وزير خارجية ألمانيا قبل زيارته بيروت غداً: لا يمكن استمرار الوضع على ما هو عليه

وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس متحدثاً في مؤتمر دعم لبنان الأحد (إ.ب.أ)
وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس متحدثاً في مؤتمر دعم لبنان الأحد (إ.ب.أ)
TT

وزير خارجية ألمانيا قبل زيارته بيروت غداً: لا يمكن استمرار الوضع على ما هو عليه

وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس متحدثاً في مؤتمر دعم لبنان الأحد (إ.ب.أ)
وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس متحدثاً في مؤتمر دعم لبنان الأحد (إ.ب.أ)

بعد أسبوع على فاجعة بيروت، يتوجه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى العاصمة اللبنانية غداً (الأربعاء) للقاء المسؤولين، ومطالبتهم بـ«تحقيق إصلاحات جادة ومكافحة الفساد»، كشرط أساسي لتحرير مزيد من المساعدات المالية للبنان، أبعد من تلك الطارئة التي أقرت في المؤتمر الدولي الذي استضافته باريس الأحد.
وفي مقابلة مع إذاعة «دوتيشلاندفونك»، قال ماس: «يبدو أن كارثة (انفجار) بيروت نتيجة سوء الإدارة والإهمال». وأضاف: «هناك فساد تجب مكافحته، وثم يجب أن تكون هناك إصلاحات اقتصادية تتم مناقشتها منذ فترة طويلة». وتابع بأن هناك «أمراً وحيداً واضحاً تماماً للجميع في لبنان، هو أن الوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه. هناك سوء إدارة وفساد كبيران يتسببان في معاناة اللبنانيين، والرجال والنساء في الشوارع لن يقبلوا بذلك بعد الآن».
وأشار ماس إلى أن المساعدات المالية الطارئة التي أُقرت للبنان في مؤتمر باريس الأحد: «لن تكون مرتبطة بشروط؛ لأنها مساعدات إغاثية، وأصلاً لن تقدم للحكومة؛ بل إلى المتضررين بشكل مباشر عبر منظمات الأمم المتحدة». ولكنه أشار إلى أن هناك «كثيراً من المساعدات الاقتصادية الأوروبية الإضافية التي يمكن تحريرها، في حال طبق لبنان الإصلاحات المطلوبة». وأضاف أن «الإصلاحات ضرورية لكي تعاد الثقة بين الشعب والحكام، وإلا فإن الأزمات ستتكرر» في لبنان. ورفض وزير الخارجية الألماني الحديث من الآن عن عقوبات محتملة ضد المسؤولين اللبنانيين، وقال: «يجب منحهم الوقت لصياغة مقاربة سياسية جديدة، قبل اتخاذ خطوات تصعيدية».
وعبَّر ماس بعيد تفجير بيروت عن قلقه من أن يؤدي ذلك إلى «عدم استقرار سياسي في لبنان»، مشدداً على «ضرورة عدم السماح لذلك بالحصول». وربط البعض مخاوف ألمانيا من تدهور الوضع في لبنان بمخاوفها من أزمة لجوء جديدة إلى أوروبا؛ خصوصاً أن لبنان يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري.
وأوضحت مصادر في الخارجية الألمانية لـ{الشرق الأوسط» أن ماس لن يلتقي ممثلين عن «حزب الله» أثناء زيارته بيروت؛ خصوصاً بعد أن صنَّفت ألمانيا الحزب تنظيماً إرهابياً في أبريل (نيسان) الماضي، ومنعت نشاطاته على أراضيها؛ إلا أن مسؤولاً في الخارجية كان قد أكد سابقاً أن حظر «حزب الله» في ألمانيا لن يؤثر على علاقة برلين ببيروت، ولن ينعكس مقاطعةً للحزب هناك؛ خصوصاً أن برلين تعتبره مكوناً رئيسياً في السلطة ممثلاً في البرلمان والحكومة.
ويوم الجمعة الماضي، أكدت المخابرات الألمانية الداخلية أن «حزب الله» كان بالفعل يخزن مادة نيترات الأمونيوم المسؤولة عن تفجير بيروت، في أحد المستودعات في ألمانيا. ونقلت صحيفة «دي فيلت» عن هيئة حماية الدستور (المخابرات الألمانية الفدرالية)، تأكيدها العثور على مستودع يضم نيترات الأمونيوم في مخزن بجنوب البلاد، يعتقد أنه تم تخزينه لصالح «حزب الله».
وكانت صحف ألمانية تحدثت بعيد حظر «حزب الله»، عن العثور على مخازن تضم نيترات الأمونيوم في ألمانيا، وهو ما أدى بشكل رئيس إلى حظر التنظيم. وكانت المخابرات الإسرائيلية هي من أوصلت معلومات للمخابرات الألمانية حول تخزين «حزب الله» لمئات الكيلوغرامات من نيترات الأمونيوم في جنوب ألمانيا. ونقلت صحيفة «دي فيلت» عن مصادر أمنية في ولاية بادن فورتمبيرغ، قولها إن المخابرات المحلية حصلت قبل سنوات على معلومات شبيهة من المخابرات الإسرائيلية، ولكنها فشلت في العثور على المادة، مرجحاً أن يكون «حزب الله» قد نقلها قبل العثور عليها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.