انخفاض احتياطي مصرف لبنان يحتّم إعادة النظر بدعم المواد الأساسية

تراجع احتياطه من 39 مليار دولار إلى 18 ملياراً

عامل محطة وقود في بيروت يشير بيده إلى نفاد البنزين (أ.ب)
عامل محطة وقود في بيروت يشير بيده إلى نفاد البنزين (أ.ب)
TT

انخفاض احتياطي مصرف لبنان يحتّم إعادة النظر بدعم المواد الأساسية

عامل محطة وقود في بيروت يشير بيده إلى نفاد البنزين (أ.ب)
عامل محطة وقود في بيروت يشير بيده إلى نفاد البنزين (أ.ب)

تؤشر الأرقام المتداولة حول احتياطي العملات الصعبة لدى مصرف لبنان إلى أن المصرف لن يكون قادراً على تحمل تبعات سياسة دعم المواد الاستهلاكية الأساسية التي يعتمدها منذ انهيار سعر صرف الليرة، ووصوله في السوق السوداء إلى حدود 8 آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد، ما يهدد ذوي الدخل المتوسط، وما دونه، بكارثة حقيقية، في ظل تآكل قيمة العملة الوطنية منذ الخريف الماضي.
فالمصرف الذي يؤمن الاعتمادات لمستوردي المواد الأساسية، وبالتحديد القمح والمحروقات والدواء، بالسعر الرسمي للدولار الذي لا يزال ثابتاً عند حدود الـ1515 ليرة لبنانية، بات مهدداً بفقدان كامل احتياطه بالدولار الذي كان يبلغ قبل تفاقم الأزمة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 39 مليار دولار، وبات اليوم لا يتجاوز 18 مليار دولار.
ووفق المعلومات، فإن حاكم مصرف لبنان لن يستمر طويلاً بسياسة دعم استيراد المواد الأساسية المتبعة، وقد حدد مهلة زمنية لا تتجاوز 3 أشهر لوضع حد للاستنزاف الحاصل، من خلال إيجاد حل سريع للأزمة الراهنة. إلا أن تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وغياب البدائل والخيارات الواقعية، دفع المعنيين بالملف المالي لرفع الصوت، والتنبيه من حلول طارئة قد تلجأ إليها الحكومة تكون تكلفتها كبيرة جداً على المواطنين، أبرزها رفع السعر الرسمي لصرف الدولار في الأشهر القليلة المقبلة، مقابل بقاء الرواتب على ما هي عليه، ما يؤدي لانعدام القدرة الشرائية، وبالتالي انكماش إضافي للاقتصاد الوطني الذي يشهد انهياراً غير مسبوق. وتتكتم الحكومة حول ما إذا كانت ستعمد إلى إعادة النظر بسياسة الدعم، لعلمها بأن خطوة مماثلة ستكون غير شعبية، وقد سبق أن تغاضت عنها بوقت سابق، حين اقترح وزير الاقتصاد، راوول نعمة، في يونيو (حزيران) الماضي، رفع الدعم الذي يوفره مصرف لبنان لاستيراد المحروقات والطحين، واستبدال آلية أخرى للدعم بذلك، وفق نظام القسائم الشرائية.
وتشير مصادر وزير الاقتصاد إلى أنه كان أول من طرح ترشيد الدعم الذي يطال بشكل خاص المازوت والطحين، بمعنى العمل على توجيهه حصراً لتستفيد منه العائلات المحتاجة، لكن الاقتراح لم يلقَ وقتها تجاوباً كبيراً من قبل رئيس الحكومة ووزراء آخرين، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أي توجه لرفع الدعم في المرحلة الراهنة يجب أن يكون بقرار من الحكومة، ويسأل عنه اليوم رئيسها وحاكم مصرف لبنان.
ويعد النائب السابق لحاكم مصرف لبنان، غسان العياش، أنه «لا ضرورة للحصول على معلومات جديدة سرية لمعرفة حدود قدرة مصرف لبنان على دعم استيراد المواد الأساسية، فمن المعروف أن موجودات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية تعاني من أزمة أساساً لأنها تقل بمبلغ كبير عن إيداعات المصارف لديه، وهذا الواقع هو سبب الأزمة المصرفية الكبيرة في البلاد التي تتجسد بعدم قدرة المصارف على تسديد ودائع زبائنها بالعملات عند طلبها». ويرى العياش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «إذا كنا سلمنا بهذه الفجوة الخطيرة، فهناك أمر يجب أن يؤخذ بالحسبان، وهو أن ما تبقى من الموجودات النقدية الخارجية لمصرف لبنان بات أقل من الاحتياطي الإلزامي للمصارف، لذلك فإن مصرف لبنان ليس بحالة تسمح له بتلبية طلبات دعم الاستيراد»، لافتاً إلى أنه «إذا كان المصرف قد وافق على دعم استيراد مواد أساسية، كالقمح والأدوية والمحروقات، فقد انهالت عليه طلبات دعم أخرى، إذا تمت تلبيتها يمكن لمصرف لبنان استنفاد ما بقي لديه من عملات أجنبية في غضون 3 أشهر».
ويشير العياش إلى أنه «مع نضوب موارد لبنان بالعملات، نتيجة الضعف الإضافي في الصادرات، وتراجع التدفقات من غير المقيمين، لا يمكن الاستمرار في الاعتماد على موجودات مصرف لبنان بالعملات. وبات من الحيوي جداً وضع خطة ديناميكية لإنعاش الاقتصاد اللبناني، مع قيام أجواء سياسية مختلفة جذرياً عن الأجواء السائدة حالياً، لخلق وتعزيز القطاع الخارجي بلبنان».
ولا يقتصر التراجع الذي يشهده احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية على دعم الاستيراد، وتثبيت سعر الصرف، إذ تم تحويل قسم كبير من أموال المودعين إلى الخارج قبل وخلال الأزمة، أضف إلى ذلك أن المبالغ التي نقلت من المصارف إلى المنازل تصل إلى حدود 8 مليارات دولار.
وينبه الخبير الاقتصادي الاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة من 3 مشاريع ستنفذها الحكومة خلال الشهرين المقبلين، أبرزها رفع السعر الرسمي لصرف الدولار من 1515 ليرة لبنانية للدولار الواحد إلى 5 آلاف، ورفع الأجور بالقطاع العام بغياب أي مداخيل للدولة، إضافة لتمرير مشروع ضرائبي يُتوقع أن يقضي على ما تبقى من الاقتصاد.
ويشير عجاقة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذه المشاريع ستؤدي إلى قفزة في نسب الفقر إلى مستويات هائلة، وضعف شديد في القدرة الشرائية، إضافة إلى تضخم ضمني، ما يعني تداعيات كبرى قد لا تتمكن من استيعابها.
ويوضح عجاقة أن موجودات مصرف لبنان من احتياطي العملات الأجنبية تتراوح بين 17 و18 مليار دولار، شارحاً أن المصرف لا يشتري أصلاً كل السلع بالدولار، كما أنه يستخدم قسماً كبيراً من التحويلات الخارجية لدعم الاستيراد. ويعد أنه «في حال استمر الوضع على ما هو عليه، بحيث يخصص نحو مليار دولار من الاحتياطي للاستيراد شهرياً، فقد لا تكفي موجودات مصرف لبنان أكثر من سنة أو سنة ونصف»، مضيفاً: «لكن الإشكالية الأساسية تبقى بالمسار الانحداري الذي في حال استمر، لن نتمكن من الصمود أكثر من 3 إلى 6 أشهر لأن كيان الدولة بحد ذاته لن يكون بحينها موجوداً».
ويساهم المغتربون اللبنانيون سنوياً بنحو 7.5 مليار دولار، عبر تحويلاتهم المباشرة إلى عائلاتهم، كما تساهم السياحة بنحو 6 أو 7 مليارات دولار، إلا أنه مع توقف السياحة بسبب «كورونا»، وتوقع تراجع تحويلات المغتربين، وألا تتخطى 2.5 مليار دولار عام 2020، نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، والضوابط التي فرضت على التحويلات بعد انفجار الأزمة المالية في لبنان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سيكون على لبنان تأمين مداخيل من مصادر بديلة، كصندوق النقد الدولي.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.