الأوبئة والحروب والاحتجاجات تفرض نفسها في اختيار «شخصية العام»

تباين في معايير الاختيار بالمؤسسات الإعلامية في الشرق والغرب

الأوبئة والحروب والاحتجاجات تفرض نفسها في اختيار «شخصية العام»
TT

الأوبئة والحروب والاحتجاجات تفرض نفسها في اختيار «شخصية العام»

الأوبئة والحروب والاحتجاجات تفرض نفسها في اختيار «شخصية العام»

لم يعد اختيار «شخصية العام»، الذي درجت عليه بعض كبريات الصحف، ينحصر في شخص واحد تسلط عليه الأضواء، ويحوز على أكبر قدر من «النقاط»، بل إن متغيرا قد حدث هذا العام، على الاختيارات، وعلى تصويت المشاركين.
مع اقتراب نهاية العام، تبدأ الاستطلاعات «التقليدية» تظهر في بعض الصحف، إضافة إلى أخرى بالمواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي لاختيار «شخصية العام» وفق آراء القراء والمتصفحين.
ورغم أن الفكرة لا يمكن أن تعطي نتائج دقيقة نظرا لأنها لا تخضع لمعايير استطلاعات الرأي المعروفة، فإن نتائج لنماذج من استطلاعات هذا العام، توحي حتى الآن بوجود تناقضات كبيرة، واتفاق أحيانا. الجديد هذا العام، هو بروز فكرة منح اللقب لمجموعات بدل شخص واحد، وذلك على ضوء جملة من الأحداث حول العالم كان أبرزها:
* وباء إيبولا: انتشر في غرب أفريقيا وانتقلت حالات منه إلى بلدان غربية، وتشير آخر أرقام منظمة الصحة العالمية إلى أنه قتل 6580 شخصا، من إجمالي أكثر من 18 ألف مصاب.
* تدفق اللاجئين: مئات الآلاف هربوا من بلدانهم التي تكتوي بنار الحرب أو الاستبداد، فآخر الأرقام تشير إلى أن عدد اللاجئين والمشردين السوريين مثلا بلغ 12 مليونا، وهو ما يمثل نحو نصف السكان.
* مظاهرات فيرغسون بولاية ميزوري الأميركية: احتجاجات على مقتل شاب أسود على يد شرطي أبيض في أغسطس (آب) الماضي، تفاقمت جراء تبرئة المحكمة للشرطي، ولم تهدئها استقالته من العمل.
* ضحايا الإرهاب في مختلف أنحاء العالم: وتشير آخر الأرقام التي نشرتها «الشرق الأوسط» إلى أنهم بلغوا 5042 في العالم، خلال الشهر الماضي وحده.
مجلة «تايم» الأميركية صاحبة التصنيف الأشهر الذي بدأته منذ عام 1927، أقصت 5 شخصيات عالمية من قائمتها القصيرة التي رشحتها للقلب، واختارت بدلا عنها 5 آخرين من العاملين الصحيين في مكافحة فيروس إيبولا، لأنهم «قاموا بلا كلل بأعمال شجاعة ورؤوف، ومنحوا العالم الوقت لتعزيز دفاعاته، وواجهوا المخاطر، وثابروا وضحوا وأنقذوا أرواحا»، بينما ذهبت المرتبة الثانية إلى متظاهري فيرغسون، وحل الرئيس الروسي في ذيل القائمة محتلا المرتبة الثالثة.
بينما أقصت هيئة تحرير المجلة رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، ومدير شركة «أبل» تيم كوك، ولاعب المنتخب الأميركي لكرة القدم روجر غودويل، ومغنية البوب تايلور سويفت، ومؤسس موقع «علي بابا» الصيني جاك ما.
في حين حظي رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بأكبر عدد من أصوات القراء على الإنترنت، بلغ أكثر من 5 ملايين، متبوعا بزعيم الاحتجاجات الشبابية في هونغ كونغ بجوشوا وونغ، والباكستانية ملالا يوسف الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ومكافحي إيبولا.
المدير التنفيذي لشركة «أبل»، تيم كوك، الذي أقصته «تايم»، ابتسم له الحظ مع «فاينانشل تايمز» البريطانية؛ حيث اختارته «شخصية العام» رغم ما لاقاه من انتقادات، حسب الصحيفة.
فقد واجه كوك تحديات على المستوى المهني منذ خلافته ستيف جوبز 2011، على المستوى المهني؛ حيث كان أمامه تحدي الحفاظ على مكانة الشركة بالسوق، وعلى المستوى الشخصي، منذ أعلن أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كونه مثليا جنسيا وفخورا بذلك.
أما فلاديمير بوتين، فقد كان نجم استطلاع تجريه قناة «روسيا اليوم» على موقعها الإلكتروني، وأشارت نتائجه المؤقتة إلى أن بوتين يحتل المرتبة الأولى في تصويت «الشخصية العالمية الأجدر بلقب شخصية 2014» بأكثر من 80 في المائة من أصوات المشاركين، متبوعا بالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بنحو 12 في المائة.
وفي استطلاع «روسيا اليوم» حول «الشخصية العربية الأجدر بلقب شخصية العام» تصدّر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، قائمة الشخصيات بحصوله على أكثر من 46 في المائة من أصوات المشاركين.
بينما حل الرئيس السوري، بشار الأسد، ثانيا بحصوله على 33 في المائة، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ثالثا بنسبة 9 في المائة.
وفي مصر تشير نتائج استطلاع تجريه صحيفة «المصري اليوم» إلى تصدر اللاجئين للقب «شخصية العام» على المستوى العالمي متقدمين بنحو ألف صوت على الرئيس السيسي الذي حل ثانيا، متبوعا برجب طيب إردوغان، وأنجلينا جولي، وملالا يوسف زاي، وكريستيانو رونالدو، وأبو بكر البغدادي، وليونيل ميسي. ثم «ضحايا الإرهاب»، ففلاديمير بوتين، وآخرين.
بينما تصدر الناشط علاء عبد الفتاح التصويت على الشخصيات المحلية في مصر، متبوعا بـ«الجندي المصري»، ثم محمد أبو تريكة وباسم يوسف وعدلي منصور.
ودخلت شخصيات عربية «جديدة» أغلب الاستطلاعات بالصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بالمنطقة العربية، ومنها اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس وزراء تونس، مهدي جمعة، ونظيره العراقي، حيدر العبادي. أما على المستوى العالمي فكانت أدنى النتائج من نصيب قادة مثل باراك أوباما، وحسن روحاني، وبنيامين نتنياهو.
وتعكس هذه النتائج «الأولية» تباينا بين خلفيات المصوتين، لكنها في النهاية تمثل عينة محدودة لا تخضع لشروط وضوابط استطلاعات الرأي العام، وهي مؤشر إلى التوجهات العامة، التي تتأثر غالبا بتناول الإعلام لمجمل الأحداث.



تفاقم «المعلومات المضلّلة» إبّان الحروب والكوارث يجدّد الحديث عن آليات مواجهتها

Disinformation media and abstract screen.  gettyimages
Disinformation media and abstract screen. gettyimages
TT

تفاقم «المعلومات المضلّلة» إبّان الحروب والكوارث يجدّد الحديث عن آليات مواجهتها

Disinformation media and abstract screen.  gettyimages
Disinformation media and abstract screen. gettyimages

مرة أخرى تجدّدت التحذيرات بشأن تفاقم انتشار «المعلومات المضلّلة» في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما مع استمرار النزاعات في مناطق عدة من العالم؛ مما أثار تساؤلات بشأن آليات مواجهة «التضليل المعلوماتي».

وبينما أكد بعض الخبراء أن فترات الحروب والكوارث الطبيعية تُعدّ «بيئة خصبة» لانتشار «المعلومات المضللة»، أشار آخرون إلى أن الجهود التي بُذلت حتى الآن لمواجهة التزييف «لم تؤتِ ثمارها».

تقرير كان قد نشره معهد «بوينتر» الأميركي، المتخصص في الدراسات الإعلامية، خلال الأسبوع الماضي، حول كيفية انتشار «المعلومات المضلّلة» في «حرب غزة»، أورد أن «الصور ومقاطع الفيديو التي جرى تغييرها أو إخراجها من سياقها غمرت منصات التواصل الاجتماعي؛ مما أدى إلى تشويه الواقع». وتابع التقرير أنه «في أوقات الأزمات، لا سيما في بدايتها، غالباً ما يكون هناك فراغ معلوماتي؛ ما يتيح المجال لانتشار التضليل». ونقل عن عالم السلوك المتخصص في التضليل والتطرف العنيف بمؤسسة «راند»، تود هيلموس، قوله: «الجميع يريد معرفة الحقيقة، ومع محدودية المعلومات المتاحة، تكون هناك فرصة أمام البعض لاستغلال الفراغ المعلوماتي». وأضاف هيلموس أن «الطبيعة شديدة الاستقطاب لحرب غزة أجّجت نيران المعلومات المضلّلة».

ولكن، لم يقتصر الأمر على «حرب غزة»، وإنما امتد إلى إعصار «ميلتون» الذي ضرب أخيراً ولاية فلوريدا الأميركية، لا سيما مع انتشار «مزاعم» على منصات التواصل أن الإعصار كان «مُدبّراً»، و«حصل تلاعب في الطقس». إذ لمّحت النائبة الجمهورية اليمينية المتطرفة، مارجوري تايلور غرين، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن حكومة بلادها «تستطيع التحكم في الطقس»، وهي المزاعم التي عدّها الرئيس الأميركي جو بايدن «أكثر من سخيفة»، معلقاً «هذا غباء شديد، ويجب أن يتوقف»، وفق تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام الأميركية.

الكاتب الصحافي الأردني، الخبير القانوني المختص في الجرائم الإلكترونية وتشريعات الإعلام، الدكتور أشرف الراعي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «تزايد انتشار المعلومات المضلّلة على مواقع التواصل الاجتماعي إبّان الكوارث والحروب صار يمثّل تهديداً خطيراً للأمن الاجتماعي والسياسي، فضلاً عن الأمن والسلم الدوليين»، مشيراً إلى أنه «جارٍ استغلال حالة الخوف والاضطراب لتحقيق أهداف متنوعة، سواءً كانت سياسية أو اقتصادية، أو حتى لزعزعة الاستقرار».

وبناءً عليه، طالب الراعي بـ«اتباع نهج شامل ومتكامل لمواجهة المعلومات المضلّلة... مع ضرورة وجود تشريعات صارمة وواضحة تجرّم نشر المعلومات الزائفة، وتطبيق الاتفاقيات الدولية، مثل: اتفاقية بودابست لمكافحة الجرائم الإلكترونية، والاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات». ولفت إلى «دور وسائل الإعلام في التصدي لانتشار المعلومات المضلّلة، من خلال نشر أخبار موثوقة، والتزام معايير مهنية صارمة للتحقّق من صحة المعلومات، بالإضافة إلى تطوير مهارات الصحافيين بشأن المعلومات الرقمية وآليات رصد ومكافحة الأخبار المضلّلة».

ودعى الراعي إلى «تطوير تقنيات أكثر فاعلية لمراقبة المحتوى الذي يتم تداوله على نطاق واسع»، مطالباً بـ«رفع مستوى الوعي لدى مستخدمي منصات التواصل لكي يتمكنوا من التمييز بين الأخبار الصحيحة والمغلوطة، ما يحدّ من انتشار المعلومات المضللة». ويُذكر، في هذا الإطار، أن دراسة لموقع معهد «نيمان لاب» الأميركي، المتخصص في الدراسات الإعلامية، أشارت في أبريل (نيسان) الماضي إلى أن «التشريعات التي صاغتها الحكومات في دول عدة حول العالم لمكافحة (الأخبار الزائفة) لا تفعل الكثير لحماية حرية الصحافة».

من جانبه، قال الأستاذ المساعد بقسم الصحافة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، خالد عز العرب، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في أوقات الحروب غالباً ما يكون هناك تعمّد لنشر المعلومات المضلّلة، بوصفها جزءاً من الدعاية والحرب النفسية، وبهدف فرض سردية معينة خلال النزاع». وأضاف: «شهدت حرب غزة انتشاراً كبيراً للمعلومات المضلّلة، معظمه كان من الجانب الإسرائيلي في بداية الحرب، بهدف فرض الرواية الإسرائيلية على سير الأحداث... ثم إن التضليل المعلوماتي ينتشر أيضاً في فترات الكوارث الطبيعية، وقد يكون ذلك مصحوباً بأهداف سياسية أو اقتصادية أحياناً، أو نتيجة لنقص المعلومات في ظل حاجة ملحة لدى الناس إلى معرفة التفاصيل، ولا شك في أن الكوارث والحروب تُعدّ بيئة خصبة لانتشار التضليل المعلوماتي».

عز العرب عدّ، من ناحية أخرى، أن مواجهة التضليل المعلوماتي «معضلة كبيرة... وهناك استراتيجيتان في هذا الموضوع: الأولى تتعلّق بمحاولات منصات التواصل ضبط المحتوى، وحذف الحسابات والمعلومات (الزائفة)، وهو سلاح ذو حدين يُواجه بانتقادات تتعلّق بالحد من حرية التعبير. أما الاستراتيجية الأخرى فتتعلق بسنّ تشريعات، سواء على مستوى الأفراد أو المنصّات، لمعاقبة من ينشر معلومات مضلّلة».