أخلاقيات نيتشه

لم يشغل نفسه وفكره كثيراً بالنظريات المعرفية

نيتشه
نيتشه
TT

أخلاقيات نيتشه

نيتشه
نيتشه

يعد الفيلسوف الألماني «فريدريك نيتشه» أكثر الفلاسفة جدلاً منذ أن وضع كتاباته المختلفة في نهاية القرن التاسع عشر، وعلى رأسها: «أبعد من الخير والشر»، وكتابه «علم الأنساب الأخلاقي» (Genealogy of Morality).
فلقد مثل بحق صدمة للنمط الفكري السائد في عصره، بما يمكن عده من الأسس الرئيسية لمدارس فكرية أتت من بعده، وعلى رأسها المدرسة الوجودية، وإلى حد كبير مدرسة ما بعد الحداثة. كما أنه كان أيضاً الفكر الذي تملقه النازيون والفاشيون، وهو في التقدير منهم براء، فهو يمثل رأس منحنى فكري جديد، وذلك رغم أن عمره لم يمتد، فمات في 1900، ولكن ليس قبل أن تصيبه جلطة دماغية أودعته على فراش الموت لإحدى عشرة سنة.
وعلى غير عادة الفلاسفة الألمان العظماء الذين سبقوه، من أمثال «كانط» و«هيغل»، فإن «نيتشه» لم يشغل نفسه وفكره بالنظريات المعرفية أو «الأيبستيمولوجية» في سعيه لوضع مفاهيم للحياة، ولكنه كان أقرب ما يكون للفيلسوف العملي النفسي الأخلاقي، فكتبه تقترب من السهل الممتنع، باستخدامه للأفكار الصادمة المغلفة بلغة مبسطة، ولكنها مركبة المعنى عميقة الأثر، مستخدماً الحِكم وصانعاً للأقوال المأثورة المتعمقة (Aphorism) التي يحتاج المرء لقراءتها أكثر من مرة والتفكر فيها لقبولها أو رفضها.
ويمكن عد كتابه «علم الأنساب الأخلاقي» أكثر الكتب تعبيراً عن فكره، فهو كتاب صادم بكل المعايير، إذ يبدأ أو ينتهي إلى أن العالم الغربي يفتقر في عصره إلى نقطة القاسم الأخلاقي المشترك التي كانت تمثلها المسيحية بصفتها محوراً لصناعة القيم على مدار قرابة ألفيتين، ولكنها فقدت رونقها أو جذورها بصفتها مصدراً للأخلاق بسبب العلم الذي جعل العقلانية العلمية منافساً شرساً لها بصفتها مصدراً للأخلاق، وهو ما دفعه للإعلان صراحة أن المسيحية قد ماتت؛ أي أنها اختفت عن الرادار الأخلاقي أو الفلسفي الأوروبي.
ومن هذه الفرضية، قدم «نيتشه» رؤيته لوضعية الأخلاق وفقاً له، فعد أن هناك نوعين من الأخلاق خلال الألفيتين: «أخلاق السادة» و«أخلاق العبيد».
فمن خلال الأولى تصنع أنماط الأخلاق المرتبطة بالطبقات الحاكمة أو المسيطرة التي تقدر القوة والجمال والشجاعة والنجاح... إلخ، والتي تكون لديها ما سماه «الرغبة في السلطة» التي تعد بالنسبة له المحرك الأساسي لطبقة من البشر، بكل ما تعنيه كلمة سلطة من مال ونفوذ... إلخ، فهم صُناع أنماط الحياة التي يفرضونها على باقي المجتمع، بما في ذلك المفاهيم الأخلاقية.
أما «أخلاقيات العبيد» فترتكز إلى مجموعة قيمية أخرى مرتبطة بالطيبة والتعاطف، وتكريس مفاهيم الحب والتواضع والتسامح والخنوع... إلخ، وقد ساهمت المسيحية في انتشار هذه المنظومة القيمية، مقابل منظومة القيم الأخلاقية للسادة، ولكن الأخطر كان منحها العامة ما كان ضرورياً لقبول قيم السادة، حتى إن اختلفت عن قيمها، على اعتبار أن الجائزة الكبرى ليست في هذه الدنيا، وهو ما دفعه للتحقير من شأنها، مبرراً الفكرة الماركسية بأن «الدين أفيون الشعوب» الذي استخدمته الطبقات الحاكمة لفرض الطاعة لها، ولمنظومتها السلطوية والأخلاقية.
وبناءً على هذا الفكر، رأي «نيتشه» أهمية أن يهتم المرء بضرورة اتباع ما سماه «التكرار الأبدي»؛ أي أن يتأقلم المرء على الحياة التي يعيشها حتى يجعلها تستحق الحياة مهما كانت صعبة، فيستمتع بأكثر ما يمكن أن تقدمه له.
ويرى «نيتشه» أن القيم أو الأخلاق هي أصعب ما يمكن للمرء أو المجتمع تغييره لأنها قوية الركيزة عميقة الجذور، وهي أكثر العوامل تأثيراً على سلوك البشر، وتحتاج لفترات زمنية كبيرة حتى تترسخ، ومن ثم صعوبة اقتلاعها، ومن هنا كانت دعوته الشهيرة لإعادة تقييم قيمنا القائمة، وصناعة نمط جديد مرتبط بالإنسان وتاريخه وكينونته، واضعاً عبارته الشهيرة «إن الإنسان يجب أن يتغلب على الإنسان» بالدخول في آفاق قيمية أرحب مما هي لدينا، بما يجعله وفقاً لوصفه «الرجل الخارق» (Oubbermench)؛ أي أن الإنسان بحاجة إلى تطوير قيمه المجردة المستندة إلى تاريخه وسلوكياته، وليس بالأنماط السابقة.
ولا خلاف على أن «نيتشه» كان أثره كبيراً على أجيال من المفكرين الذين تلوه، ولكن التقدير أنه وقع في الخطأ نفسه الذي يقع فيه كثير من الغربيين اليوم في سعيهم لصياغة المطلق على تجربتهم التاريخية والقيمية المجردة، فرفضه لأي دور للدين المسيحي في التطور التاريخي الأوروبي إنما أفقد فكره قدراً كبيراً من الشمولية المطلوبة، فلا خلاف على أن القيم الأخلاقية مسألة تراكمية على مر الزمن، تؤثر فيها عوامل كثيرة، منها السلطة والأبعاد الميتافيزيقية، خاصة أن التاريخ بقدم لنا نماذج لعظماء قوم ساهموا في صناعة ما وصفه بـ«أخلاقيات العبيد»، وعلى رأسهم الإمبراطور الروماني «ماركوس أوريليوس»، النموذج العملي والفكري للروائية الذي اتبع ما وصفه «نيتشه» بـ«أخلاقيات العبيد» وهو إمبراطور، تماماً مثل الخليفة عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز، وغيرهما.
الحقيقة أن فكر «نيتشه» يحتاج منا إلى قدر من الحيطة والحذر والتفكر في آن، فالإنسان ليس في صراع مع تاريخه وعوامل صناعته بهدف التجرد منها حتى يصبح «الرجل الخارق» وفقاً له، ولكنه بحاجة إلى التصالح والتفاهم مع تاريخه بعين على الماضي وعين وعقل على المستقبل لتنظيم إحداثياته الإنسانية في مسيرته، خاصة المتعلقة بالأخلاق ومفاهيمها.



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».