في 21 يوليو (تموز) 2019 قال المدير الفني لريال مدريد، زين الدين زيدان: «إذا رحل غاريث بيل غدا، فسيكون هذا أفضل للجميع». لقد مر أكثر من عام على تلك التصريحات، لكن لم يتغير أي شيء ولا يزال اللاعب الويلزي موجودا هناك، رغم أنه لا يلعب أي دور مع الفريق في الوقت الحالي. وفي الحقيقة، فإن هذا الوضع، الذي تعلّم بيل التعايش معه - بل والسخرية منه والضحك عليه في بعض الأحيان - لا يناسب أي شخص على الإطلاق. وبعد اثني عشر شهرا من تصريحات زيدان، أصبح ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني الممتاز، ولا يزال بيل موجودا، لكنه أصبح أكبر سنا وفي وضع أصعب من ذي قبل!
وخلال الجولات الأخيرة من الموسم واقتراب ريال مدريد من الحصول على اللقب، وجد بيل التركيز يقع عليه - ليس داخل الملعب، حيث لم يشارك سوى مرتين فقط منذ استئناف النشاط الكروي، ولم يلعب سوى 100 دقيقة من أصل 990 دقيقة لعبها الفريق، ولم يلعب أي دقيقة خلال المباريات السبع الأخيرة - لكن في المدرجات التي كان من السهل رصد ردود أفعاله فيها، خاصة في ظل عدم حضور الجماهير. وفي الحقيقة، من المحزن أن تنتهي مسيرة اللاعب الفائز بدوري أبطال أوروبا أربع مرات بهذا الشكل المخزي، ومن المحزن أيضا أن يستمر اللاعب في التصرف بهذا الشكل الذي يدمر ما حققه خلال مسيرته الكروية.
وخلال مباراة ريال مدريد أمام ألافيس ضمن مباريات الليغا، رصدت الكاميرات بيل وهو يمزح مع زملائه ويضع القناع الطبي (الكمامة) على عينيه وكأنه يأخذ قيلولة على دكة بدلاء الفريق! وأمام غرناطة، رصده أحد الصحافيين وهو يلف شريطا طبيا وكأنه منظار ويتابع به ما يحدث داخل الملعب! وبعد انتهاء مباراة فياريال وضمان حصول ريال مدريد على لقب الدوري، كان لاعبو النادي الملكي يحتفلون بالفوز باللقب، لكن اللاعب الويلزي كان يقف بعيدا وكأن الأمر لا يعنيه! وفي الجولة الأخيرة من الموسم، لم يكن بيل ضمن قائمة الفريق من الأساس، لأسباب وصفها زيدان بـ«الفنية»، وكان بيل يقضي عطلته بينما كان ريال مدريد يواجه ليغانيس.
وقبل مباراة فياريال، سُئل زيدان: «بعد كل الضجيج الذي حدث خارج الملعب، هل تعتقد أنه سيكون من الأفضل لغرفة خلع الملابس أن يرحل بيل عن ريال مدريد هذا الصيف؟» ربما كان المدير الفني الفرنسي يريد أن يرد بشكل حاسم ويقول: «نعم»، لكنه تراجع وقال: «يا له من سؤال يا رجل!» وقال زيدان إن بيل «واحد منا». لكن ما حدث في الليلة التالية يقول عكس ذلك تماما، حيث كان اللاعب الويلزي لا يشعر بالراحة أثناء الاحتفالات بالفوز باللقب. وبينما كان لاعبو ريال مدريد يرفعون زيدان لأعلى احتفالا بالحصول على درع الدوري، اكتفى اللاعب الويلزي بالوقوف بعيدا مكتوف اليدين.
قد يكون بيل قد تعرض لانتقادات لاذعة بسبب عدم مشاركته في الاحتفالات، لكن الحقيقة هي أنه حتى لو شارك في الاحتفالات ورسم ابتسامة عريضة على وجهه، فإن ذلك الأمر كان سيبدو زائفا وغير حقيقي. فكيف نتخيل أن يقوم بيل برفع زيدان إلى أعلى في ظل العلاقة المتوترة للغاية بينهما؟ ولم تكن هناك أي صورة لبيل مع درع الدوري، ولماذا تكون هناك مثل هذه الصورة من الأساس؟ ويجب أن نعرف أن لقب الدوري لموسم 2019 - 2020 هو البطولة السابعة الكبرى التي يحصل عليها بيل مع ريال مدريد، لكن اللاعب لم يلعب دورا فعالا في حصول ناديه على هذه البطولة، ولذا لا يشعر بحلاوة الفوز بها.
وبعد أقل من شهر من إعلان زيدان على أنه سيكون من الأفضل إذا رحل بيل عن «سانتياغو برنابيو» وتعطيل ريال مدريد لصفقة انتقال اللاعب إلى الصين، أشرك زيدان بيل في التشكيلة الأساسية للمباراة الافتتاحية في الموسم أمام سيلتا فيغو. وشارك بيل في التشكيلة الأساسية للفريق في ست مباريات خلال الجولات الثماني الأولى من الموسم. ورغم أنه لم تكن هناك خلافات حادة بين الطرفين، فقد انكسر شيء ما ولم يتم إصلاحه حتى الآن. وقال بيل: «لن أقول إنني ألعب وأنا سعيد، لكنني ألعب». وسرعان ما أصبح اللاعب الويلزي أسيرا لمقاعد البدلاء، ولم يشارك كأساسي سوى في مباراة واحدة في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني)، ومرتين في فبراير (شباط)، ولم يشارك في أي مباراة على الإطلاق في مارس (آذار).
ولا يزال زيدان يعتمد عليه في المباريات الكبيرة، على أمل أن يحدث اللاعب الويلزي ردة فعل قوية، ونظرا لأن زيدان ما زال يؤمن بأن اللاعب يمتلك القدرات التي تؤهله لتقديم مستويات أفضل. وشارك بيل في التشكيلة الأساسية أمام إشبيلية وأتلتيكو، وفي مباراة الكلاسيكو أمام برشلونة، كما لعب في مباراة باريس سان جيرمان بفرنسا. وشارك كبديل في مباراة باريس سان جيرمان على ملعب «سانتياغو برنابيو»، وأمام مانشستر سيتي. لكن بعد استئناف النشاط الكروي لم يشارك بيل في التشكيلة الأساسية سوى مرة واحدة فقط.
وبصورة إجمالية، شارك بيل كأساسي في 12 مباراة في الدوري، وأربع مباريات كبديل، ولعب 124 دقيقة في دوري أبطال أوروبا و53 في كأس ملك إسبانيا، وسجل هدفا في مرمى يونيونستاس سالامانكا الذي يلعب في دوري الدرجة الثالثة. ولم يسجل بيل سوى هدفين فقط في الدوري الإسباني الممتاز، وقد أحرزهما في الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي، ولم يسجل أي هدف في الدوري منذ ذلك الحين!
وفي هذه الأثناء، كانت هناك التداعيات الهائلة للافتة التي رفعها بيل بعد تأهل منتخب بلاده لنهائيات كأس الأمم الأوروبية، والتي كان مكتوبا عليها «ويلز، الغولف، مدريد»، وهي اللافتة التي تظهر أولويات اللاعب، والتي تضع ريال مدريد في نهاية أولوياته! في الحقيقة، لقد لخصت هذه اللافتة عدم التزامه مع ريال مدريد. وبعد ذلك، قال بيل إنه تحول لكبش فداء في النادي الملكي. وتوترت الأجواء بين اللاعب وجماهير النادي، وبات يتعرض لصافرات الاستهجان من الجماهير خلال المباريات التي يشارك فيها، وهو الأمر الذي قال إنه لا يتفهمه. وعندما سُئل زيدان «عن كل هذه الضوضاء» مؤخراً، كان رد فعله يوحي بأن كل هذه الضوضاء مصطنعة، وقال: «يا إلهي! أنتم تحاولون إثارة مشكلة وتطرحون دائما نفس السؤال».
لكن السؤال الآن هو: هل لم يكن زيدان يتوقع أن يُثار كل هذا الجدل واللاعب الأغلى في تاريخ النادي والأعلى أجرا في النادي لا يشارك في المباريات ويعامل كأنه لاعب منبوذ؟ ومن المثير للإعجاب أن هذه المشاكل لم تؤثر على مسيرة النادي، الذي نجح في الحصول على لقب الدوري الإسباني الممتاز في نهاية المطاف. لكن الحقيقة الواضحة للجميع الآن تتمثل في أن بيل لم يعد جزءا من الفريق. وحتى لو لم تكن هناك علاقة كراهية بين اللاعب والنادي، فمن الواضح أنه لم تعد هناك علاقة تجمع الطرفين من الأساس، وبالتالي سيكون من الأفضل للجميع أن يرحل بيل. لكن الظروف الحالية هي التي تبقي على اللاعب الويلزي داخل ملعب «سانتياغو برنابيو».
ولا يزال وكيل أعمال بيل، جوناثان بارنيت، يتحدث، لكن من الواضح الآن أن الصراع بين الطرفين قد هدأ عن ذي قبل. ولم يقل بيل أي شيء، لكن هذا لا يعني أنه سعيد، والدليل على ذلك أنه يتعامل مع الأمور بمنتهى الاستخفاف وعدم الجدية ويذهب إلى التدريبات لمجرد المشاركة في التدريبات ثم يعود إلى المنزل في إجراء روتيني تماما.
وعندما رحب زيدان علناً برحيل بيل عن الفريق العام الماضي، فإنه قد فعل ذلك لأنه كان يعتقد أن اللاعب سيرحل، لكن ريال مدريد تراجع عن إتمام صفقة انتقال اللاعب للصين من أجل الحصول على مقابل مادي في تلك الصفقة.
والآن، يجد ريال مدريد نفسه في موقف لا يحسد عليه، نظرا لأنه لا يوجد ناد يرغب في دفع الراتب الخرافي الذي يحصل عليه اللاعب، والذي سيكلف ريال مدريد نحو 60 مليون يورو على مدى العامين المقبلين من عقده. ويعتقد بيل ووكيل أعماله أن الأمر لا يعنيهم وأن هذه المشكلة قد صنعها ريال مدريد، وبالتالي يتعين عليه أن يجد حلا لها. من المؤكد أن بيل يرغب في اللعب، لكنه الآن يبلغ من العمر 31 عاماً ويحب العيش في إسبانيا، وعائلته الصغيرة تشعر بالسعادة، ويحصل على مقابل مادي خرافي، فلماذا يفكر في الرحيل؟ ورغم أن باب الرحيل كان مفتوحا قبل 12 شهراً، فإنه قد أغلق الآن، وهو الأمر الذي أكده بارنيت عندما قال: «بيل لن يذهب إلى أي مكان آخر».
غاريث بيل لاعب ريال مدريد... مفترٍ أم مفترى عليه؟
اللاعب الأغلى والأعلى أجراً في تاريخ النادي يشاهد مباريات الفريق من على مقاعد البدلاء
غاريث بيل لاعب ريال مدريد... مفترٍ أم مفترى عليه؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة