التسابق على كسب الدعم التركي يفتت جبهة السراج

يستغرب كثير من الليبيين تصاعد الخلافات بين حلفاء جبهة غرب البلاد، لا سيما بعد تمكنها من منع قوات «الجيش الوطني» من دخول العاصمة طرابلس، لكن هناك من يرجع أسباب تصدّع هذه الجبهة إلى رغبة «جبهات أخرى»، كانت محسوبة على فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، في إثبات نفسها أمام تركيا، بصفتها المتحكمة في مقاليد الأمور بالعاصمة في الوقت الراهن.
من هذه النقطة ينطلق رئيس «مجموعة العمل الوطني الليبي»، المحلل السياسي خالد الترجمان، ليصف الخلافات التي ضربت صفوف جبهة السراج بأنها «صراع سلطوي محض بين قيادات مصراتة، وفي مقدمتهم أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي، ووزير الداخلية فتحي باشاغا، وبين السراج سعياً للحصول على رضا ودعم تركيا في المرحلة المقبلة».
ورأى الترجمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المجموعة التي تنتمي لمصراتة «كانت تمني نفسها بالحصول على دعم أنقرة لتتحكم في المشهد الليبي بشكل كامل، إلاّ أنها فوجئت بثقل نفوذ السراج لدى تركيا، ومن هنا بدأ التنازع على الصلاحيات يشق طريقه تدريجياً داخل المجلس الرئاسي، بل وخرج للعلن، فانهالت الاتهامات على السراج بأنه ينفرد بالسلطة والقرارات، التي يتخذها في الشؤون السياسية والاقتصادية»، وقال: «الحقيقة هذا النهج الفردي ليس جديداً على السراج».
وأضاف الترجمان موضحا أن «التدخل العسكري التركي لصالح قوات (الوفاق)، وما حققه من نتائج على الأرض في الفترة الأخيرة، جعل المتنافسين بالغرب الليبي يسعون للإطاحة ببعضهم البعض، ليستفيد فريق منهم فقط بهذا الدعم التركي ويستمر في الحكم»، مشيراً أيضا إلى أن «الجيش الوطني، الذي كان يعد مصدر تهديد وقلق لتلك المجموعات ابتعد عن طرابلس لأكثر من 500 كيلومتر، وبالتالي شعروا بالراحة، وبدأوا في إحصاء الغنائم والمكاسب، والتطلع لحصد المزيد منها، اعتمادا على هذا الدعم الذي تقدمه أنقرة».
ولاحت هذه الخلافات بشكل بارز مع إرسال معيتيق رسالة إلى الوزير باشاغا، يطالبه فيها بحماية المتظاهرين المنددين بتردي الأوضاع الاقتصادية بالعاصمة، منتقداً «سلطة الفرد المطلق التي تسببت في الفساد، ونتج عنها اتخاذ قرارات أدت إلى تراجع مستوى الخدمات».
ورفض الترجمان اتهام الشرق الليبي بالتعويل «على خلافات فريق السراج، أو محاولة استثمارها وتضخيمها إعلامياً باعتبارها قد تكون مسماراً في نعش الخصوم»، وقال بهذا الخصوص: «نحن لسنا مهتمين بتلك الخلافات، وقد تنتهي بالاتفاق بين هؤلاء المتنافسين، ولن يتم إقصاء أو الإطاحة بأحد كما يغالي البعض في توقعاته، خاصة السراج، فهذا مستبعد».
غير أن عادل كرموس، عضو المجلس الأعلى للدولة (مقره طرابلس)، رأى أن الخلاف في حكومة (الوفاق) «بدأ منذ بداية تأسيسها بنظام المحاصصة»، الذي وصفه بـ«المقيت»، وقال إنه «لا يمكن أن تبنى عليه الدول في الوقت الراهن».
وأضاف كرموس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «السبب في عرقلة قيام المجلس الرئاسي، ومنعه من ممارسة مهام تكوينه منذ البداية، وفقاً لاتفاق (الصخيرات) من رئيس وثمانية أعضاء، «بدلاً من رئيس ونائبين، ولدّ صراعات بين أعضائه، وهو ما أدى إلى تفريغه». لافتا إلى أن «عدم اعتراف مجلس النواب بالحكومة المقدمة من المجلس الرئاسي حينها، عقب اتفاق (الصخيرات)، أحدث أزمة أخرى تمثلت في تعيين المجلس الرئاسي وزراء مفوضين كي يتمكن من تسيير أعماله»، مستدركاً أن هذا الوضع «غير الطبيعي أوجد العديد من الصراعات، فضلاً عن تدخل النفوذ القبلي في عمل الحكومة بالكامل، لذا لم يكن مستغرباً من حكومة تمارس عملها دون رقابة السلطة التشريعية أن تكون بهذا الشكل المشوه واللامسؤول»!.
من جهته، رأى عضو «المؤتمر الوطني العام» السابق، الدكتور عبد المنعم حسين اليسير، أن «تركيبة الحكم القائم في الغرب الليبي هي ميليشياوية بطبيعتها، تتنازع وتتصارع من البداية على حصص السلطة والمال»، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تناغموا فقط بشكل مؤقت خلال فترة المواجهة مع (الجيش الوطني)، وتحديداً مع اقتراب الأخير من العاصمة، لكن فور تغير الأوضاع العسكرية عادوا مجددا لصراعاتهم».
ورغم تحدث اليسير عن رغبة قيادات مصراتة بالتفرد بالسلطة، فإنه يرى أن السراج «لن يستطيع الصمود طويلاً في مواجهتهم، خاصة أنه غير مدعوم من قوى وميليشيات كبرى تضاهي ميليشيات مصراتة، المعروفة بقوتها وكثرتها العددية»، متوقعاً أن «تتصارع قيادات مصراتة بعد التخلص من السراج، الذي استعمل كواجهة للحكم من طرفهم لفترة محددة، طالت ربما بسبب الحرب لا أكثر».
وتابع اليسير موضحا: «معيتيق طامع في الحكم، ومن يخلف السراج قد يحدده تنظيم (الإخوان)، وغيره من جماعات الإسلام السياسي في البلاد، فهؤلاء هم الورقة الأقوى في حسم الصراع على السلطة في ليبيا منذ سنوات، وهم السبب الرئيسي في تفجر الصراع الراهن بالمجلس الرئاسي... الإخوان إلى الآن لم يحسموا كعادتهم موقفهم، وهم مستمرون بالمراهنة على أكثر من جواد، أي معيتيق وباشاغا، ليروا بالنهاية من سيخدم مصالحهم أكثر ويدعمونه، وعلى الأرجح قد يكون هذا الأخير هو المرشح بالدعم».