يقول المدير الفني لنادي بولونيا الإيطالي، سينيسا ميهالوفيتش، إن القدر لعب دوراً كبيراً في مشاركة اللاعب الغامبي الشاب موسى جوارا في مباراة النادي أمام إنتر ميلان في الدوري الإيطالي الممتاز. فبعد حصول لاعب بولونيا، روبرتو سوريانو، على بطاقة حمراء والتأخر بهدف دون رد، نظر المدير الفني الصربي إلى اللاعبين المتاحين أمامه على مقاعد البدلاء وبدأ في تقييم الخيارات التي يمكنه الاستعانة بها في هذا الموقف الصعب.
يقول ميهالوفيتش: «كانت الفكرة الأولى التي دارت في ذهني هي أن أجعل ماتياس سفانبرغ يلعب ناحية اليمين، ثم قررت الدفع بموسى. إنه دائماً ما يخلق حالة من الفوضى في صفوف الفريق المنافس عندما يلعب، ولن يعرفوا كيف يتعاملون معه». لقد مر أكثر من أربع سنوات منذ أن حط موسى رحاله في الأراضي الإيطالية للمرة الأولى، بعد أن سافر بمفرده وهو صغير من غامبيا عبر السنغال ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ثم ليبيا، لكي يعبر البحر الأبيض المتوسط على زورق مطاطي، من أجل تحقيق حلمه بلعب كرة القدم في أوروبا.
واستغل اللاغب الغامبي البالغ من العمر 18 عاماً خطأ من مدافعي إنتر ميلان وسدد الكرة من على حافة منطقة الجزاء بقدمه اليسرى لكي يحقق نبوءة مديره الفني التي قالها للمدير الرياضي بالنادي، ريكاردو بيجون، قبل بضع دقائق. يقول ميهالوفيتش عن ذلك: «لقد قلت لبيجون إن موسى سيسجل هدفاً، وقد فعل ذلك بالفعل بعد ثلاث دقائق فقط! إنه يستحق ذلك تماماً، حيث لعب وتألق في ملعب سان سيرو، وهو ما يظهر أنه يمتلك شخصية قوية في هذه السن الصغيرة، حتى ولو كانت المباراة تلعب من دون جمهور».
وقد أحرز الهدف الثاني لبولونيا موسى بارو - نجم غامبي آخر صاعد بقوة ويلعب في صفوف بولونيا على سبيل الإعارة لمدة موسمين قادماً من نادي أتالانتا - ليفوز بولونيا على إنتر ميلان بهدفين مقابل هدف. وقد تم اكتشاف بارو، البالغ من العمر 21 عاماً، للمرة الأولى عن طريق نادي هوكس إف سي بالعاصمة الغامبية بانجول. أما النجاح الكبير الذي حققه جوارا منذ ظهوره لأول مرة مع نادي بولونيا في فبراير (شباط) الماضي، فقد احتل عناوين الصحف في غامبيا.
يقول الصحافي الغامبي مومودو باه: «ذهب موسى جوارا إلى إيطاليا عبر الطريق الشهيرة التي يطلقون عليها طريق العودة. وهذا أمر شائع جداً في غامبيا، فلدي أصدقاء مقربون قد هاجروا عبر هذه الطريق أيضاً. معظم الشباب ليست لديهم الفرصة للذهاب إلى المدرسة، لذلك فهم يحلمون بالانتقال إلى أوروبا. وعندما انتقل موسى إلى أوروبا، كانت أرقام المهاجرين في ذروتها، حيث يقول الشباب لأنفسهم: إما الهجرة وإما النهاية بالنسبة لي. ويجب أن نعرف أن أعداد الذين يصلون إلى أوروبا تفوق بكثير أعداد من يلقون حتفهم في طريق الهجرة، وهو الأمر الذي يشجع الشباب على القيام بهذه المخاطرة الكبيرة».
وبعد سبعة أشهر من الرحيل عن غامبيا، كان جوارا واحداً من نحو 25 ألف قاصر يطلبون اللجوء في إيطاليا خلال عام 2016، وتم نقله في نهاية المطاف من صقلية إلى مركز للمهاجرين في إقليم بازيليكاتا الجنوبي. وهناك شوهد وهو يلعب كرة القدم في الشارع واكتشفه فيتانتونيو سوما، مدرب فريق فيرتوس أفيغليانو للهواة، الذي دعمه بقوة وأصبح الوصي القانوني له.
لكن الاتحاد الإيطالي لكرة القدم يمنع الأندية من التعاقد مع لاعبين قاصرين من دون وجود آبائهم، وهو الأمر الذي منع انتقال جوارا إلى نادي كييفو فيرونا في صيف عام 2017، لكن سوما وزوجته، لوريدانا برونو، قدما استئنافاً ونجحا في نقله إلى نادي كييفو فيرونا. وبعد تألق جوارا في صفوف الشباب بالنادي، دفع نادي بولونيا 500 ألف يورو للتعاقد معه الصيف الماضي. وسجل جوارا 13 هدفاً في 18 مباراة مع فريق الشباب بنادي بولونيا، وهو الأمر الذي دفع ميهالوفيتش لتصعيده للفريق الأول بالنادي.
يقول باه: «حتى عندما خسر بولونيا أمام يوفنتوس في أول مباراة بعد استئناف الموسم، شارك جوارا وترك بصمة واضحة وتسبب في طرد لاعب يوفنتوس، دانيلو. لقد كان الأمر رائعاً بالنسبة له». ولم يكن جوارا هو اللاعب الغامبي الوحيد الذي يحصل على مثل هذه الفرصة بعد المخاطرة بكل شيء من أجل الانتقال إلى أوروبا. فمن بين التسعة لاعبين الغامبيين المسجلين الآن في قوائم أندية إيطالية تلعب في الدوريات الثلاثة الكبرى في إيطاليا، هناك خمسة لاعبين قد وصلوا كلاجئين، بما في ذلك جناح نادي كاتانيا، كاليفا مانيه، ولاعب وسط نادي روما البالغ من العمر 19 عاماً إبريما داربو، الذي كان على مقاعد البدلاء في مباراة فريقه بالدوري أمام ميلان العام الماضي. وتشير تقارير صحفية إلى أن مدافع سامبدوريا، عمر كولي - الذي انتقل إلى الدوري الإيطالي الممتاز بعدما قدم مستويات جيدة في كل من فنلندا والسويد وبلجيكا - أصبح محط اهتمام نادي ساوثهامبتون، وقد يكون ثاني لاعب من غامبيا يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز بعد مودو بارو الذي انتقل إلى سوانزي سيتي في 2014.
يقول باه: «الجميع في غامبيا يشجعون بولونيا أو أتالانتا أو سامبدوريا الآن. يمكننا متابعة المباريات عبر شاشات التلفزيون أو حتى مشاهدة بعض اللقطات حتى يمكن للشعب الغامبي أن يرى كيف يلعب هؤلاء اللاعبون الذين يحظون بشعبية طاغية هناك. وعلاوة على ذلك، يحظى هؤلاء اللاعبون بمتابعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي». ويعتقد أن نحو 30 ألف غامبي يعيشون في إيطاليا، على الرغم من تهديد العديد منهم بالعودة إلى بلدهم الأصلي، الذي لا يزال غير مستقر سياسياً، على الرغم من سقوط الديكتاتور يحيى جامع في يناير (كانون الثاني) 2017.
وبحسب باه، فإن النجاح الذي حققه كل من جوارا وبارو وكولي يعطي الشعب الغامبي أملاً كبيراً في أن يصنع المنتخب الغامبي التاريخ تحت قيادة مديره الفني البلجيكي توم سانتفيت. يقول باه: «لم نتأهل مطلقاً إلى نهائيات كأس الأمم الأفريقية، ونحن بلد صغير من حيث تاريخ كرة القدم الأفريقية، لكن عندما أنظر إلى المواهب التي نمتلكها الآن، فإنني أشعر بأن الشيء الوحيد الذي ينقصنا هو البنية التحتية الجيدة، وبأن مستقبل كرة القدم الغامبية مشرق للغاية».
ويضيف: «لدينا كثير من اللاعبين الشباب الجيدين، لكن هل يمكننا أن نتخيل عدد اللاعبين الجيدين الذين كانوا سيظهرون لو كان لدينا نظام جيد في أكاديميات الناشئين يهتم باللاعبين من سن السادسة أو السابعة؟ من المؤكد أن الأمر كان سيتغير تماماً لو كانت لدينا البنية التحتية المناسبة. بالنسبة لي، لاعبونا أفضل حتى من لاعبي السنغال المجاورة لنا».
وقد سمح قرب غامبيا من السنغال، التي تعد إحدى القوى الكروية الكبرى في القارة السمراء، بأن يلتحق عدد كبير من اللاعبين الغامبيين بأكاديمية «جينيريشن فوت»، التي تتخذ من العاصمة السنغالية داكار مقراً لها والتي خرج منها لاعبون كبار مثل نجم ليفربول ساديو ماني، ولاعب واتفورد إسماعيلا سار. وقد استفاد الجناح الواعد أبلي جالو، والمهاجم يانكوبا جارجو، بالشراكة التي تقيمها الأكاديمية مع نادي ميتز الفرنسي. وقضى جالو موسم 2019 - 2020 مع نادي أجاكسيو على سبيل الإعارة.
ولم يشارك جوارا في أي مباراة دولية مع منتخب بلاده حتى الآن، لكن بعد الأداء القوي الذي قدمه أمام إنتر ميلان من المؤكد أن انضمامه لصفوف المنتخب الغامبي مسألة وقت فقط. وقال جوارا بعد هذه المباراة: «أنا سعيد للغاية بتسجيل هدفي الأول، وأود أن أهدي ذلك إلى عائلتي وجميع الذين ساعدوني في رحلتي. هذا حلم بالنسبة لي ويوم لن أنساه طوال حياتي».
موسى جوارا... من الهروب في قارب للاجئين إلى التألق مع بولونيا
اللاعب الغامبي وصل إلى إيطاليا بمفرده وأثبت موهبته بهدف رائع في شباك إنتر ميلان
موسى جوارا... من الهروب في قارب للاجئين إلى التألق مع بولونيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة