«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

العامل الجغرافي أحد أسباب سهولة الانضمام لـ«جبهة النصرة».. والجيل الجديد يفضل «داعش»

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري
TT

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

تضاعف في السنوات الأخيرة الماضية عدد السلفيين الجهاديين في الأردن نتيجة تلاقي عدد من العوامل.. «ففشل التجربة الثورية، والحملات التي شنت على تحركات الإسلاميين في دول المنطقة كمصر، أضف إليها الحرب الطائفية في العراق وسوريا والعودة إلى السياسات الأمنية، ساهمت كلها في تأجيج النزعة السلفية الجهادية في المملكة الهاشمية»، وفق ما رأى في حديث لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد أبو رمان الذي أصدر أخيرا تقريرا حول السلفيين الأردنيين تحت عنوان «أنا سلفي».
ومع اتجاه الحرب السورية يوما بعد يوم لتتخذ منحى طائفيا، توسعت الهوة السنية - الشيعية، وتأجج العداء بين اثنين من فروع الإسلام.. «فالجهاد في سبيل الدفاع عن أهل السنة بات أمرا إلزاميا عندما اتخذت الحرب هذا المنحى الطائفي، وخصوصا بعد تدخل إيران و(حزب الله) العدو اللدود للسنة»، وفق ما قال أبو سياف، أحد الشخصيات الجهادية المعروفة في الأردن، في مقابلة سابقة.
هذا العداء في ظل صعود نجم تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» من جهة، والميليشيات الشيعية مثل «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» والجيش الشعبي (National Defense Forces) المدعومة من الحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى، قد يدفع بالأردنيين الجهاديين إلى التورط أكثر في اللعبة الطائفية ولعب دور أكبر على مسارح مجاورة.
إلى ذلك، ساهمت القوة المالية لـ«داعش» التي صنفتها وزارة المالية الأميركية كأغنى جماعة متشددة في العالم في جذب عدد كبير من الأردنيين. «وعلى الرغم من أن الناحية المادية قد تكون عاملا لجذب الأردنيين من بين غيرهم، غير أنها لا تشكل الدافع الأساسي الذي يتمثل قبل كل شيء في اعتناق آيديولوجيا معينة»، على حد قول خبير الجماعات الإسلامية الأردني الدكتور حسن أبو هنية.
ينضوي السلفيون الجهاديون في الأردن ضمن السلفية بنطاقها الأوسع التي يقدر عدد أعضائها بشكل غير رسمي بـ20 ألف فرد، يضاف إليهم السلفيون التقليديون والإصلاحيون. وحتى عام 2011، كان السلفيون والجهاديون في الأردن يفضلون البقاء بعيدا عن الأنظار، غير أن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد وقتها ومشاركتهم في المظاهرات سمحت لهم بالظهور على الساحة الأردنية.
ويشرح الدكتور أبو رمان قائلا: «إن معظم مراجع الحركة السلفية الجهادية في المملكة تؤيد جبهة النصرة، في حين يدعم جيل الشباب الصاعد على نحو متزايد تنظيم داعش». ومن بين الشيوخ الأردنيين الذين يدعمون جبهة النصرة نذكر الشيخ أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة، وكذلك إياد قليبي.
في بداية الحرب في سوريا، شجع الشيخ السلفي الجهادي الأردني أبو محمد الطحاوي الأردنيين على القتال ضد نظام الرئيس بشار أسد، معتبرا أنها «مسؤولية أي مسلم لوقف إراقة الدماء التي ارتكبها النظام النصيري (ضد السنة)»، في إشارة إلى النظام العلوي الحاكم في سوريا، وقد انضم مئات من الأردنيين إلى المعارك في سوريا. كما أورد الدكتور حسن أبو هنية، أن نحو 60 أردنيا شاركوا في عمليات انتحارية في سوريا.
وفي الوقت الذي يحتل الأردنيون مراكز مؤثرة في جبهة النصرة، يلعبون فقط أدوارا ثانوية في صفوف «داعش» الذي تهيمن عليه أكثرية عراقية، وفق الدكتور أبو رمان.
ومن بين الأعضاء النافذين في جبهة النصرة نذكر إياد طوباسي، ومصطفى عبد اللطيف، وسامي عريدي. فإياد طوباسي، المعروف بأبو جليبيب، هو أمير جبهة النصرة في دمشق والديرة، وهو صهر أبو مصعب الزرقاوي، الغني عن التعريف، ويعتقد أنه قاتل معه في العراق. أما عبد اللطيف، الملقب بأبو أنس الصحابة، فيتبوأ أيضا مركزا قياديا في الجبهة في حين يعتبر عريدي مفتي الجبهة. وفي المقلب الآخر، يعتقد أن كلا من عمر مهدي زيدان والدكتور سعد حنكي (المقرب سابقا من جبهة النصرة) يشغلان منصب المفتي في صفوف «داعش» في منطقة الرقة.
ويشرح أبو سياف أن من الأسباب التي قد تفسر انضمام الأردنيين إلى جبهة النصرة بشكل أكبر هي الفوارق الآيديولوجية، مشيرا بذلك إلى أفكار «داعش» المتطرفة بشأن حقوق الأقليات والعلاقة مع الفصائل الإسلامية الأخرى. أما السبب الآخر فقد يتمثل في الناحية الجغرافية، وبالتالي قرب الأردن من الديرة في سوريا التي تسيطر عليها جبهة النصرة. إلا أنه ومع إغلاق الحدود الأردنية في وجه الجهاديين، يعمد المزيد من المقاتلين إلى السفر عبر تركيا، ومنها إلى المناطق السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش، أي أنهم في نهاية المطاف سوف ينضمون إلى هذا التنظيم، وفق الدكتور أبو رمان.وتمثلت ردة فعل المملكة الهاشمية على تهديد الجماعات المتطرفة في بداية الأمر في حملة اعتقالات طالت جميع المناطق، وأسفر عنها توقيف نحو 150 إلى 170 شخصا. وفي الأسبوع الماضي، أصدرت محكمة أمن الدولة حكما بالسجن لمدة 3 سنوات على منصور حمدين، ووسيم أبو عياش، بتهم تتعلق بانضمامهما إلى تنظيم داعش، واستخدام الإنترنت للترويج لآيديولوجية راديكالية إرهابية.
وكان تنظيم داعش قد وجّه تهديدات للمملكة في مقاطع فيديو نشرت على موقع «يوتيوب» ظهر فيها أردنيون وتعهدوا باجتياح المملكة وقاموا بحرق جوازات سفرهم. وقد شهدت مدينة معان الجنوبية التي تبعد 180 كيلومترا جنوب عمان، تحركات عدة ضد السلطة المركزية، علما بأن هذه المدينة تعتبر مسقط رأس الكثير من الجهاديين السلفيين وكثير من أبنائها انضموا للقتال في سوريا، كما شبهت بـ«الفلوجة الأردنية» نظرا لتكاثر أعلام «داعش» فيها. فضلا عن ذلك وخلال الصيف، نظم الكثير من المسيرات السلفية الجهادية في معان والزرقاء وعدد من المدن الأخرى، حيث رفع المتظاهرون لافتات سوداء ورددوا شعارات مؤيدة لتنظيم داعش».
مع ذلك، اتبعت المملكة الهاشمية نهجا أكثر واقعية تجاه السلفيين الجهاديين وفتحت قناة تواصل مع المتشددين المعتدلين. فجاءت تبرئة أبو قتادة من تهم تتعلق بالإرهاب في الأردن لتصب في خانة استراتيجية مؤقتة وعملية تتبعها الحكومة لمحاربة التهديد الأهم الذي يمثله «داعش».
وقد سلط حكم التبرئة هذا الضوء على مؤشرات عدة تقود إلى أن الأردن يعتمد استراتيجية «فرق تسد»، محاولة بذلك كسب أشخاص مستعدين لإدانة «داعش» على غرار أبو قتادة. ففي نهاية محاكمته الثانية منذ شهرين، انتقد أبو قتادة الذي يعتبر من أبرز مؤيدي جبهة النصرة علنا عمليات قطع الرأس التي ينفذها «داعش» بحق الصحافيين، واصفا إياها بأنها غير إسلامية. وأشار أبو قتادة الذي يعتنق الآيديولوجية الجهادية في نص نشر على حسابه على موقع «تويتر» أن هذه المجموعة لا تملك «دولة في العراق» ولا سلطة لها على عامة المسلمين.
وكان قد سبق تبرئة أبو قتادة في شهر يونيو (حزيران) الماضي الإفراج عن زعيم السلفية عاصم البرقاوي، المعروف أيضا باسم أبو محمد المقدسي، بعد أن أمضى 5 سنوات في السجن بتهمة تجنيد جهاديين للحرب في أفغانستان. عمدت السلطات الأردنية إلى التواصل مع المعتدلين منذ ظهور السلفية الجهادية، كما عمدت إلى استغلال الانقسامات بين جبهة النصرة و«داعش»، بحسب أبو هنية. غير أن هذا الأمر تغير إلى حد ما منذ بدء ضربات التحالف الدولي. فعمان التي تعد الحليف الأقوى للولايات المتحدة، انضمت للتحالف الدولي في مكافحة «داعش» في سوريا وأمنت قاعدة لانطلاق الطائرات الغربية ووفرت الخدمات الاستخبارية. عقب ذلك شهدت البلاد موجة ثانية من عمليات الاعتقال طالت السلفيين الجهاديين الذين نددوا بهجمات التحالف مثل الشيخ المقدسي واستنكروا الضربات ضد «جبهة النصرة» في سياق التي استهدفت و«داعش»، وفق أبو هنية.
إن الخطر الذي يحدق بالمملكة الأردنية الهاشمية يكمن في عدة عوامل. فتنظيم داعش خلافا لتنظيم القاعدة ركز على العدو القريب (أي الحكام الإقليميين) بدلا من العدو البعيد (الغرب). هذا التحول في أولويات المنظمات الجهادية تبلور في الحرب السورية، ومن الممكن جدا أن يطال الأردن الذي يعد جزءا من بلاد الشام، أي يعد جزءا من منطقة «خلافة البغدادي الإسلامية» المفترضة والمزعومة. «لقد نجح تنظيم داعش في بناء (ديار التمكين)»، بحسب أبو هنية. وهي الخطوة الأولى في حربه المقدسة التي تهف إلى توسيع نطاق «داعش» إلى ما بعد الحدود الوطنية على أساس الشريعة. ونقطة الانطلاق في هذه الخطة تمثل في السيطرة على سوريا والعراق، ومن ثم الانتقال إلى الأردن لإعادة توحيد «بلاد الشام».
وعلى غرار الزرقاوي الذي دفعته خبرته في العراق إلى تفجير 3 فنادق في عمان عام 2005، ستترك الحرب في سوريا والعراق تأثيرا مهما على الجهاديين السلفيين في الأردن. فالنجاحات التي يحصدها «داعش» أو «جبهة النصرة» ستشجع الجيل الجديد على تبني مواقف أكثر عدوانية في وطنهم. يتمثل عامل الخطر الثاني في تدفق اللاجئين السوريين الذين وفقا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين يصل عددهم إلى نحو 600 ألف شخص. «فبيئة اللاجئين تسهل لتجنيدهم إن كان في العمل الإجرامي أو الجهادي»، وفق أبو هنية. وكلما طالت الأزمة وانسد الأفق أمامهم، زادت إمكانية تعاونهم مع السلفيين الجهاديين.
وبما أن «أذرع تنظيم القاعدة» خبيرة باستغلال الاضطرابات التي تشهدها البلدان، لن تكون الأردن استثناء عن ذلك. غير أن بعض الخبراء مثل شين يون، ووائل الخطيب من مركز الأطلسي يعتبرون في تقرير صدر أخيرا أن «التوجه السلفي في الأردن ليس له قدرة كبيرة على إحداث الثورات.. فالجهاديون السلفيون الناشطون فعلا على الأرض والذين يرغبون بأسلمة المجتمع من خلال العنف لا يمثلون سوى أقلية محدودة، وهم تحت مراقبة دقيقة من القوى الأمنية». يذكر أن عدد المقاتلين الأردنيين الذين يشاركون حاليا في الحرب في سوريا، يصل إلى ألفي مقاتل انضوى نصفهم تقريبا في صفوف «داعش».



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».