عباس وحماس يتبادلان الاتهامات حول تعطيل تشغيل معابر القطاع

قرار استمرار التنسيق الأمني يعمق الخلافات بين معارضيه والمدافعين عن تواصله

محمود عباس
محمود عباس
TT

عباس وحماس يتبادلان الاتهامات حول تعطيل تشغيل معابر القطاع

محمود عباس
محمود عباس

أشعل قرار استمرار التنسيق الأمني الذي اتخذته القيادة الفلسطينية، مزيدا من الخلاف بين التيار الذي يطالب بوقف التنسيق، وتمثله حركة حماس، والجهاد الإسلامي، ومنظمات اليسار، والتيار الذي يدافع عن استمرار التنسيق في هذا الوقت ويتمثل في السلطة الفلسطينية.
واتهمت حماس، وهي المطالب الأبرز بوقف التنسيق الأمني، السلطة بأنها غير مؤهلة لقيادة الشعب الفلسطيني، وعدت قرار استمرار التنسيق «خيانة لدماء الشهداء». وقال القيادي في حماس، محمد فرج الغول: «هذا القرار يجرئ قادة الاحتلال على ارتكاب مزيد من الاغتيالات بحق الفلسطينيين وقياداتهم».
وأضاف في بيان «هذا دليل على أن السلطة غير مؤهلة لقيادة الشعب، وأنها لا تزال تسير في ركب الاحتلال، ولا تستطيع أن تتخلص منه».
وتابع «التنسيق الأمني جريمة يعاقب عليها القانون الفلسطيني حسب اتفاقيات المصالحة».
وعد الغول أن «الرد الوطني على اغتيال الوزير زياد أبو عين هو المقاومة بكل أشكالها، وإيقاف كل ألوان التنسيق الأمني، والإسراع في التوقيع على ميثاق روما لجلب قادة الاحتلال ومحاكمتهم كمجرمي حرب».
وإلى جانب الغول انتقد قياديون إسلاميون آخرون ويساريون أيضا، استمرار التنسيق وعدوه تفردا في اتخاذ القرار.
وكانت القيادة الفلسطينية قررت استمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل بعد أيام من الجدل، وإعلان وقفه من قبل قياديين بارزين، على خلفية قتل الجيش الإسرائيلي الوزير زياد أبو عين الأربعاء الماضي.
وقالت القيادة الفلسطينية، إنها «كلفت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات السلطة الوطنية، باتخاذ كل الخطوات الكفيلة بترسيخ مكانة دولة فلسطين على أرض الواقع، والعمل على إعادة النظر في كل العلاقات والروابط مع دولة الاحتلال التي تتعارض مع حق دولة فلسطين في السيادة على أرضها، بما في ذلك كل أشكال التنسيق التي تستغل فيها إسرائيل ذلك لإعاقة ممارسة السيادة على أرضنا وضمان حقوق شعبنا».
ودافع قياديون فلسطينيون عن استمرار التنسيق الأمني بالقول إنه «يمثل مصلحة عليا للشعب الفلسطيني».
وقال مستشار الرئيس للشؤون الدينية، محمود الهباش، إن «التنسيق الأمني لن يتوقف حتى يصبح ضد مصالح الفلسطينيين العليا».
والتنسيق الأمني هو واحد من بين أنواع من التنسيق القائم بين السلطة وإسرائيل، وبدأ العمل بها جميعا مع توقيع اتفاق أوسلو.
ويقول رافضو التنسيق الأمني إنه يكبل المقاومة الفلسطينية في الضفة، ويقدم خدمات مجانية إلى إسرائيل، من خلال التعاون في تبادل معلومات وتنفيذ اعتقالات. ويرد المدافعون عن استمراره، بأنه يجري وفق الرؤية والمصلحة الفلسطينية وليس وفق ما تراه إسرائيل، وإن وقفه يعني وقف أشكال التنسيق الأخرى بما فيها التنسيق المدني، بما سيعطل مصالح معظم الفلسطينيين التي ترتبط بالتنسيق المدني، الذي يعالج بدوره قضايا اجتماعية وصحية عالقة.
وفيما قررت القيادة استمرار التنسيق، حددت موعدا لتقديم مشروع القرار الفلسطيني - العربي للتصويت في مجلس الأمن، غدا، أي بعد اجتماع الوزير الأميركي جون كيري ووزراء الخارجية العرب والوزراء الأوروبيين، الذي تم أمس. وقالت القيادة الفلسطينية في بيان لها، إن هذا التوجه، هو «لتأكيد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن جميع الأراضي المحتلة عام 1967، وتحديد سقف زمني لإتمام خطوات رحيل الاحتلال».
وجاء في البيان أيضا، «إنه لا بد أن يحتوي مشروع القرار الفلسطيني - العربي على كل العناصر التي تضمنتها مبادرة السلام العربية، وثوابت شعبنا الوطنية، بما فيها اعتبار القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين وجزءا لا يتجزأ من الأراضي التي يجب أن ينسحب عنها الاحتلال وضمان حقوق اللاجئين وفق قرار 194».
ومن ضمن القرارات الأخرى التي اتخذتها القيادة الفلسطينية، الدعوة إلى ضرورة المسارعة في تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، ومحاسبة إسرائيل على اغتيالها الوزير زياد أبو عين، عبر محكمة دولية مختصة.
كما أكدت القيادة على أنها «ستواصل العمل على إنجاز سريع ومتواصل لبرنامج إعادة الإعمار في قطاع غزة، عبر حكومة الوفاق الوطني ومؤسساتها المتخصصة»، داعية جميع الأطراف إلى إزالة أي عقبات وعوائق يمكن أن تحول دون إنجاز هذا البرنامج، لأن دولة الاحتلال تسعى لاستغلال كل الذرائع والخلافات والمصالح الضيقة لتعطيل عملية إعادة الإعمار. وجاء ذلك بعد أن هاجم عباس حركة حماس واتهمها بالتنصل من الاتفاقات ومنع السلطة من تسلم المعابر والتربح من مواد الإعمار عبر فرض رسوم خاصة عليها.
وردت حماس أمس متهمة عباس، بأنه هو الذي يرفض استلام معابر قطاع غزة، بغرض «تعطيل عملية إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي بعد عدوانه الأخير الصيف الماضي».
وقال الناطق باسم حماس سامي أبو زهري في بيان، «عباس هو الذي يرفض استلام المعابر لتبرير تعطيل عملية الإعمار.. وحماس تتهمه بالمشاركة في خنق غزة وتعطيل الإعمار فيها».



أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».