ثلاث صور في مرآة الشعر

نزار قباني
نزار قباني
TT

ثلاث صور في مرآة الشعر

نزار قباني
نزار قباني

من أحمد شوقي إلى نزار قباني ومحمود درويش، وغيرهم من الشعراء، تنوعت صورة بيروت واتسعت ظلالها في سقف الذاكرة والحلم والزمن. مدينة تملك الكثير من الخصائص الجمالية والبصرية، وتتمتع بإطلالة ساحرة على شاطئ المتوسط، قادرة على خلق إحساس متجدد بالحياة والمكان.
ففي سقف الذاكرة ستبقى بيروت المدينة التي احتضنت ثورة الشعر العربي الحديث، منذ تفجرها في العراق على يد الشاعرين العراقيين الرائدين نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، في أربعينيات القرن الماضي، وضخت في شرايين تلك الثورة دماء جديدة لمغامرة الحداثة والتجريب والبحث عن شكل فني مغاير للقصيدة، كما احتضنت بواكيرها الشعرية الأولى، طباعةً ونشراً، وشكلت بمجلاتها ومنابرها الثقافية، جسراً خصباً للحوار حول الشعر في طوره الجديد، واستجلاء قضاياه وخصائصه الفنية والجمالية، خصوصاً مجلة «الآداب» و«دار العودة» للنشر.
ومن سقف الحلم التقط أمير الشعراء أحمد شوقي صورة بيروت كأنثى فاتنة، ترفل في سحر الطبيعة، فكتب في أثناء رحلة له عام 1928 لمدينة زحلة قصيدته الشهيرة «جارة الوادي» قائلاً فيها:
«يا جارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراكِ
مثلتُ في الذكرى هواك وفي الكرى والذكريات صدى السنين الحاكي
ولقد مررت على الرياض بربوة غناء كنت حيالها ألقاكِ
ضحكتْ إليّ وجوهها وعيونها ووجدت في أنفاسها رياك
لم أدرِ ما طيب العناق على الهوى حتى ترفق ساعدي فطواكِ
وتأودتْ أعطافٌ بانك في يدي واحمر من خفريهما خداكِ
ودخلتُ في ليلين فرعك والدجى ولثمت كالصبح المنور فاكِ
وتعطلت لغة الكلام وخاطبتْ عيني في لغة الهوى عيناكِ»
حسية شوقي في تجسيد ملامح بيروت شعرياً كأنثى قادرة على أن تجدد الحياة وتمنحها المزيد من النور والجمال، لم تتوقف عند حدود المجاز والخيال، بل أزاحتهما في لحظة فارقة لصالح لغة أخرى غير مرئية تنبض في طوايا الروح، لغة تشبه السر، تعلو على لغة الكلام الأرضي، وكأن تلك اللحظة بمثابة تقطير للزمن والعطش والفتنة في بوتقة واحدة.
لم تغب هذه الحسية الطافرة عن نزار قباني، وهو يرسم صورة بيروت شعرياً، ويخاطبها بأسى ولهفة كأنها أيقونة كونية، امتزج فيها السؤال بالدهشة والخوف والحيرة، خصوصاً في خضم حرب أهلية طائفية، ضربت قلبها، وامتدت شظاياها لسنوات في السبعينيات، وحولتها إلى ساحة بغيضة للتواطؤ وتصفية الحسابات والمصالح المقيتة.
كان سؤال قباني الشائك الحائر مشروعاً وضرورياً، وابن لحظة مظلمة، كاد يتساوى فيها الوجود والعدم، فلا بأس أن يصرخ قائلاً:
«يا ست الدنيا يا بيروت…
من باعَ أساوركِ المشغولة بالياقوتْ؟
من صادر خاتمكِ السحريَّ
وقصَّ ضفائرك الذهبيّةْ؟
من ذبح الفرح النائم في عينيك الخضراوين؟
من شطّب وجهكِ بالسكّين،
وألقى ماء النار على شفتيك الرائعتين
من سمَّم ماء النار على شفتيكِ الرائعتين
من سمم ماء البحر، ورشَّ الحقد على الشطآن
الوردية»
صرخة نزار قباني الموجعة، لم تغب عن صرخة محمود درويش في قصيدته الشهيرة «بيروت»، المدينة التي عاش فيها فترة طويلة وقاسية من حياته، وطالته شظايا حروبها الأهلية والطائفية، وخرج منها بعد أن شهد غارات إسرائيل عليها، وحصارها عام 1982، وارتكابها مجازر صبرا وشاتيلا.
جاءت صرخة درويش من عمق الشتات الفلسطيني، لا مسافة في أفقها ولا فواصل بين الصدى والصوت، بين الصورة والظل، بل بين الرصاصة والبندقية، فالحلم ببيروت ليس حزمة أنفاس طائشة في غبار النوم، إنما هي الملاذ والحصن، ونقطة التوازن في عالم اختلت فيه المعايير وفسدت النفوس والرؤى... وهو ما أصبح حقيقة موجعة تكشف عنها القصيدة فوق مسرح واقع وحياة، أصبحا ظلاً مرتعشاً لوجود كان هنا، ولا يعرف كيف يكون هناك في قبضة مجهول اختلط فيها البياض بالعتمة أيضاً:
«بيروتُ خيمتُنا
بيروتُ نَجْمتُنا
سبايا نحن في هذا الزمان الرخو
أَسْلَمَنا الغزاة إلى أهالينا
فما كدنا نعضُّ الأرضَ حتى انقضَّ حامينا
على الأعراس والذكرى فوزَّعنا أغانينا على الحُرّاس...»
ثلاث صور لبيروت في مرايا ثلاثة شعراء كبار، وفي لحظات تاريخية فارقة، وجغرافياً ستظل وارفة، تحمل رائحة مدينة لا تشيخ، لا بديل لها، مهما تنوعت صور الخراب، ستبقى شاهداً حياً على عناق الجمال والحرية.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.