القضاء اللبناني يتابع تحقيقاته في انفجار المرفأ: لا خيمة فوق رأس أحد

استجوب مدير أمن الدولة وأوقف 19 مسؤولاً والعدد مرشح للارتفاع

عشرات الآليات متضررة من الانفجار في مرفأ بيروت (أ.ب)
عشرات الآليات متضررة من الانفجار في مرفأ بيروت (أ.ب)
TT

القضاء اللبناني يتابع تحقيقاته في انفجار المرفأ: لا خيمة فوق رأس أحد

عشرات الآليات متضررة من الانفجار في مرفأ بيروت (أ.ب)
عشرات الآليات متضررة من الانفجار في مرفأ بيروت (أ.ب)

تسلك التحقيقات القضائية والأمنية في تفجير مرفأ بيروت، مسارات عدّة. لكنّ أبرزها تمثّل بشروع النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، باستجواب قادة الأجهزة الأمنية في لبنان، بدءاً من رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، الذي خضع أمس لجلسة استجواب في مكتب عويدات في قصر العدل استغرقت ساعتين، تقرر إثرها تركه رهن التحقيق، على أن يستكمل النائب العام التمييزي في الساعات المقبلة استجواب باقي قادة الأجهزة الأمنية.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مواكبة لمسار التحقيق، أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان «لن يخضع لأي تحقيق قضائي أو مساءلة عما جرى في المرفأ، باعتبار أنه لا سلطة لقوى الأمن الداخلي على المرفأ ولا توجد أي نقطة أمنية لهذا الجهاز في أي من المرافئ البحرية، ولا في أي معبر على الحدود البرية». وأشارت إلى أن «الوجود الوحيد لقوى الأمن هو في مطار بيروت الدولي، وتقتصر على عمليات التفتيش».
في هذا الوقت، لم يتخذ القضاء قراراً بتوقيف مشتبه بهم جدداً في هذه القضية، وأوضح قضائي رفيع لـ«الشرق الأوسط»، أن «قائمة التوقيفات ما زالت عند 19 محتجزاً على ذمة التحقيق بعد ترك شخصين كانا أوقفا قبل ساعات رهن التحقيق»، متوقعاً أن «يجري توقيف المزيد من الأشخاص في ضوء المعطيات التي تتوفر مع تبعات وتطورات هذا الملفّ»، مؤكداً أن «وتيرة التحقيق ستتسارع فور انتهاء الفرق الفنية من أعمالها في مسرح الجريمة، خصوصاً تقارير خبراء التفجير الفرنسيين الذين يعملون مع الأجهزة اللبنانية على رفع الأدلة، بالاستناد إلى خبراتهم بهذا الصدد».
وهل يخضع وزراء حاليون وسابقون ممن لهم سلطة في المرفأ للاستجواب؟ أجاب المصدر القضائي: «التحقيق سيشمل كلّ من تعاقب على المسؤولية، وكان على علم بوجود هذه المواد في المرفأ»، جازماً بأن «لا خيمة فوق رأس أحد، ولا توجد خطوط حمراء تحول دون توقيف المتورطين سواء عن قصد أو بالتقصير والإهمال». واعترف بـ«ضغوط سياسية هائلة تمارس على النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات جراء توقيف مسؤولين وعلى رأسهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر، والحملات التي تستهدفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لن تثني القضاء عن المضي في مهمة كشف حقيقة ما جرى، وهذه المهمة لن تتوقف حتى محاكمة المسؤولين عن النكبة التي حلّت باللبنانيين».
في هذا الوقت، لم تصدر لجنة التحقيق الإدارية والأمنية والعسكرية التي شكّلها مجلس الدفاع الأعلى تقريرها، نتائج تحقيقاتها التي أجرتها، رغم انتهاء مهلة الخمسة أيام التي أعطيت لها من قبل مجلس الدفاع، لكنّ المصادر المواكبة لمسار التحقيق ذكّرت بأن تحقيقات هذه اللجنة منفصلة عن التحقيق القضائي، مشيراً إلى أن «مهمتها ستكون متعثّرة، خصوصاً بعد توقيف أحد أبرز أعضائها وهو مدير عام الجمارك بدري ضاهر بقرار قضائي».
وفي خلاصة التحقيقات التي أجريت على مدى ستة أيام، أصدر القاضي غسان عويدات بياناً أعلن فيه، أن التحقيق الذي أشرف عليه «اعتمد مقاربة ونمطاً علمياً، تمثل بإجراء دراسة ساحة الجريمة وتحليل التربة ومراجعة إشارات المركز الوطني للجيوفيزياء في بحنس الذي حدد قوّة ارتدادات التفجير وتخلله تحليل الاتصالات التي جرت في محيط المرفأ، والتزوّد بصور الأقمار الصناعية المسلطة على المنطقة»، مشيراً إلى أنه «جرى مسح ميداني للمباني المحيطة والاستعانة بفرق غطاسين لبنانيين وأجانب للبحث عن كل ما له صلة بالانفجار».
ولفت النائب العام التمييزي في بيانه إلى أن «القضاء استعان بالخبرات والمختبرات المحلية والدولية وفي العلوم الجنائية، لتحديد هويات الضحايا غير المعروفين عبر فحوص الحمض النووي، (دي إن إيه) وتحديد البواخر التي كانت راسية في المرفأ قبل الانفجار وبعده»، مشدداً على أن التحقيق «أخذ في الاعتبار فرضيات حصول العمل الإرهابي أو استبعاد هذا العمل، عبر اللجوء إلى استجواب أشخاص كانوا في موقع الانفجار أو كان لهم دور في الظروف التي أدت إلى حصول الكارثة، بالإضافة إلى العمال، وتمحورت الاستجوابات عمّا إذا كانت هناك نشاطات بحرية أو جوية أو برية، قد يتأتى منها عمل عسكري بأشكاله المختلفة»، موضحاً أنه «تمت دراسة النظم المعتمدة للسلامة العامة والأمان في عملية التخزين والحراسة والأشغال ومدى حماية المواد الخطرة والالتزام بشروط هذه الحماية».
وخلص القاضي عويدات في بيانه إلى أنه قرر إحالة القضية على القضاء العسكري بحسب الصلاحية، ورفع توصية بإحالتها على المجلس العدلي (اتُّخذ قرارٌ بإحالتها على المجلس العدلي من قبل الحكومة). وأعطى توجيهاته بمتابعة التحقيقات إلى حين تحديد مسؤوليات الإداريين والأمنيين والوزارات المعنية، واتخاذ الإجراءات التي تفرضها مجريات التحقيق والتي ستتكشف نتائجها تباعاً.



مخاوف إسرائيلية متكررة من «تسليح» مصر تعكس ازدياد التوترات

منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
TT

مخاوف إسرائيلية متكررة من «تسليح» مصر تعكس ازدياد التوترات

منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)

شهدت الآونة الأخيرة تصريحات إسرائيلية تضمنت مخاوف بشأن «تسليح» مصر وانتهاكات لمعاهدة السلام، التي أُبرمت بين البلدين في 1979، وسط توتر متصاعد منذ احتلال الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية قبل نحو عام، وإصراره على عدم تنفيذ رغبة القاهرة في الانسحاب من محور «فيلادلفيا» الحدودي مع مصر.

أحدث التصريحات الإسرائيلية ما جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال إن بلاده لن تسمح للقاهرة بـ«انتهاك معاهدة السلام»، وهو ما يرى رئيس مجلس الشؤون الخارجية المصرية وزير الخارجية الأسبق السفير محمد العرابي، ورئيس الشؤون المعنوية الأسبق بالجيش المصري والخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج، لـ«الشرق الأوسط»، أنها «رسائل للخارج لجلب مزيد من الدعم وتزيد التوتر الذي صنعته إسرائيل مع القاهرة»، بخلاف أنها «محاولات لعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا بزعم المخاوف»، متوقعين رفض مصر تلك الضغوط وتمسكها بموقفها دون أن تجر لصدام أو المساس بمعاهدة السلام.

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ومنذ توقيع مصر وإسرائيل معاهدة السلام، لم تشهد علاقات الجانبين توتراً كما هي الحال مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وزادت حدته منذ مايو (أيار) الماضي، مع احتلال إسرائيل محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، وكذلك معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ورفضها الانسحاب كما تطلب القاهرة.

وذكر كاتس، في كلمة خلال ذكرى وفاة رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيغن، الاثنين، أن معاهدة السلام «أخرجت مصر من دائرة الحرب، في قرار قيادي غيّر وجه التاريخ ووضع دولة إسرائيل - ولا تزال كذلك حتى اليوم، لكننا لن نسمح لهم (المصريين) بانتهاك معاهدة السلام، لكن الاتفاق قائم»، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت».

وكشفت الصحيفة الإسرائيلية أن تصريحات كاتس جاءت على خلفية شائعات ترددها عناصر من اليمين المتطرف على شبكة الإنترنت عن استعدادات عسكرية مصرية لمهاجمة إسرائيل بشكل غير متوقع، لافتةً إلى أن هذه الشائعات أثارت القلق بين العديد من الإسرائيليين.

تلك المخاوف ليس الأولى إسرائيلياً، إذ أعرب رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، في 26 فبراير (شباط) الماضي، عن قلقه من «التهديد الأمني من مصر التي لديها جيش كبير مزود بوسائل قتالية متطورة»، معتبراً أنه لا يشكل تهديداً حالياً لتل أبيب لكن الأمر قد يتغير في لحظة، وفق «القناة 14» الإسرائيلية.

جنديان إسرائيليان قرب ممر فيلادلفيا بمحاذاة الحدود المصرية (أرشيفية - أ.ب)

سبق ذلك حديث مندوب تل أبيب الدائم في الأمم المتحدة داني دانون، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي عن مخاوف إسرائيل بشأن تسلح الجيش المصري، مضيفاً: «ليس لديهم أي تهديدات في المنطقة. لماذا يحتاجون (المصريون) إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟».

ورد النائب المصري مصطفى بكري على تلك التصريحات قائلاً عبر منشور بمنصة «إكس»، إن «إسرائيل هي التي تنتهك اتفاقية السلام (..) واحتلت محور صلاح الدين (فيلادلفيا)»، مؤكداً أن «تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي ومن قبله رئيس الأركان ومندوب إسرائيل بالأمم المتحدة نوع من التلكيك وجر شكل (استفزاز) ومصر تتعامل بحكمة ولديها دور هام لصالح السلام لكنها لن تقبل إملاءات أو تهديداً من أحد ولا تفرط في سيادتها وثوابتها وأمنها القومي»، محذراً: «فلتكف إسرائيل عن العبث واللعب بالنار، لأنها أول من سيكتوي بها».

وسبق أن رد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة السفير أسامة عبد الخالق على نظيره الإسرائيلي، في تصريحات فبراير (شباط) الماضي، قائلاً: «الدول القوية والكبرى مثل مصر تلزمها جيوش قوية وقادرة على الدفاع عن الأمن القومي بأبعاده الشاملة عبر تسليح كافٍ ومتنوع».

ويرى العرابي أن تلك التصريحات الإسرائيلية تعكس ازدياد حالة التوتر بين مصر وإسرائيل، التي صنعتها الأخيرة منذ دخول رفح، وهي تحاول أن تنقل انطباعات غير صحيحة للعالم الخارجي بأن لديها قلقاً من جيرانها للبحث عن دعم.

معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أرشيفية - إ.ب.أ)

بينما يرى اللواء فرج أن التصريحات الإسرائيلية محاولة لخلق أزمات مع مصر، مؤكداً أن مصر بالتأكيد حافظت على تنوع تسليحها، لأنها دولة قوية وتحتاج ذلك لكنها لم تنتهك ولم تخترق المعاهدة، بل الجانب الإسرائيلي هو من يفعل ذلك ولا يريد الالتزام بما تم الاتفاق عليه في اتفاق هدنة غزة.

تأتي هذه التصريحات المتصاعدة في إسرائيل، قبل أيام قليلة للغاية من التزام على حكومة نتنياهو بتنفيذ الانسحاب الكامل من محور فيلادلفيا، المقرر أن يتم في اليوم الخمسين من اتفاق الهدنة في غزة، الذي بدأ في 19 يناير الماضي، وسط حديث يسرائيل كاتس، في 27 فبراير (شباط)، عن البقاء في محور فيلادلفيا في المرحلة الحالية، وحديث مماثل متزامن من وزير الطاقة إيلي كوهين.

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، فإن محور فيلادلفيا هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل، قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف بخطة «فك الارتباط»، قبل أن تعيد احتلاله خلال حرب غزة ورفض مطالب مصر بالانسحاب.

ويرجح العرابي أن يكون استمرار التصريحات الإسرائيلية بهدف الضغط لعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا، مستبعداً أن يؤدي التوتر بين البلدين لصدام عسكري أو انهيار معاهدة السلام.

ويرى فرج أن إسرائيل تحاول إثارة تلك المخاوف لتهيئة الرأي العام الداخلي لاستمرار البقاء في محور فيلادلفيا، وعدم الانسحاب كما هو مقرراً، مؤكداً أن التوتر المتصاعد حالياً لن يمس معاهدة السلام ولن يرجع القاهرة عن مواقفها، ولن يقود لصدام خاصة وأن نتنياهو يرى أن العدو الرئيسي إيران وليس مصر.