{الشرق الأوسط} في مهرجان دبي السينمائي الدولي 4: الأفلام القصيرة تتألق والفائز منها سيشق طريقه نحو ترشيحات الأوسكار

‫الفيلم الذي سيفوز في مسابقة الأفلام القصيرة هو ذاته الذي سيتوجّـه مباشرة إلى ترشيحات الأوسكار للأفلام القصيرة المقبلة.. أيا كان هذا الفيلم فإنه سينطلق من جائزة ليصب في خانة الجوائز من جديد، ومن أشهر موقع‬ في العالم السينمائي.
هذا الاتفاق بين دبي وأكاديمية العلوم والفنون السينمائية متعدد الفوائد وعلى نحو لا يكاد يُصدّق. أولا هي نقلة رائعة لأي مخرج حقق فيلمه الفائز، وثانيا هي سند مهم للفيلم العربي القصير من حيث كونه حافزا لا يمكن الاستهانة به. ثالثا يدعم مهرجان دبي في منافسة البحث عن الأفلام القصيرة الأفضل. من ناحية أخيرة، فإن أكاديمية العلوم والفنون السينمائية تستفيد من توسيع رقعتها نظرا لأنها لا تستقبل سوى القليل من الأفلام القصيرة الجيّـدة من المنطقة العربية.
هذا العام قام بالاختيارات كل من مسعود أمر الله المدير الفني للمهرجان، وإيلي خليفة الرئيس الجديد لأفلام المسابقة، وصلاح سرميني أحد مبرمجيه، وحسب مصدر فإن الأخير هو الذي اختار غالبية ما نشاهده من هذه الأفلام.
ولدينا في هذا القسم مساحة كبيرة من المواضيع.
أفلام ذات سمات دينية، مثل «أمنا الأرض» لعليو سو (السنغال، فرنسا) و«مع روحك» لكريم الرحباني (لبنان).
أفلام عن حياة في داخل البيوت المغلقة إلا عن أعين المشاهدين. أحداثها مخبّـأة تحت السقف وخلف الشبابيك، مثل «فتزوج روميو جولييت» لهند بوجمعة (تونس)، وأخرى عن تلك المفتوحة على البراري والبيئات الاجتماعية مثل «الصياد السيئ» لسهيم عمر خليفة (بلجيكا والإمارات العربية المتحدة)، و«سايبة» لباسم بريش (لبنان، ألمانيا). ومشاكل نسوية في «ليلة القمرة العمية» لخديجة فاطمة لمكشّـر، وأخرى عن أحلام مصوّرة من زاوية النائم، كما الحال في «سكر أبيض» لأحمد خالد.
باختصار، هذه - على الأرجح - واحدة من أفضل سنوات دبي في تجربة الأفلام القصيرة منذ إنشائه. المواضيع مختلفة والكثير من المعالجات ناضجة وواعدة.
فيلمان جزائري ومغربي
في نطاق الفيلم الروائي هناك أيضا الكثير اللافت والمثير. كنت تحدثت عن «دلافين» لوليد الشحّـي (الإمارات العربية المتحدة) لكن هناك أخرى ستنافسه بعناد على جائزة المهر العربي، ومنها «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلّـقة» لليمنية خديجة السلامي، و«قدرات غير عادية» للمصري داود عبد السيد، و«إطار الليل» للمغربية تاليا حديد، و«البحر من ورائكم» للمغربي هشام لعسري، و«روشيما» للفلسطيني سليم أبو جبل (فلسطين)، و«سماء قريبة» للإماراتية نجوم الغانم.
16 فيلما عربيا في هذه المسابقة المهمّـة التي يرأس لجنة تحكيمها المخرج الأميركي لي دانيالز تجمع ما بين التسجيلي والروائي. يبدو الجمع صعبا لكنه يبدو ضروريا أيضا وإلا كان على المهرجان تأسيس مهرجانه الخاص للسينما التسجيلية الطويلة (فكرة جيدة على أي حال).
هناك فيلمان من أفلام المسابقة من المغرب العربي، هما الفيلم المغربي «إطار الليل»، والفيلم الجزائري «راني ميت» (أو «أنا ميّـت» بالفصحى).
«راني ميّـت» مبهم في دقائقه الأولى. فتى نائم ليلا يستيقظ على رجل يكمم فاه ويأمره بأن يسمع: «هذا الذي تعتقده أباك ليس أباك. هو أخوه. قتل والدك قبل 6 أشهر وينام الآن مع والدتك». ويضيف: «أغمض عينيك وفكّـر: أي طعام كان يكرهه والآن بدأ يحبّـه؟ أي عادة كان يقوم بها وتوقّـف عنها؟».
المشهد يمضي لنحو ربع ساعة لا تتغيّـر فيها الكاميرا ولا تتراجع فيها قبضة الرجل المجهول، إلى ذلك الحين، الذي يطلب من الشاب أن يقتل عمّـه قبل أن يقوم ذاك بقتله ووالدته.
حين ينتهي المشهد تنتهي أيضا علاقته المفهومة بما سيلي ذلك. هذا الناقد لم يستطيع فك طلاسم هذا الفيلم باحثا عن العلاقة بين تلك المقدّمة وباقي الأحداث. هناك جزءان متراصّـان. الأول عن القاتل المنطلق على الطريق الريفية الذي يخفي في صندوق سيارته، على ما يبدو، ذلك الفتى المذعور، ويضع لجانبه جثّـة رجل آخر كان أحد معارفه وسحب عليه مسدّسه وقتله. في اللحظة ذاتها يسرق رجل يبرز من اللامكان سيارة القتيل ويهرب بها. يطارده القاتل. بعد أن يتبعه إلى مطعم، يختفي القاتل ويبقى اللص الذي سنعرف أنه رب أسرة وأنه سادي يعامل ولده بقسوة بالغة.
أسلوبيا، هناك شغل لافت من المخرج ياسين محمد بن الحاج لا يشبهه أي أسلوب حاضر في السينما الجزائرية. كسرد للدراما يعاني الفيلم من مسافات يضعها بين مشاهده المتوالية ثم بين كل فصل من فصوله. كما أن البداية تبقى قائمة بذاتها (والغالب لذاتها) كذلك الحال بين فصلي العمل باستثناء أنك الآن بت تستطيع متابعة الحدث ومعرفة ما يحويه، ولو أن الإعجاب به والتجاوب إيجابيا معه هو مسألة أخرى.
دراما متوترة
«إطار الليل» لتالا حديد مختلف.. هي نصف عراقية ونصف مغربية وُلدت في بريطانيا وتعيش الآن في المغرب. وهي جعلت بطل الفيلم (المصري الجيّـد خالد عبد الله) نسخة محدودة عنها، إذ تقدّمه في هذا الفيلم الروائي الطويل الأول لها، كنصف عراقي ونصف مغربي وتبني عليه حكاية مثيرة في وجدانيّـاتها لا تعاني سوى من سيناريو يركض في أكثر من اتجاه، وبالكاد يصل إلى نهاية واحد منها.
بطل الفيلم يبحث عن أخيه المختفي. على الطريق يوقفه رجل ومعه امرأة وطفلة أصغر من سن العاشرة. هذا الرجل كان خطفها ليبيعها بمبلغ 100 ألف يورو. يدّعي الخاطف أن المرأة والطفلة هما عائلته، ويسأل بطلنا إذا ما كان يستطيع أخذهم معه إلى مراكش. بعد الوصول، وكرد جميل، يستضيفه في منزل صديق له. تتسلل الطفلة وتخبره بأن ذلك الرجل ليس والدها. في صبيحة اليوم التالي ينطلق البطل والفتاة الصغيرة إلى خارج المدينة، حيث يكمن بيت صديقة فرنسية له. لا يجدها لكنه يترك الفتاة تنتظر وينطلق مسافرا إلى العراق، حيث يعتقد أن أخاه هناك.
من هنا يقدم الفيلم 3 حكايات متوازية: الخاطف الذي يبحث عن الطفلة ليستردها (وهو يصل إليها لكن كيفية هذا الوصول غير مبررة مطلقا)، والعلاقة التي نمت بين تلك الفتاة اليتيمة والمرأة الفرنسية، ثم ذاك الباحث عن أخيه. كلما انتقل الفيلم من حكاية لأخرى بدا انتقاله متسارعا وغير مدروس، حتى يرتفع إدراك المشاهد أن كل ما كانت المخرجة بحاجة إليه هو التمسّـك بحكاية الرجل الباحث وحدها. حتى ولو أن قصّـة الخطف ذاتها تساعد على توتر الدراما بعض الشيء، كخط قصصي على الأقل، إلا أنها تقوم بتشتيت الموضوع.
لكن مع ذلك، هذا فيلم جيّـد في مجمله يقوده طموح المخرجة لصنع فيلم يعلّـق على أوضاع شتّى، ومنها موضوع الحرب في العراق وسقوط بطل الفيلم في خضم تساؤلاتها ونتائجها.