تقرير يكشف دور الأطباء في التحقيقات الأميركية القاسية

شاركوا عن قرب في جميع جلسات الاستجواب وعملوا في أغلب الحالات عناصر تمكين

مدخل مقر «سي آي إيه»  في لانغلي بفرجينيا (واشنطن بوست)
مدخل مقر «سي آي إيه» في لانغلي بفرجينيا (واشنطن بوست)
TT

تقرير يكشف دور الأطباء في التحقيقات الأميركية القاسية

مدخل مقر «سي آي إيه»  في لانغلي بفرجينيا (واشنطن بوست)
مدخل مقر «سي آي إيه» في لانغلي بفرجينيا (واشنطن بوست)

مع تنامي وتيرة الاستجوابات القاسية التي أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بخصوص الإرهابيين المشتبه بهم، مطلع عام 2003، أطلع أحد المسؤولين الطبيين بالوكالة زميلا له على أن دورهم، باعتبارهم «ضمير المؤسسة والعامل المقيد»، قد طرأ عليه تغير واضح.
وكتب المسؤول خلال رسالة عبر البريد الإلكتروني أن المسؤولين الطبيين أصبحوا «المسؤولين عن تعزيز المكاسب لأقصى درجة ممكنة وبصورة آمنة، والإبقاء على الآخرين بمنأى عن المشكلات».
ومثلما كشف تقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الصادر هذا الأسبوع، فإن الأطباء، بمن في ذلك الأطباء النفسيون العاملون بالوكالة شاركوا عن قرب في جميع جلسات الاستجواب، بدرجة تفوق بكثير أي وقت مضى.
وقد شارك أطباء من مكتب الخدمات الطبية بالوكالة كمراقبين خلال هذه الجلسات، مع عدم توافر دلائل تُذكر في التقرير توحي بتدخلهم لمنع استخدام أساليب قاسية خلال الاستجواب.
ورغم أنهم حذروا في بعض الحالات من أن جلسات استجواب جارية وأخرى مخطط لها تنطوي على مخاطرة تجاوز الخطوط الإرشادية التي حددوها، فإنهم عملوا في أغلب الحالات كعناصر تمكين، حيث قدموا، مثلا، النصح بخصوص تخفيف حدة القيود لتجنب تعرض محتجَز لأزمة، بسبب إجباره على الوقوف أو اتخاذ أوضاع جسدية ضاغطة لفترات طويلة، وغطوا جروحا أثناء عمليات التغطيس بالماء، وتوليهم إدارة عمليات الإطعام وتعويض السوائل عبر المستقيم، التي وصفها أحد المسؤولين الطبيين بأنها سبيل فاعلة «لتنقية ذهن الشخص ودفعه للحديث».
قبل بدء استجواب المحتجز الأول عام 2002، مع شخص ينتمي لـ«القاعدة» يدعى أبو زبيدة، ذكر التقرير أن مقر رئاسة «سي آي إيه» أعلن، بمشاركة أفراد طبيين، أن «عملية الاستجواب لها الأولوية عن الإجراءات الطبية الوقائية».
وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني لمقر مكتب الخدمات الطبية في لانغلي بفيرجينيا، قال مسؤول طبي: «من هنا بدأ الأمر»، وذلك بعد مراقبته جلسات استجواب قيادي «القاعدة» أبو زبيدة، التي تضمنت وضعه داخل صناديق مقيدة للحركة وإيهامه بالغرق.
وأضاف المسؤول الطبي أن أبو زبيدة «يبدو أن لديه قدرة كبيرة على مقاومة الإيهام بالغرق. وأطول فترة قضاها تحت الماء حتى الآن مع وجود قطعة قماش تغطي وجهه 17 ثانية، والمؤكد أن هذه الفترة ستزيد في غضون فترة قصيرة. ولم يتم حتى الآن استخلاص معلومات مفيدة منه.. وقد تقيأ مرتين خلال عملية الإيهام بالغرق. وكانت 10 ساعات قد مرت منذ آخر مرة تناول فيها الطعام، لذا فإن هذا الأمر غريب ومثير للقلق. لذا ننوي إطعامه منتجات (إنشور) فقط لبعض الوقت بدءا من الآن».
وذكرت رسالة بريد إلكتروني بتاريخ 4 أغسطس (آب) 2002: «أنا في طريقي الآن لجلسة أخرى للإيهام بالغرق».
وقال محامي يعمل لحساب «سي آي إيه» شاهد التسجيلات المصورة لتلك الاستجوابات إن «الشخص الذي يُفترض أنه مسؤول طبي كان يرتدي زيا أسود بالكامل من رأسه حتى قدميه، وتعذر تمييزه عن باقي أفراد فريق التحقيق».
من ناحيتهم، أعرب المعنيون بالأخلاق الطبية عن غضبهم العارم حيال مشاركة أفراد طبيين في جلسات الاستجواب منذ تواتر أنباء عن ذلك في وثائق تخص «سي آي إيه» ووزارة العدل كشفتها إدارة أوباما عام 2009.
من ناحيته، قال ستيفين ميلز بروفسور أخلاق مهنة الطب بكلية الطب بجامعة مينيسوتا وعضو مجلس إدارة مركز ضحايا التعذيب، إن استخدام «سي آي إيه» لأساليب، مثل الإطعام عن طريق المستقيم، أمور غير معروفة من قبل. وأضاف أنه «ليس هناك شيء ما يُدعى الإطعام عن طريق المستقيم، فهذا أمر غير ممكن فيزيولوجيا، ذلك أن القولون ليس به بطانة قادرة على امتصاص العناصر الغذائية.. هذا الأمر لا يمت للإجراءات الطبية بصلة، وإنما مجرد وسيلة لإحداث أقصى مستويات الألم».
أما الجمعية الطبية الأميركية، فأعلنت في بيان أصدرته، الجمعة الماضي، أن «مشاركة الأطباء في أعمال التعذيب والاستجواب القسري تُعد انتهاكا لجوهر القيم الأخلاقية».
وفي أعقاب صدور التقرير، دعت منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» لمحاسبة المسؤولين الطبيين المتورطين في برنامج الاستجواب التابع لـ«سي آي إيه»، منوهة بأن مشاركتهم «كانت محورية لتوفير حماية قانونية» لمن يتولون تلك الاستجوابات.
إلا أن جورج جيه أناس، رئيس قسم القانون الطبي والأخلاق الطبية وحقوق الإنسان بجامعة بوسطن، فاعترف بأن «المجتمع الطبي ليس بيده ما يفعله سوى التنديد بهذا الأمر، لأن أحدا لا يعلم هوية هؤلاء الأشخاص» (المعروف أن جميع الأسماء محجوبة في التقرير).
جدير بالذكر أن مكتب الخدمات الطبية من الكيانات غير المعروفة داخل «سي آي إيه». ويتبع المكتب إدارة الدعم، وتدور مهامه التقليدية حول توفير الرعاية الصحية للعاملين بالوكالة.
وفي سؤال له حول مكتب الخدمات الطبية، أجاب المتحدث الرسمي باسم الوكالة بأن «العاملين الطبيين بـ(سي آي إيه) هم ضباط مخابرات مخلصون وملتزمون بأرفع معايير مهنتهم الطبية».
أما بخصوص التساؤلات المتعلقة بدورهم في برنامج الاحتجاز والاستجواب الخاص بالوكالة، فقد أشار إلى الرد المبدئي الصادر عن الوكالة في يونيو (حزيران) 2013 تجاه مسودة التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ.
وأشارت هذه الوثيقة إلى أن «المخاوف الطبية» كانت سببا وراء إيقاف عمليات الإيهام بالغرق، كأسلوب في التحقيق عام 2003، مضيفة أن مسؤولين طبيين تدخلوا لضمان أن من يخضعون للحرمان من النوم يحصلون على قسط من الراحة. وأوضحت الوثيقة أن المسؤولين الطبيين كانوا موجودين ويعملون مع المحققين بصورة عامة.
من ناحية أخرى، تضمن التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ عشرات الإشارات إلى وجود أفراد تابعين لمكتب الخدمات الطبية في «مواقع سوداء» أثناء جلسات الاستجواب، حيث جرى استخدام ما يُطلق عليه «أساليب الاستجواب المعززة» ضد إجمالي 39 محتجزا على مدار 4 سنوات.
وقد اشتكى أحد مسؤولي مكتب الخدمات الطبية من وجود تعارض مصالح لدى أطباء النفس العاملين بالبرنامج، وهم متعاقدون وليسوا من العاملين بالوكالة، حيث تولوا مسؤولية استخدام مثل تلك الأساليب وتقييم مدى فاعليتها «مقابل أجر يومي يبلغ 1800 دولار يوميا، أو ما يعادل 4 أضعاف ما يتقاضاه المحققون الذين ليس بإمكانهم استخدام مثل تلك الأساليب».

* خدمة «واشنطن بوست»



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».