«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

العامل الجغرافي أحد أسباب سهولة الانضمام لـ«جبهة النصرة».. والجيل الجديد يفضل «داعش»

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري
TT

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

«السلفية الجهادية الأردنية».. قياديون مؤثرون في فرع «القاعدة» السوري

تضاعف في السنوات الأخيرة الماضية عدد السلفيين الجهاديين في الأردن نتيجة تلاقي عدد من العوامل.. «ففشل التجربة الثورية، والحملات التي شنت على تحركات الإسلاميين في دول المنطقة كمصر، أضف إليها الحرب الطائفية في العراق وسوريا والعودة إلى السياسات الأمنية، ساهمت كلها في تأجيج النزعة السلفية الجهادية في المملكة الهاشمية»، وفق ما رأى في حديث لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد أبو رمان الذي أصدر أخيرا تقريرا حول السلفيين الأردنيين تحت عنوان «أنا سلفي».
ومع اتجاه الحرب السورية يوما بعد يوم لتتخذ منحى طائفيا، توسعت الهوة السنية - الشيعية، وتأجج العداء بين اثنين من فروع الإسلام.. «فالجهاد في سبيل الدفاع عن أهل السنة بات أمرا إلزاميا عندما اتخذت الحرب هذا المنحى الطائفي، وخصوصا بعد تدخل إيران و(حزب الله) العدو اللدود للسنة»، وفق ما قال أبو سياف، أحد الشخصيات الجهادية المعروفة في الأردن، في مقابلة سابقة.
هذا العداء في ظل صعود نجم تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» من جهة، والميليشيات الشيعية مثل «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» والجيش الشعبي (National Defense Forces) المدعومة من الحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى، قد يدفع بالأردنيين الجهاديين إلى التورط أكثر في اللعبة الطائفية ولعب دور أكبر على مسارح مجاورة.
إلى ذلك، ساهمت القوة المالية لـ«داعش» التي صنفتها وزارة المالية الأميركية كأغنى جماعة متشددة في العالم في جذب عدد كبير من الأردنيين. «وعلى الرغم من أن الناحية المادية قد تكون عاملا لجذب الأردنيين من بين غيرهم، غير أنها لا تشكل الدافع الأساسي الذي يتمثل قبل كل شيء في اعتناق آيديولوجيا معينة»، على حد قول خبير الجماعات الإسلامية الأردني الدكتور حسن أبو هنية.
ينضوي السلفيون الجهاديون في الأردن ضمن السلفية بنطاقها الأوسع التي يقدر عدد أعضائها بشكل غير رسمي بـ20 ألف فرد، يضاف إليهم السلفيون التقليديون والإصلاحيون. وحتى عام 2011، كان السلفيون والجهاديون في الأردن يفضلون البقاء بعيدا عن الأنظار، غير أن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد وقتها ومشاركتهم في المظاهرات سمحت لهم بالظهور على الساحة الأردنية.
ويشرح الدكتور أبو رمان قائلا: «إن معظم مراجع الحركة السلفية الجهادية في المملكة تؤيد جبهة النصرة، في حين يدعم جيل الشباب الصاعد على نحو متزايد تنظيم داعش». ومن بين الشيوخ الأردنيين الذين يدعمون جبهة النصرة نذكر الشيخ أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة، وكذلك إياد قليبي.
في بداية الحرب في سوريا، شجع الشيخ السلفي الجهادي الأردني أبو محمد الطحاوي الأردنيين على القتال ضد نظام الرئيس بشار أسد، معتبرا أنها «مسؤولية أي مسلم لوقف إراقة الدماء التي ارتكبها النظام النصيري (ضد السنة)»، في إشارة إلى النظام العلوي الحاكم في سوريا، وقد انضم مئات من الأردنيين إلى المعارك في سوريا. كما أورد الدكتور حسن أبو هنية، أن نحو 60 أردنيا شاركوا في عمليات انتحارية في سوريا.
وفي الوقت الذي يحتل الأردنيون مراكز مؤثرة في جبهة النصرة، يلعبون فقط أدوارا ثانوية في صفوف «داعش» الذي تهيمن عليه أكثرية عراقية، وفق الدكتور أبو رمان.
ومن بين الأعضاء النافذين في جبهة النصرة نذكر إياد طوباسي، ومصطفى عبد اللطيف، وسامي عريدي. فإياد طوباسي، المعروف بأبو جليبيب، هو أمير جبهة النصرة في دمشق والديرة، وهو صهر أبو مصعب الزرقاوي، الغني عن التعريف، ويعتقد أنه قاتل معه في العراق. أما عبد اللطيف، الملقب بأبو أنس الصحابة، فيتبوأ أيضا مركزا قياديا في الجبهة في حين يعتبر عريدي مفتي الجبهة. وفي المقلب الآخر، يعتقد أن كلا من عمر مهدي زيدان والدكتور سعد حنكي (المقرب سابقا من جبهة النصرة) يشغلان منصب المفتي في صفوف «داعش» في منطقة الرقة.
ويشرح أبو سياف أن من الأسباب التي قد تفسر انضمام الأردنيين إلى جبهة النصرة بشكل أكبر هي الفوارق الآيديولوجية، مشيرا بذلك إلى أفكار «داعش» المتطرفة بشأن حقوق الأقليات والعلاقة مع الفصائل الإسلامية الأخرى. أما السبب الآخر فقد يتمثل في الناحية الجغرافية، وبالتالي قرب الأردن من الديرة في سوريا التي تسيطر عليها جبهة النصرة. إلا أنه ومع إغلاق الحدود الأردنية في وجه الجهاديين، يعمد المزيد من المقاتلين إلى السفر عبر تركيا، ومنها إلى المناطق السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش، أي أنهم في نهاية المطاف سوف ينضمون إلى هذا التنظيم، وفق الدكتور أبو رمان.وتمثلت ردة فعل المملكة الهاشمية على تهديد الجماعات المتطرفة في بداية الأمر في حملة اعتقالات طالت جميع المناطق، وأسفر عنها توقيف نحو 150 إلى 170 شخصا. وفي الأسبوع الماضي، أصدرت محكمة أمن الدولة حكما بالسجن لمدة 3 سنوات على منصور حمدين، ووسيم أبو عياش، بتهم تتعلق بانضمامهما إلى تنظيم داعش، واستخدام الإنترنت للترويج لآيديولوجية راديكالية إرهابية.
وكان تنظيم داعش قد وجّه تهديدات للمملكة في مقاطع فيديو نشرت على موقع «يوتيوب» ظهر فيها أردنيون وتعهدوا باجتياح المملكة وقاموا بحرق جوازات سفرهم. وقد شهدت مدينة معان الجنوبية التي تبعد 180 كيلومترا جنوب عمان، تحركات عدة ضد السلطة المركزية، علما بأن هذه المدينة تعتبر مسقط رأس الكثير من الجهاديين السلفيين وكثير من أبنائها انضموا للقتال في سوريا، كما شبهت بـ«الفلوجة الأردنية» نظرا لتكاثر أعلام «داعش» فيها. فضلا عن ذلك وخلال الصيف، نظم الكثير من المسيرات السلفية الجهادية في معان والزرقاء وعدد من المدن الأخرى، حيث رفع المتظاهرون لافتات سوداء ورددوا شعارات مؤيدة لتنظيم داعش».
مع ذلك، اتبعت المملكة الهاشمية نهجا أكثر واقعية تجاه السلفيين الجهاديين وفتحت قناة تواصل مع المتشددين المعتدلين. فجاءت تبرئة أبو قتادة من تهم تتعلق بالإرهاب في الأردن لتصب في خانة استراتيجية مؤقتة وعملية تتبعها الحكومة لمحاربة التهديد الأهم الذي يمثله «داعش».
وقد سلط حكم التبرئة هذا الضوء على مؤشرات عدة تقود إلى أن الأردن يعتمد استراتيجية «فرق تسد»، محاولة بذلك كسب أشخاص مستعدين لإدانة «داعش» على غرار أبو قتادة. ففي نهاية محاكمته الثانية منذ شهرين، انتقد أبو قتادة الذي يعتبر من أبرز مؤيدي جبهة النصرة علنا عمليات قطع الرأس التي ينفذها «داعش» بحق الصحافيين، واصفا إياها بأنها غير إسلامية. وأشار أبو قتادة الذي يعتنق الآيديولوجية الجهادية في نص نشر على حسابه على موقع «تويتر» أن هذه المجموعة لا تملك «دولة في العراق» ولا سلطة لها على عامة المسلمين.
وكان قد سبق تبرئة أبو قتادة في شهر يونيو (حزيران) الماضي الإفراج عن زعيم السلفية عاصم البرقاوي، المعروف أيضا باسم أبو محمد المقدسي، بعد أن أمضى 5 سنوات في السجن بتهمة تجنيد جهاديين للحرب في أفغانستان. عمدت السلطات الأردنية إلى التواصل مع المعتدلين منذ ظهور السلفية الجهادية، كما عمدت إلى استغلال الانقسامات بين جبهة النصرة و«داعش»، بحسب أبو هنية. غير أن هذا الأمر تغير إلى حد ما منذ بدء ضربات التحالف الدولي. فعمان التي تعد الحليف الأقوى للولايات المتحدة، انضمت للتحالف الدولي في مكافحة «داعش» في سوريا وأمنت قاعدة لانطلاق الطائرات الغربية ووفرت الخدمات الاستخبارية. عقب ذلك شهدت البلاد موجة ثانية من عمليات الاعتقال طالت السلفيين الجهاديين الذين نددوا بهجمات التحالف مثل الشيخ المقدسي واستنكروا الضربات ضد «جبهة النصرة» في سياق التي استهدفت و«داعش»، وفق أبو هنية.
إن الخطر الذي يحدق بالمملكة الأردنية الهاشمية يكمن في عدة عوامل. فتنظيم داعش خلافا لتنظيم القاعدة ركز على العدو القريب (أي الحكام الإقليميين) بدلا من العدو البعيد (الغرب). هذا التحول في أولويات المنظمات الجهادية تبلور في الحرب السورية، ومن الممكن جدا أن يطال الأردن الذي يعد جزءا من بلاد الشام، أي يعد جزءا من منطقة «خلافة البغدادي الإسلامية» المفترضة والمزعومة. «لقد نجح تنظيم داعش في بناء (ديار التمكين)»، بحسب أبو هنية. وهي الخطوة الأولى في حربه المقدسة التي تهف إلى توسيع نطاق «داعش» إلى ما بعد الحدود الوطنية على أساس الشريعة. ونقطة الانطلاق في هذه الخطة تمثل في السيطرة على سوريا والعراق، ومن ثم الانتقال إلى الأردن لإعادة توحيد «بلاد الشام».
وعلى غرار الزرقاوي الذي دفعته خبرته في العراق إلى تفجير 3 فنادق في عمان عام 2005، ستترك الحرب في سوريا والعراق تأثيرا مهما على الجهاديين السلفيين في الأردن. فالنجاحات التي يحصدها «داعش» أو «جبهة النصرة» ستشجع الجيل الجديد على تبني مواقف أكثر عدوانية في وطنهم. يتمثل عامل الخطر الثاني في تدفق اللاجئين السوريين الذين وفقا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين يصل عددهم إلى نحو 600 ألف شخص. «فبيئة اللاجئين تسهل لتجنيدهم إن كان في العمل الإجرامي أو الجهادي»، وفق أبو هنية. وكلما طالت الأزمة وانسد الأفق أمامهم، زادت إمكانية تعاونهم مع السلفيين الجهاديين.
وبما أن «أذرع تنظيم القاعدة» خبيرة باستغلال الاضطرابات التي تشهدها البلدان، لن تكون الأردن استثناء عن ذلك. غير أن بعض الخبراء مثل شين يون، ووائل الخطيب من مركز الأطلسي يعتبرون في تقرير صدر أخيرا أن «التوجه السلفي في الأردن ليس له قدرة كبيرة على إحداث الثورات.. فالجهاديون السلفيون الناشطون فعلا على الأرض والذين يرغبون بأسلمة المجتمع من خلال العنف لا يمثلون سوى أقلية محدودة، وهم تحت مراقبة دقيقة من القوى الأمنية». يذكر أن عدد المقاتلين الأردنيين الذين يشاركون حاليا في الحرب في سوريا، يصل إلى ألفي مقاتل انضوى نصفهم تقريبا في صفوف «داعش».



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟