هل تقلب جائحة «كوفيد ـ 19» معادلات انتخابات الرئاسة الأميركية؟

وسط اتهام ترمب للإعلام بالانحياز للديمقراطيين

هل تقلب جائحة «كوفيد ـ 19» معادلات انتخابات الرئاسة الأميركية؟
TT

هل تقلب جائحة «كوفيد ـ 19» معادلات انتخابات الرئاسة الأميركية؟

هل تقلب جائحة «كوفيد ـ 19» معادلات انتخابات الرئاسة الأميركية؟

من الواضح أن المعركة التي يخوضها الأميركيون في مواجهة الفيروس المسبب لجائحة «كوفيد 19» باتت مزدوجة. فمن ناحية هناك حرص على وقف تمدد الجائحة ووقف تأثيرها على حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية، لكن من ناحية أخرى بات توظيف تلك الجهود ينصب في كيفية تحويل هذا «النجاح أو الفشل» إلى أداة رئيسية في المعركة السياسية التي يخوضها الحزبان الجمهوري والديمقراطي للفوز في السباق الرئاسي والعام في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وغني عن القول أن كلا الطرفين يوظف ماكينته وأدواته الإعلامية للنيل من الطرف الآخر وتحميله المسؤولية عن الإخفاق الذي أدى إلى تصدر الولايات المتحدة قائمة الدول الأكثر تضررا سواء في عدد الإصابات أو الوفيات في العالم.

اتهمت وسائل الإعلام المحسوبة على التيار الليبرالي منذ بعض الوقت الجمهوريين والرئيس دونالد ترمب بأنهم يتحملون عبر «إدارتهم السيئة» المسؤولية الأكبر في تفشي جائحة كوفيد - 19 في الولايات المتحدة. وفي المقابل، صور الإعلام الليبرالي الديمقراطيين على أنهم تمكنوا من وقف التفشي، وخصوصاً في الولايات التي يسيطرون عليها.
هذا الكلام يرد عليه المتعاطفون مع الجمهوريين وترمب بأرقام تكشف عن مفارقات لا بد من التوقف أمامها، بمعزل عن تأييد أو معارضة هذا الطرف أو ذاك. فخلال الأسابيع الأخيرة وبعد إعادة فتح البلد، تفشى فيروس الجائحة في الولايات الجنوبية، وخصوصا تلك المحسوبة على الجمهوريين، وتجاوزت ولاية فلوريدا في أعداد الإصابات ولاية نيويورك، لتصبح الولاية الثانية الأكثر تضرراً بعد ولاية كاليفورنيا. غير أن أعداد الوفيات تكشف حقيقة لا يمكن تجاوزها، وهي أنه من بين 10 ولايات الأكثر تضرراً هناك 6 ولايات يحكمها الديمقراطيون مقابل 4 يحكمها الجمهوريون، مع أن أعداد الإصابات لا يمكن مقارنتها أيضاً.
وفقاً لبيانات جامعة جونز هوبكنز قبل نحو أسبوع، سجلت ولاية نيويورك وفاة 32645 ونيو جيرسي 15804 وكاليفورنيا 8455 وإيلينوي 7608 وبنسلفانيا 7131 وميشيغان 6405. وهي ولايات يحكمها الديمقراطيون. في المقابل توفي في ولاية فلوريدا 5931 وتكساس 5085 وأوهايو 3344 وأريزونا 3304 وهي ولايات يحكمها جمهوريون.
ولاية كاليفورنيا تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الإصابات مع 453155 حالة، تليها فلوريدا بـ432747 ونيويورك بـ412344 وتكساس بـ394927. وتعكس الأرقام حجم هذه الولايات التي تعد الأكبر من حيث عدد السكان. لكن لماذا يصار فقط إلى تركيز الأضواء على الولايات الجمهورية، وخصوصاً من قبل وسائل الإعلام؟
هذا السؤال طرحه العديد من الخبراء والنقاد والمراقبين، من دون إغفال الجانب السياسي الدعائي سواء من هذا الطرف أو ذاك.
وإذا ما أضيفت إلى أرقام الكوفيد - 19 والتغطية الإخبارية «غير المتوازنة»، بحسب المدافعين عن الجمهوريين وترمب، فإن هؤلاء يرون أن التساؤل «المشكك» بصبح مشروعاً أكثر لدى النظر إلى التغطية المحتدمة للاحتجاجات المستمرة في عدد من الولايات الأميركية بعد مقتل جورج فلويد الأميركي الأسود على يد شرطي أبيض في مدينة مينيابوليس يوم 25 مايو (أيار) الماضي، وخصوصا في مدن بورتلاند وسياتل وأوستن. ووفقاً لمناصري ترمب من الجمهوريين واليمين المحافظ كل هذا يجب أن يسلط الضوء على «الأهداف الحقيقية لتلك الحملات».
وفي هذا السياق يقول الإعلامي المحافظ هيو هيويت في مقالة له في صحيفة «واشنطن بوست» الليبرالية «صدرت عناوين الصحف الرئيسية في الأسبوعيين الماضيين بتعابير «الفيروس التاجي يدمر فلوريدا لأن حاكمها الجمهوري رون دي سانتيس قام بتهميش الخبراء والأطباء ونفذ رغبة ترمب» أو «أن الجمهوريين يخشون المرشحين الديمقراطيين المغمورين في مجلسي الشيوخ والنواب... فالجمهور يتأثر في المقام الأول من خلال أنماط التقارب العميق بين الإنسان» بحسب قوله.
- رد ديمقراطي عاجز
في هذه الأثناء، يقول بعض المحللين الجمهوريين والمحافظين اليمينيين إن الحزب الديمقراطي «أظهر تخلفاً» في ردوده السياسية وفي اقتراحاته لمعالجة الأزمة، وبات همه الرئيس إسقاط ترمب في الانتخابات «من دون أن يتمكن من صياغة برنامج سياسي حقيقي يعيد تشكيل طبقته السياسية وتجديدها بعد الاهتراء الذي أصابها»، وعجز معها عن اختيار مرشح مناسب يستطيع إعادة توحيد الحزب «ويضع حداً للميول الشعبوية واليسارية الطفولية في صفوفه».
ورغم أن إعادة فتح الولايات قد أدى إلى عودة انتشار الكوفيد - 19. وخصوصاً في ولايات الجنوب، كان من الصعب تجاهل حقيقة أن التظاهرات الاحتجاجية، وكذلك التجمعات الانتخابية ساهمت هي أيضا في زيادة الانتشار. لكن كان من الواضح، وفق المتعاطفين مع ترمب، أنه جرى «تسييس» الجائحة سواء لحشد المعارضين الرئيس أو لتطويقه سياسيا بمشاكل ظهر بشكل واضح عدم وجود رغبة لدى الطرفين في احتوائها بشكل علمي ووطني، في ظل حالة من الانقسام السياسي الشديد، لم تعهدها الولايات المتحدة من قبل.
- «المنطقة الحمراء»
اليوم ثمة تحدٍ كبير لترمب والجمهوريين في ولايات أريزونا وفلوريدا ونورث كارولينا وويسكونسن، التي صوتت للرئيس عام 2016 واعتبرت «منطقة حمراء» (نسبة للون الأحمر الذي لون الجمهوريين) في ظل التفشي السريع للإصابات فيها. هذه الولايات بالذات تعد حاسمة بالنسبة لآمال ترمب في إعادة انتخابه، مع الإشارة إلى أن كاليفورنيا وفلوريدا سجلتا أرقاما قياسية للوفيات في يوم واحد. ويعتقد خبراء الانتخابات أن جزءاً كبيراً من المعركة الانتخابية الرئاسية سيقع في الولايات التي صنفها تقرير فيدرالي بأنها بين الـ21 ولاية التي سجلت العدد الأكبر من الإصابات.
ومن ثم، إذا فاز المرشح الديمقراطي المفترض جوزيف بايدن بالولايات التي فازت فيها هيلاري كلينتون قبل أربع سنوات، فإن فوزه في أي ثلاث ولايات من الولايات الست المتأرجحة في «المنطقة الحمراء» إضافة إلى ولايتي ميشيغان وبنسلفانيا - اللتين عانتا باكراً، لكن لم يضربهما الفيروس بشدة في الفترة الأخيرة - فسيكون ذلك كافياً لإلحاق الهزيمة بترمب.
وحقاً، تقوم العديد من الولايات بإعادة النظر في سياسات الاقتراع عبر البريد، كي لا يضطر الناخبون إلى الذهاب إلى مراكز الاقتراع مخاطرين بالتقاط العدوى. ولقد سمحت الولايات الست المتأرجحة دائماً بالتصويت السهل نسبياً عبر البريد، في حين ستسمح ثماني ولايات بهذه الوسيلة أو الاقتراع عبر شخص ثانٍ فقط مع عذر شرعي، وهي قضية خلافية كبيرة بين الديمقراطيين والجمهوريين.
- كوفيد ـ 19 أمام أعتاب الجمهوريين
ترمب، من جهته، ما زال يرفض نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى تفوق بايدن عليه، مدللا على نتائجها السابقة عام 2016. ومقللاً من شأن الكوفيد - 19 وشدتها على الولايات المتحدة. غير أن وفاة هيرمان كاين، المرشح الرئاسي الجمهوري الأسود عام 2012 وصاحب سلسلة مطاعم للبيتزا متأثراً بالفيروس، جعلت الجمهوريين والرئيس ترمب يواجهان حقيقة أن كوفيد - 19 بات يقترب أكثر فأكثر من أعتاب منازلهم.
كين، كان بين كثرة من الجمهوريين الذين استخفوا بالفيروس، ومن أبرز المتصدرين لحملة دفاع ترمب عن رفض ارتداء الكمامة، والمتحمسين لإعادة انتخابه، متحديا إرشادات الصحة العامة. وفي المقايل، ترمب وصف كاين على تويتر بأنه «صوت قوي للحرية وكل ما هو جيد».
وفي الأسبوع الماضي، انضم روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي، إلى قائمة الأشخاص المصابين بالفيروس، وهو من بين قلة لديهم إمكانية الوصول المباشر إلى الرئيس. كذلك انضمت إلى المصابين كيمبرلي غيلفويل، المعلقة السابقة اليمينية في شبكة فوكس نيوز التي تلتقي على الدوام بدونالد ترمب «الابن»، ابن الرئيس، وتنخرط بشكل مباشر في قيادة جهود حملة ترمب لجمع الأموال.
ومعلوم أن الجمهوريين كانوا ولا يزالون يتبنون شعارات تدعو للحفاظ على القيَم المحافظة للحرية الاقتصادية والحرية الشخصية، ويشككون في نصائح خبراء الصحة. وهم يرون أن مطالبة الشركات بالإغلاق أو تقييد قدرتها سيخنق الاقتصاد ولن ينقذ سوى القليل من الأرواح. ومن ثم، اتهموا وسائل الإعلام الإخبارية والمعارضين السياسيين بالمبالغة في المخاطر لإيذاء فرص الرئيس في إعادة انتخابه.
وفي خط موازٍ، يعتبر العديد من المدافعين المحافظين عن الرئيس، أن فرض ارتداء الكمامات والالتزام بإجراءات تقييدية أخرى تهديدا للحرية الشخصية وتدابير مبالغ فيها أيضا. وحسب كلام غروفر نوركويست، وهو ناشط محافظ يمارس الضغط من أجل تخفيض الضرائب واللوائح وعمل في مجلس إدارة «الجمعية الوطنية للبنادق»، إن استخدام وفاة هيرمان كاين لمهاجمة الجمهوريين أمر «يزيد عن حده». لكنه أضاف «هناك فرق بين عدم التحمس لما يقال لي ما يجب فعله، ورفض القيام بذلك تماماً... ولكن عندما تكون في الخارج، عليك ارتداء الكمامة».
- الديمقراطيون يسعون لنجاح ثلاثي
على الضفة السياسية المقابلة، لا تزال غير واضحة التقديرات حول انعكاسات جائحة كوفيد - 19 على السباق وعلى الغالبية في مجلس الشيوخ، أو تأثير اختيار بايدن لنائبته على سباقه مع ترمب أو على السباقات الفردية على مقاعد مجلس الشيوخ.
الديمقراطيون الذين يسيطرون راهناً على مجلس النواب يعتقدون أن بإمكانهم الاحتفاظ به في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ويعتقدون أيضا أن الفرصة متاحة أمامهم لتحقيق فوز كبير والسيطرة على الغالبية في مجلس الشيوخ، عبر مرشحين يعتقدون أن بإمكانهم الفوز، وقد نجحوا في تنظيم حملة تبرعات قوية لذلك.
لدى الديمقراطيين حالياً 46 مقعدا في مجلس الشيوخ مقابل 51 للجمهوريين، وهم يسعون للظفر بما لا يقل عن أربعة مقاعد لضمان الغالبية، في حين يمكن لنائب الرئيس أن يكون الصوت المرجح في أي عملية تصويت داخل مجلس الشيوخ. والحال، أنه إذا تمكن الديمقراطيون من تحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية وفي مجلسي الشيوخ والنواب، فسيتمكنون من فرض سيطرة مطلقة على السلطتين التنفيذية والتشريعية معاً. وهذا يعني قدرتهم على تمرير العديد من القوانين، من دون الاضطرار إلى استخدام الرئيس لأوامره التنفيذية بشكل مكثف، على غرار ما قام ويقوم به الرئيس ترمب، منذ توليه الرئاسة عام 2016. لكن مع وجود الكثير من الضبابية في المشهد الانتخابي هذه السنة، لا تبدو الصورة واضحة لكيفية تحقيق ذلك.



شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

إيشيبا
إيشيبا
TT

شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

إيشيبا
إيشيبا

الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في اليابان شرعت أخيراً الأبواب على كل الاحتمالات، ولا سيما في أعقاب حدوث الهزيمة الانتخابية التي كانت مرتقبة للحزب الديمقراطي الحر الحاكم. هذه الهزيمة جاءت إثر تبديل «استباقي» في زعامة الحزب المحافظ - المهيمن على السلطة في اليابان معظم الفترة منذ الخمسينات - في أعقاب قرار رئيس الحكومة السابق فوميو كيشيدا الاستقالة (حزبياً ومن ثم حكومياً) في أعقاب التراجع الكبير في شعبية الحزب، وتولّي غريمه الحزبي الأبرز شيغيرو إيشيبا المنصبَين. ومن ثم، دعا إيشيبا بنهاية سبتمبر (أيلول) الماضي إلى إجراء انتخابات عامة عاجلة ومبكّرة يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن إجراء انتخابات عاجلة، انتهت بفقدان الائتلاف الحاكم المكوّن من الديمقراطيين الأحرار وحليفه حزب «كوميتو» الغالبية البرلمانية.

ألحق الناخبون اليابانيون الأحد الماضي هزيمة مؤلمة بالحزب الديمقراطي الحر، الذي هيمن مع استثناءات قليلة على حكم البلاد منذ عام 1955، وكانت هزيمته الأخيرة الأولى له التي تفقده الغالبية المطلقة في مجلس النواب منذ 15 سنة. وهنا، يتفق المراقبون على أن الحزب المحافظ والكبير النفوذ إنما حصد نقمة الشارع وغضبه بسبب التضخم المتصاعد والتباطؤ الاقتصادي وضعف قيمة العملة الوطنية «الين»، ناهيك من الفضائح المالية التي تورّطت بها قيادات حزبية، وصلات بعض الأعضاء بـ«كنيسة التوحيد» (الحركة المونية). وهكذا أخفق الحزب مع حليفه الصغير في جمع ما هو أكثر من 215 مقعداً من أصل 465 في حين كانت الغالبية المطلقة تحتاج إلى 233 مقعداً.

نكسة مبكرة للزعيم الجديد

هذه الهزيمة المريرة شكّلت أيضاً نكسة كبرى ومبكرة لزعيم الحزب ورئيس الوزراء الجديد شيغيرو إيشيبا، الذي أخفق رهانه بامتصاص النقمة الشعبية وترسيخ موقعه عبر الانتخابات المبكّرة.

وحقاً، أعلن إيشيبا في أول تعليق له على النتيجة نقلته شبكة «سي إن إن» الأميركية، أن الناخبين «أصدروا حكماً قاسياً» بحق حزبه الذي عليه أن «يأخذه بجدية وامتثال». لكنه أردف أنه لا يعتزم التنحي من رئاسة الحكومة، موضحاً «بالنسبة لي، فإنني سأعود إلى نقطة البداية، وأسعى للدفع قدماً بتغييرات داخل هيكل الحزب، وتغييرات أخرى أعمق لمواجهة الوضع السياسي». وفي حين ذكر إيشيبا أنه ليس لدى الحزب أي فكرة جاهزة لتحالف جديد فإن كل سياسات الحزب ستكون مطروحة على بساط البحث.

بطاقة هوية

وُلد شيغيرو إيشيبا يوم 4 فبراير (شباط) 1957 لعائلة سياسية مرموقة، مثله في ذلك الكثير من ساسة الحزب الديمقراطي الحر. إذ إن والده جيرو إيشيبا كان محافظاً لإقليم توتوري، الريفي القليل السكان بجنوب غرب اليابان، بين عامي 1958 و1974، قبل أن تُسند إليه حقيبة وزارة الداخلية. من الناحية الدينية، رئيس الوزراء الحالي مسيحي بروتستانتي تلقى عمادته في سن الـ18 في توتوري، كما أن جد أمّه قسٌّ من روّاد المسيحية في اليابان.

تلقّى شيغيرو دراسته الجامعية وتخرّج مجازاً بالحقوق في جامعة كييو، إحدى أعرق جامعات اليابان الخاصة، ومقرها العاصمة طوكيو، وفيها التقى زوجته المستقبلية يوشيكو ناكامورا، وهما اليوم والدان لابنتين.

وبعد التخرّج توظّف في مصرف «ميتسوي»، قبل أن يسير على خُطى والده فيدخل ميدان السياسة بتشجيع من صديق والده ورئيس الوزراء الأسبق كاكوي تاناكا (1972 - 1974).

وبالفعل، انتُخب وهو في سن التاسعة والعشرين، عام 1986، نائباً عن الديمقراطيين الأحرار في البرلمان (مجلس النواب) عن دائرة توتوري الموسّعة حتى عام 1996، ثم عن دائرة توتوري الأولى منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وعُرف عنه طوال هذه الفترة اهتمامه ودرايته بملفّي الزراعة والسياسة الدفاعية. وحقاً، خدم لفترة نائباً برلمانياً لوزير الزراعة في حكومة كييتشي ميازاوا.

مسيرة سياسية مثيرة

في واقع الأمر، لم تخلُ مسيرة شيغيرو إيشيبا السياسية من الإثارة؛ إذ تخللها ليس فقط الترّقي في سلّم المناصب باتجاه القمّة، بل شهدت أيضاً مواقف اعتراضية واستقلالية وضعته غير مرة في مسار تصادمي مع حزبه وحزب والده.

في عام 1993، خرج من صفوف حزبه الديمقراطي الحر ليلتحق بحزب «تجديد اليابان» الذي أسسته قيادات منشقة عن الحزب بقيادة تسوتومو هاتا (رئيس الوزراء عام 1994) وإيتشيرو أوزاوا (وزير داخلية سابق) حتى عام 1994. ثم انتقل إلى حزب «الحدود الجديدة» الذي أُسس نتيجة اندماج «تجديد اليابان» مع قوى أخرى، وفيه مكث بين 1994 و1996، وبعدها ظل نائباً مستقلاً إلى أن عاد إلى صفوف الديمقراطيين الأحرار ويستأنف ضمن إطار الحزب الكبير ترقّيه السياسي السريع ضمن قياداته.

في أعقاب العودة عام 1997، تبوّأ إيشيبا عدداً من المسؤوليات، بدأت بمنصب المدير العام لوكالة الدفاع – أي حقيبة وزير الدفاع منذ أواخر 2007 –. ولقد شغل إيشيبا منصب وزير الدفاع بين عامي 2007 و2008 في حكومتي جونيتشيرو كويزومي وياسوو فوكودا، ثم عُيّن وزيراً للزراعة والغابات والثروة السمكية في حكومة تارو آسو بين 2008 و2009. وكذلك، تولّى أيضاً منصب الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر بين 2012 و2014.

مع الأخذ في الاعتبار هذه الخلفية، كان طبيعياً أن يدفع طموح إيشيبا الشخصي هذا السياسي الجريء إلى التوق لخوض التنافس على زعامة الحزب، وبالتالي، رئاسة الحكومة.

بالمناسبة، جرّب شيغيرو إيشيبا حظه في الزعامة مرّات عدة. وكانت المرة الأولى التي يرشح نفسه فيها عام 2008 إلا أنه في تلك المنافسة احتل المرتبة الخامسة بين المتنافسين. بعدها رشح نفسه عامي 2012 و2018، وفي المرتين كان غريمه رئيس الوزراء الأسبق الراحل شينزو آبي... «وريث» اثنتين من السلالات السياسية اليابانية البارزة، والزعيم الذي شغل منصب رئاسة الحكومة لأطول فترة في تاريخ المنصب.

ثم في أعقاب استقالة آبي (الذي اغتيل عام 2022) لأسباب صحية عام 2020، رشّح إيشيبا نفسه، إلا أنه خسر هذه المرة وجاء ثالثاً، وذهبت الزعامة ورئاسة الحكومة ليوشيهيدي سوغا. وفي العام التالي، بعدما أحجم إيشيبا عن خوض المنافسة، فاز الزعيم ورئيس الحكومة السابق السابق فوميو كيشيدا. بيد أن الأخير قرّر في أغسطس (آب) أنه لن يسعى إلى التجديد الموعد المقرر في سبتمبر (أيلول). وهكذا، بات لا بد من الدعوة إلى إجراء انتخابات الزعامة الأخيرة التي فاز بها إيشيبا، متغلباً بفارق بسيط وفي الدورة الثانية على منافسته الوزيرة اليمينية المتشدّدة ساني تاكاييشي، التي كانت تصدرت دور التصويت الأولى. وهكذا، صار زعيماً للحزب الديمقراطي الحر ومرشحه لرئاسة الحكومة الرسمي، وعلى الأثر، اختاره مجلس النواب رئيساً للوزراء في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم.

أفكاره ومواقفه

على الرغم من طول بقاء إيشيبا في قلب الحلبة السياسية، فإن طبيعته الاستقلالية، عقّدت أمام المحللين وضعه في خانة واضحة. فهو تارة يوصف بأنه وسطي ليبرالي، تارة أخرى يوصف بـ«الإصلاحي»، وفي أحيان كثيرة يُعرّف بأنه يميني محافظ، بل متشدد. ومما لا شك فيه، أن طبيعة تركيبة الحزب الديمقراطي الحرّ، القائمة على أجنحة تسمح بتعدّد الولاءات الشخصية وتوارثها داخل أروقة تلك الأجنحة، وهذا من دون أن ننسى أن بداية الحزب نفسه جاءت من اندماج حزبين محافظين هما الحزب الحر (الليبرالي) والحزب الديمقراطي الياباني عام 1955.

على المستوى الاجتماعي، أبدى إيشيبا مواقف متحررة في عدد من القضايا بما في ذلك تأييده شخصياً زواج المثليين، كما أنه من مؤيدي ترك الخيار لكل من الزوجين بالاحتفاظ بالاسم الأصلي قبل الزواج. أما على الصعيد الاقتصادي، وتأثراً بكونه ممثلاً لمنطقة ريفية قليلة السكان، فإنه أبدى ولا يزال اهتماماً كبيراً بالتناقص السكاني وضرورة الاهتمام بالاقتصاد الريفي؛ ما يعني العمل على تقليص الفوارق بين الحواضر الغنية والأرياف الفقيرة.

لم تخلُ مسيرة إيشيبا السياسية من الإثارة... إذ اتخذ مواقف اعتراضية واستقلالية

وضعته أكثر من مرة في مسار تصادمي مع حزبه

السياسة الدولية

في ميدان العلاقات الخارجية والسياسة الدولية، تُعرف عن إيشيبا مواقفه المتشددة المتوافقة مع أفكار التيار المحافظ داخل الحزب الحاكم، وبالأخص إزاء التصدي لخطر نظام كوريا الشمالية وقضية تايوان، حيث يقف بقوة بجانب نظامها الديمقراطي في وجه التهديد الصيني.

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، حليف اليابان الأكبر، رأى رئيس الوزراء الحالي قبل أشهر أن سبب إحجام واشنطن عن الدفاع هو أن أوكرانيا ليست عضواً في حلف دفاع مشترك مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو). واستطراداً، في ربط الوضع الأوكراني بحالة تايوان، يعتبر إيشيبا أن تأسيس حلف أمني آسيوي خطوة ضرورية لردع أي هجوم صيني على تايوان، لا سيما في «التراجع النسبي» في القوة الأميركية.

وفي التصور الذي عبَّر عنه إيشيبا بـ«ناتو» آسيوي يواجه تهديدات روسيا والصين وكوريا الشمالية، يجب أن يضم الحلف العتيد دولاً غربية وشرقية منها فرنسا، وبريطانيا وألمانيا، وكذلك الهند، والفلبين، وكوريا الجنوبية، وأستراليا وكندا.

من جهة ثانية، تطرّق إيشيبا خلال الحملة الانتخابية إلى التحالف الأميركي - الياباني، الذي وصفه بأنه «غير متوازٍ» ويحتاج بالتالي إلى إعادة ضبط وتوازن. وكان في أول مكالمة هاتفية له بعد ترؤسه الحكومة اليابانية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، أعرب عن رغبته في «تعزيز الحلف» من دون أن يعرض أي تفاصيل محددة بهذا الشأن، ومن دون التطرق إلى حرصه على إجراء تغييرات في الاتفاقيات الثنائية كي يتحقق التوازن المأمول منها.

التداعيات المحتملة للنكسة الانتخابية الأخيرة

في أي حال، نكسة الحزب الديمقراطي الحر في الانتخابات العامة الأخيرة تفرض على شيغيرو إيشيبا «سيناريو» جديداً ومعقّداً... يبداً من ضمان تشكيلة حكومة موسّعة تخلف حكومته الحالية، التي لا تحظى عملياً بتفويض شعبي كافٍ. وهذا يعني الانخراط بمساومات ومفاوضات مع القوى البرلمانية تهدف إلى تذليل العقبات أمامه.

المهمة ليست سهلة حتماً، لكن خبرة الساسة اليابانيين التقليديين في التفاوض والمساومات أثبت فعالياتها في مناسبات عدة، بما فيها الفضائح وانهيار التحالفات، وكانت دائماً تثمر عقد صفقات طارئة حتى مع القوى المناوئة.

شينزو آبي (آ. ب.)

 

حقائق

رؤساء وزارات اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية

في عام 1955، أي بعد مرور عقد من الزمن على هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، التقى حزبان سياسيان يمينيان وتفاهما على الاندماج في حزب تحوّل ما يشبه الظاهرة في الأنظمة الديمقراطية في العالم.الحزبان المقصودان هما الحزب الحر (أو الحزب الليبرالي) والحزب الديمقراطي الياباني، ولقد نتج من هذا الاندماج الحزب الديمقراطي الحر، الذي هيمن على مقدرات السياسة اليابانية منذ ذلك الحين باستثناء خمس سنوات، فقط خسر فيها السلطة لقوى معارضة أو منشقة عنها. وطوال الفترة التي تقرب من 70 سنة خرج من قادة الحزب الكبير زعماء نافذون رسخوا الاستقرار ورعوا الاستمرارية وأسهموا، بالتالي، في تحقيق «المعجزة الاقتصادية» اليابانية المبهرة.وفيما يلي، أسماء رؤساء الحكومات التي تولت السلطة منذ منتصف الخمسينات:- الأمير ناروهيكو هيغاشيكوني (من الأسرة المالكة) 1945- البارون كوجيرو شيديهارا (مستقل) 1945 – 1946- شيغيرو يوشيدا (الحزب الحر) 1946 – 1947- تيتسو كاتاياما (الحزب الاشتراكي) 1947 – 1948- هيتوشي آشيدا (الحزب الديمقراطي) 1948- شيغيرو يوشيدا (الحزب الديمقراطي الليبرالي / الحزب الحر) 1948 – 1954- إيتشيرو هاتاياما (الحزب الديمقراطي الياباني / الحزب الديمقراطي الحر) 1954 – 1956- تانزان إيشيباشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1956 – 1957- نوبوسوكي كيشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1957 – 1960- هاياتو إيكيدا (الحزب الديمقراطي الحر) 1960 – 1964- إيساكو ساتو (الحزب الديمقراطي الحر) 1964 – 1972- كاكوي تاناكا (الحزب الديمقراطي الحر) 1972 – 1974- تاكيو ميكي (الحزب الديمقراطي الحر) 1974 – 1976- تاكيو فوكودا (الحزب الديمقراطي الحر) 1976 – 1978- ماسايوشي أوهيرا (الحزب الديمقراطي الحر) 1978 – 1980- زينكو سوزوكي (الحزب الديمقراطي الحر) 1980 – 1982- ياسوهيرو ناكاسوني (الحزب الديمقراطي الحر) 1982 – 1987- نوبورو تاكيشيتا (الحزب الديمقراطي الحر) 1987 – 1989- سوسوكي أونو (الحزب الديمقراطي الحر) 1989- توشيكي كايفو (الحزب الديمقراطي الحر) 1989 – 1991- كيئيتشي ميازاوا (الحزب الديمقراطي الحر) 1991 – 1993- موريهيرو هوسوكاوا (الحزب الياباني الجديد) 1993 – 1994- تسوتومو هاتا (حزب «تجديد اليابان») 1994- توميئيتشي موراياما (الحزب الاشتراكي) 1994 – 1996- ريوتارو هاشيموتو (الحزب الديمقراطي الحر) 1996 – 1998- كايزو أوبوتشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1998 – 2000- يوشيرو موري (الحزب الديمقراطي الحر) 2000 – 2001- جونيتشيرو كويزومي (الحزب الديمقراطي الحر) 2001 – 2006- شينزو آبي (الحزب الديمقراطي الحر) 2006 – 2007- ياسوو فوكودا (الحزب الديمقراطي الحر) 2007 – 2008- تارو آسو (الحزب الديمقراطي الحر) 2008 – 2009- يوكيو هاتوياما (الحزب الديمقراطي الياباني) 2009 – 2010- ناوتو كان (الحزب الديمقراطي الياباني) 2010 – 2011- يوشيهيكو نودا (الحزب الديمقراطي الياباني) 2011 – 2012- شينزو آبي (الحزب الديمقراطي الحر) 2012 – 2020- يوشيهيدي سوغا (الحزب الديمقراطي الحر) 2020 – 2021- فوميو كيشيدا (الحزب الديمقراطي الحر) 2021 – 2024- شيغيرو إيشيبا (الحزب الديمقراطي الحر) 2024.....