تحذير من تدني مستوى التحول الديمقراطي في العراق

حسب استطلاع لآراء خبراء ومحللين شمل خمسة محاور أساسية

خيام المعتصمين المحتجين ضد الفساد وتردي الخدمات في ساحة التحرير ببغداد (إ.ب.أ)
خيام المعتصمين المحتجين ضد الفساد وتردي الخدمات في ساحة التحرير ببغداد (إ.ب.أ)
TT

تحذير من تدني مستوى التحول الديمقراطي في العراق

خيام المعتصمين المحتجين ضد الفساد وتردي الخدمات في ساحة التحرير ببغداد (إ.ب.أ)
خيام المعتصمين المحتجين ضد الفساد وتردي الخدمات في ساحة التحرير ببغداد (إ.ب.أ)

توصل استطلاع أجْرته مجموعة من الخبراء الأكاديميين المتخصصين في علم الاجتماع والاقتصاد والقانون والعلوم السياسية بشأن الديمقراطية في العراق إلى نتائج وضعت العراق في أدنى سلم معايير الحكم الديمقراطي. يأتي ذلك في وقت مر على إسقاط النظام السابق في العراق الذي كان يوصف بالشمولي، 17 عاماً، حيث وصلت إلى الحكم سلطة جديدة اعتمدت التعددية الحزبية والانتخابات الدورية والتداول السلمي للسلطة معياراً لها، بالإضافة إلى إطلاق حرية تشكيل الأحزاب وإصدار الصحف وإنشاء المحطات الفضائية ووكالات الأنباء.
وطبقاً للاستطلاع الذي أشرف عليه مركز «حوكمة» للسياسات العامة في العراق، فإنه تم جمع البيانات عبر إجراء استبيان يستطلع آراء العراقيين في محافظات العراق كافة، بحجم عيّنة كلّية بلغ 4884 مواطناً، موزعة بين كل الفئات العمرية والمجتمعية والمستويات التعليمية والاقتصادية. ويقول رئيس المركز الدكتور منتصر العيداني لـ«الشرق الأوسط» إن «المركز سوف يصدر قريباً تقريره السنوي الثالث بعنوان (المؤشر الوطني للتحول الديمقراطي في العراق للعام 2019 – 2020) الذي توصل إلى أن الديمقراطية في العراق أنتجت نموذجاً معاكساً تماماً لمبادئها الأساسية، فقد تم التلاعب بآلياتها ومفاهيمها وجرى إساءة استخدامها بعيداً عن المغزى الحقيقي، وهو ما تمثل إجمالاً في تصاعد فعل الممارسات الشعبية الاحتجاجية مقابل انخفاض الاستجابة الحكومية».
وكانت قد انطلقت في العراق في الأول من شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2019، احتجاجات ضخمة استمرت شهوراً أدت إلى إقالة حكومة عادل عبد المهدي والمجيء بحكومة جديدة هي حكومة مصطفى الكاظمي بعد نحو 5 أشهر من الجدل السياسي. وترتب على تلك الاحتجاجات الجماهيرية سقوط 561 قتيلاً، حسب آخر إحصاء لحكومة الكاظمي، مقابل وقوع أكثر من 24 ألف جريح. وطبقاً للمسح الميداني فإنه حسبما يقوله العيداني «يتقصى ديناميات الانتقال الديمقراطي والأداء اليومي للمؤسسات الحاكمة، وتفاعل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد. ويبين كيف أن النظام السياسي، الذي تمزقه الصعوبات في أزمة مستمرة ويحاول إعادة الحياة إلى العملية السياسية بطريقة أو بأخرى».
وتضمن المؤشر خمسة محاور أساسية، حيث أظهرت نتائج محور الأداء الحكومي، المنحى المتدني لعمل مؤسسات الدولة، وتردي علاقة المواطنين بالجهاز الحكومي الناجم عن الفساد واسع الانتشار والافتقار للشفافية (81%) ممن استُطلعت آراؤهم، وسوء الإدارة والتمييز في الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين الذي أشّره الاستطلاع بنسبة (83.5%)، وإن (91.9%) من العينة اتفقوا على أن المساءلة البرلمانية غير فاعلة وتخضع للاعتبارات السياسية.
في مقابل ذلك أيّد من شملهم الاستطلاع بنسبة ضئيلة (16.4%) قدرة الحكومة الجديدة على إحداث تغيير إيجابي مؤثر، بينما أظهرت المؤشرات أن نسبة ملحوظة (46.8%) تتفق مع قدرة الحكومة الجديدة على السيطرة على المنافذ الحكومية.
يُذكر أن رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي بدأ الشهر الماضي وعند استكمال كامل كابينته الوزارية حملة واسعة لمحاربة الفساد بدءاً من السيطرة على المنافذ الحدودية، كما أعلن عن تحديد موعد للانتخابات المبكرة، وهو ما بعث الأمل في نفوس العراقيين لجهة إمكانية المجيء بطبقة سياسية جديدة عبر تشكيل أحزاب جديدة قادرة على خوض الانتخابات المقبلة من رحم الاحتجاجات الجماهيرية.
وفيما يتعلق بالمحور الاقتصادي فقد أشّر نسبة كبيرة ممن شملهم الاستطلاع وجود فجوة اقتصادية واسعة بين الطبقة السياسية وعامة الناس، حيث أبدى (72.9%) من العينة عدم الثقة بقدرة الحكومة على الحفاظ على المستوى المعيشي للمواطنين، فيما أيّد (85.1%) عدم وجود فرص متساوية في سوق العمل، وأن القطاع المصرفي لا يحظى بثقة الجمهور (69.8%).
أما مؤشرات محور سيادة القانون، فقد أجاب (85.1%) بـ«لا أوافق» على مقولة (المواطنون متساوون أمام القانون)، بينما أشار (83.7%) إلى ضعف استقلال القضاء وخضوعه للتدخلات والضغوط، فيما يعتقد (70.7%) أن قوانين العدالة الانتقالية تطبَّق بصورة انتقائية. إلا أن المسح أظهر تفاؤلاً نسبياً بقدرة الحكومة الجديدة على حصر السلاح بيد الدولة.
وفي مسار آخر أظهر المسح الوطني أن الحراك الاحتجاجي نجح بقدر واضح في فرض خياراته الأساسية، حيث أيّد من شملهم البحث بأن التظاهر والاحتجاج الشعبي فاعل ومؤثر في التغيير الحكومي، وأن الاحتجاجات الشعبية عبّرت عن المطالب الحقيقية في الإصلاح بنسبة (47.5%) و(67.5%) على التوالي. وبشأن ما يرتبط بفرص التغيير المرتقبة، جاءت نتائج المحور الانتخابي لتعكس مواقف مشجعة نسبياً من القانون الانتخابي الجديد والانتخابات المقبلة. ففي هذا السياق أعلن (72.7%) من العينة الترشيح الفردي، وعدّوا أن ذلك سيتيح فرصة أكبر لفوز المرشحين الذين يعبّرون عن إرادة الشعب وإن الانتخابات المبكرة تعد الحل الأنسب للأزمات السياسية القائمة وفقاً لـ(52.4%). وختاماً، أظهرت النتائج وجود تشكك في استقلالية ومهنية المفوضية الجديدة للانتخابات، فقد أيّد (33.6%) أن وجود مفوضية انتخابات من القضاة سيكفل نزاهة الانتخابات، بينما رفضت هذه المقولة نسبة (30.9%).



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.