«سد النهضة»: اعتراض مصري ـ سوداني على «الملء الإثيوبي»

أديس أبابا تحشد مواطنيها لدعم استكمال البناء... ومُهلة لحل الخلافات

إثيوبيون يرفعون أعلام بلدهم وهم يحتفلون في شوارع العاصمة أديس أبابا بالتقدم المحرز في بناء سد النهضة أول من أمس (أ.ب)
إثيوبيون يرفعون أعلام بلدهم وهم يحتفلون في شوارع العاصمة أديس أبابا بالتقدم المحرز في بناء سد النهضة أول من أمس (أ.ب)
TT

«سد النهضة»: اعتراض مصري ـ سوداني على «الملء الإثيوبي»

إثيوبيون يرفعون أعلام بلدهم وهم يحتفلون في شوارع العاصمة أديس أبابا بالتقدم المحرز في بناء سد النهضة أول من أمس (أ.ب)
إثيوبيون يرفعون أعلام بلدهم وهم يحتفلون في شوارع العاصمة أديس أبابا بالتقدم المحرز في بناء سد النهضة أول من أمس (أ.ب)

سجلت مصر والسودان، أمس، اعتراضهما على الإجراء الأحادي الإثيوبي بملء خزان «سد النهضة»، دون التنسيق مع دول مصب نهر النيل، محذرتان من تداعيات تلك الخطوة على جهود التوصل لاتفاق ينظم قواعد ملء وتشغيل السد الذي تقيمه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويثير توترات مع القاهرة والخرطوم بسبب تأثيره المتوقع على حصتيهما من المياه. وأعرب السودان عن مخاوفه من تكرار الخطوة الأحادية الإثيوبية، بمواصلة ملء سد النهضة دون التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث.
واستؤنفت، أمس، المفاوضات بين وزراء الموارد المائية لمصر وإثيوبيا والسودان، برعاية الاتحاد الأفريقي، وحضور مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي، لمدة أسبوعين. وكان السودان قد طلب تأجيل المفاوضات لأسبوع لإجراء مشاورات داخلية مع مكونات الحكومة الانتقالية. وقال وزير الري السوداني، ياسر عباس، في بيان، إن وفد البلاد المفاوض أجرى مشاورات واسعة منذ نهاية الجولة السابقة للمفاوضات، خصوصاً بعد التداعيات السلبية لبدء إثيوبيا ملء السد دون تشاور مسبق مع أطراف التفاوض.
وأضاف عباس أن التحرك الإثيوبي المنفرد قبل التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث يطرح مخاوف من تأثيرات بيئية واجتماعية لسد النهضة على المزارعين في ضفاف النيل الأزرق وسلامتهم.
وبحسب بيان مصري، تم التوافق على قيام اللجان الفنية والقانونية بمناقشة النقاط الخلافية خلال اليوم (الثلاثاء) وغداً (الأربعاء)، في مسارين متوازيين، وعرض المخرجات في اجتماع وزاري يوم الخميس المقبل.
ويرعى الاتحاد الأفريقي، منذ شهر يوليو (تموز) الماضي، مفاوضات شاقة، على أمل الوصول إلى اتفاق نهائي ينهي النزاع المائي الذي قارب عقداً من الزمان.
ولم تفضِ جولات عدة من الاجتماعات إلى إحراز أي تقدم، إلا أن اجتماعاً لمكتب الاتحاد الأفريقي، نهاية يوليو (تموز) الماضي، بحضور زعماء الدول الثلاث، قرر استئناف المفاوضات مرة أخرى، واختزلها في قضايا السد، مستبعداً «إقحام أي موضوعات غير ذات صلة أو طموحات مستقبلية في عملية المفاوضات»، في إشارة إلى ملف تقاسم المياه.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعد الخلاف مع إعلان إثيوبيا انتهاء المرحلة الأولى من تعبئة خزان السد، قبل التوصل إلى الاتفاق. وأبدت مصر، أمس، اعتراضها على الإجراء الأحادي لملء سد النهضة دون التشاور والتنسيق مع دول المصب. وحذر وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، في كلمته، من أن ذلك الإجراء «يلقي بدلالات سلبية توضح عدم رغبة إثيوبيا في التوصل لاتفاق عادل، ويتعارض مع اتفاق إعلان المبادئ (الموقع بين الدول الثلاث عام 2015)».
وأكد عبد العاطي أهمية سرعة التوصل لاتفاق حول ملء وتشغيل السد، بحيث يتم التوافق حول كل نقطة من النقاط الخلافية، مشيراً إلى اقتراح مصر آلية عمل خلال الاجتماعات الحالية التي ستُعقد لمدة أسبوعين.
ودعم السودان الموقف المصري. وقال ياسر عباس، وزير الموارد المائية السوداني، في كلمته، إن «التحرك (الإثيوبي) المنفرد قبل التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث أعاد طرح المخاوف في حال تكرار مثل هذا التحرك في المستقبل، وتحديداً فيما يتعلق بالتأثيرات البيئية والاجتماعية لسد النهضة على المزارعين على ضفاف النيل الأزرق وسلامتهم».
ودعا الوفد السوداني، بحسب بيان، إلى ضرورة «التوقيع على اتفاق بين الدول الثلاثة يؤمن سلامة سد الروصيرص، والتبادل السلس للمعلومات في هذا المجال، بما يتماشى مع مقتضيات القانون الدولي».
ويمثل السد الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار، وستبلغ طاقته الإنتاجية من الكهرباء 6450 ميغاواط، حجر الأساس الذي تبني عليه إثيوبيا طموحها في أن تصبح أكبر دولة مصدرة للكهرباء في أفريقيا، لكنه في الوقت نفسه يثير قلقاً مصرياً من تراجع إمدادات المياه الشحيحة أصلاً من النيل، التي يعتمد عليها أكثر من 100 مليون نسمة بنسبة تفوق 90 في المائة». وأعلن السودان ترحيبه بمقترحات الحلول التي قدمها الخبراء الأفارقة في تقريرهم للاجتماعات، وعدها تمثل أساس لاتفاقٍ مرضٍ للأطراف الثلاثة.
وطالب وزير الري السوداني بأن تكون الجولة الحالية من المفاوضات حاسمة، تحدد خلالها أجندة واضحة لفترة التفاوض خلال أسبوعين، ومنح المراقبين دور أكبر لتقريب وجهات النظر، والتركيز على القضايا العالقة، والالتزام بعدم الدفع بأي قضايا جديدة خلال المفاوضات.
وأعلن الوفد السوداني مواصلة جولات المفاوضات على المستوى الوزاري في 6 من أغسطس (آب) الحالي. وعشية جلسة المفاوضات، حشدت إثيوبيا مواطنيها، أول من أمس، في العاصمة أديس أبابا، لـ«الاحتفال بالتقدم الذي أحرزوه في بناء سد النهضة على نهر النيل، ودعم استكمال البناء».
ولوح عشرات الآلاف من الإثيوبيين في شوارع العاصمة بعلم بلادهم، حاملين ملصقات تمجد الإنجاز الحكومي، ورقص آخرون في الأماكن العامة للاحتفال بالمناسبة، وانطلقت احتفالات مماثلة في مدن أخرى في إثيوبيا. ووفق وكالة الأنباء الإثيوبية، تم تنظيم هذا الحدث من قبل مكتب المجلس الوطني، تحت شعار «صوتنا لسدنا»، كـ«حملة تضامن لجعل الأصوات الإثيوبية مسموعة للعالم»، وإرسال رسالة إلى المجتمع الدولي حول السد، بصفته «يقوم على مبدأ الاستخدام العادل للموارد الطبيعية لمكافحة الفقر في البلاد». وملأ الآلاف من الحشود بساحات وشوارع أديس أبابا، بعد ظهر يوم أمس، لإظهار دعمهم لبناء سد النهضة. وقال نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، ديميك ميكونين، خلال حديثه، إن «الإثيوبيين من جميع فئات المجتمع ساهموا بشكل كبير في بناء مشروع سد النهضة». وأضاف أن حملة التضامن تهدف إلى حشد الشعب لإكمال السد، ودعم الدبلوماسية في استكمال بناء السد، والاحتفال بملء سد النهضة للمرحلة الأولية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.