ليبيا... بين مخاطر اندلاع «معركة إقليمية» والتطلع إلى «سلام صعب» (تحليل إخباري)

تركيا تعلم أن الحرب ستكون مكلفة وقد تهدد المستقبل السياسي لإردوغان

وزير الخارجية التركي مع خالد المشري في زيارته إلى طرابلس الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية التركي مع خالد المشري في زيارته إلى طرابلس الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

ليبيا... بين مخاطر اندلاع «معركة إقليمية» والتطلع إلى «سلام صعب» (تحليل إخباري)

وزير الخارجية التركي مع خالد المشري في زيارته إلى طرابلس الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية التركي مع خالد المشري في زيارته إلى طرابلس الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

مع تزايد النزاع المستمر بين الفرقاء الليبيين بدعم من قوى إقليمية ودولية، تتواصل تحذيرات الخبراء والمحللين السياسيين من تطورات عسكرية محتملة في ليبيا، ومن مخاطر اندلاع حرب إقليمية، خاصة بعد تلويح مصر بالتدخل لحماية أمنها القومي، وتشديدها على أن سرت والجفرة «بمثابة خط أحمر» بالنسبة إليها، وهو ما يفجر مخاوف مضاعفة من مواجهة محتملة بين القوتين العسكريتين المصرية والتركية على الأراضي الليبية.
يقول رياض الصيداوي، رئيس المركز العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية في جنيف، لوكالة الأنباء الألمانية إن «إمكانية حرب إقليمية واردة لأن الذهاب إلى المفاوضات سيجعل برلمان طبرق (شرق ليبيا) في موقف الرابح لامتلاكه النسبة الأكبر من منابع النفط الرئيسية الآن». مضيفا أنه «من الناحية العسكرية فإن موقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضعيف لأن جيشه البري بعيد، بينما جيش مصر القوي موجود على الحدود الشرقية وله أفضلية الميدان. وقد تتجه المنطقة إلى حرب استنزاف، لكن تركيا تعلم جيدا أنها ستكون مكلفة، وقد تهدد المستقبل السياسي للرئيس إردوغان».
وأضاف الخبير موضحا أن «اندلاع معركة في سرت قد تكون شرسة ومكلفة جدا. وقد تتراجع تركيا عن خوض المعركة، ولكن ستكون هناك بلا شك خسارة لمنابع النفط»، مقرا بوجود مخاوف من تحول الأراضي الليبية فعليا إلى موطن صراع دولي من أجل النفوذ والنفط، وهو ما يعزز من المخاوف المستمرة من انفجار عسكري محتمل في المنطقة.
وتابع الصيداوي قائلا: «لقد منحت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتركيا لتتدخل في ليبيا، ولتكون بمثابة ذراعها الأطلسية لمواجهة الوجود الروسي. الحرب الباردة مستمرة هناك. لكن على الجانب الآخر، فإن روسيا تريد العودة إلى مناطق نفوذها التقليدية عبر الضباط الذين تدربوا لديها في حقبة الاتحاد السوفياتي، وعبر صفقات التسليح الضخمة».
في المقابل، استبعد رشيد خشانة، مدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا، اندلاع معركة مباشرة بين قوتين إقليميتين على أرض ثالثة، غير أنه نبه إلى إمكانية اندلاع حرب بالوكالة يقودها الليبيون أنفسهم.
يقول خشانة، لوكالة الصحافة الألمانية: «الجانب الأميركي يضغط على حليفيه الاثنين (التركي والمصري) حتى الآن لتفادي الصدام، لكن هذا التحفظ من الممكن أن يزول في أي لحظة. وقد تدفع روسيا أو تركيا إلى المواجهة من خلال تقديم الدعم عبر المستشارين والخبراء العسكريين من الخلف».
لكن وبغض النظر عن حدوث مواجهة أو عدم وقوعها، فإن النزاع المستمر في ليبيا منذ عام 2011 يلقي بظلاله على دول الجوار، وله تداعيات مكلفة أمنيا واقتصاديا.
في هذا السياق، يشير الصيداوي إلى أن تونس والجزائر دفعتا بتعزيزات عسكرية كبيرة لتأمين الشريط الحدودي الغربي مع ليبيا، وألا تتضرر دولتا تشاد والنيجر أمنيا. مبرزا أن وضع مصر في الشرق يبدو أقل ضغطا لأنها تقع في تماس مع مناطق موالية لها في شرق ليبيا، ولها نفوذ وسط القبائل في تلك المنطقة.
كما يعتقد الصيداوي بأن تونس كانت الأكثر تضررا من الناحية الاقتصادية بسبب تعثر حجم التبادل الاقتصادي والتجاري، وخاصة في ظل الخطر المستمر من قبل الجماعات المتشددة والمتسللين من التراب الليبي، حيث كانت تونس على مشارف خسارة مدينتها بن قردان، الواقعة على مقربة من الحدود الليبية، في هجوم مفاجئ لمسلحين موالين لـ«تنظيم داعش» في 2016 قبل أن يصدها الجيش وقوات الأمن في معارك شوارع ضارية.
يقول العميد المتقاعد في الجيش التونسي، المختار بن نصر، إن «تدفق الأسلحة والمقاتلين، سواء من تركيا أو روسيا، على ليبيا يجعل من هذا التهديد أمرا حقيقيا وجديا. لكن الجيش التونسي يأخذ هذه الأمور أيضا على محمل الجد، لذلك تم تعزيز الترتيبات الأمنية، كما أعلن الجيش حالة الاستنفار على الحدود وعزز من عمليات المراقبة على مدار الساعة». داعيا إلى مزيد من الحذر في ظل وجود مناطق صحراوية شاسعة على الحدود مع ليبيا في الجنوب، وعلى حدودها أيضا مع الجزائر والنيجر وتشاد.
في سياق ذلك، يحذر الخبراء من أن النزاع العسكري في ليبيا قد يكون طويل الأمد في حال اندلاعه، ولن يفضي إلى حلول واضحة وحاسمة لأي من طرفي النزاع، في وقت أثبتت فيه المفاوضات السياسية فشلها في التوصل إلى توافق بين الفرقاء الليبيين، بدءا من اتفاق الصخيرات الموقع منذ 2015 وانهيار جهود المبعوث الأممي السابق في ليبيا، غسان سلامة. وبهذا الخصوص يقول خشانة إن «اتفاق الصخيرات تجاوزه الزمن. لقد تم إعداده من أجل سنتين، والآن نحن في طور السنة الخامسة ولم يتم تفعيله، وبالتالي فإن المؤسسات المنبثقة عنه باتت فاقدة للشرعية، لكن ليست هناك هيئات ذات شرعية بديلة حتى الآن».
ويضيف خشانة موضحا «سيكون من المهم أن تلتقي القوى الدولية والإقليمية المعنية بالنزاع في ليبيا في مؤتمر دولي للاتفاق على صيغة من أجل إدارة المرحلة الانتقالية، عبر وضع حكومة تكنوقراط مثلما حصل في تونس، تمهيدا لانتخابات والوصول إلى مؤسسات دائمة، وتحرير الثروة النفطية في ظل وضع صعب يعيشه الليبيون».
من جانبه، يرى رياض الصيداوي أنه من المهم، إلى جانب تنظيم مؤتمر دولي، أن تصدر قرارات ملزمة من مجلس الأمن الدولي، أو حتى المرور إلى تفعيل الفصل السابع، وإرسال أصحاب القبعات الزرقاء إلى ليبيا. مبررا هذه الخطوة بقوله: «الخيارات الدبلوماسية ليست فعالة، فالفرقاء في ليبيا يتحاورون في أكثر من قمة دولية. غير أن الوضع على الأرض مخالف تماما لأن الصراع العسكري مستمر من أجل النفط».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».