، وهو ما يزيد من زعزعة استقرار ‏مصر التي لا تزال تواجه تحديات أمنية واقتصادية كبرى. وعليه فإن الحل الجزئي في هذه الحالة بالنسبة لدولتي المصب يُعد أسوأ من حالة عدم التوصل لاتفاقٍ».