أزمنة الريف والمدينة في مفارقات سردية ساخرة

حسام المقدم في مجموعته القصصية «قهوة بوتيرو»

أزمنة الريف والمدينة في مفارقات سردية ساخرة
TT

أزمنة الريف والمدينة في مفارقات سردية ساخرة

أزمنة الريف والمدينة في مفارقات سردية ساخرة

«لا تخدع نفسك: ما تكتبه لا يريد أن يمضي أكثر من ذلك. اترك كل شيء وابدأ من جديد، من هذه الظهيرة الصيفية التي أنت فيها، والتي رغم جفافها الكبير تَعِد ببشائر الغيث. ألا ترى على البُعد؟ دَقِّق النظر أكثر في السراب الدُّخاني».
لا يخلو هذا المقتطف من المدخل الذي اختاره الكاتب حسام المقدم لتصدير مجموعته القصصية «قهوة بوتيرو» الصادرة حديثاً في القاهرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة من التباس ما. وقد يشعر القارئ للوهلة الأولى أنه «المخاطَب» بتلك الكلمات التي تشبه وصية حكيم عجوز يلقي بها على مسامع شخص مقبل على مغامرة في متاهات العقل والروح، لكن سرعان ما يدرك أن المعني بـ«الوصية» هو المؤلف نفسه فيقول مخاطباً ذاته: «وفي اليوم التالي تفرح يا «حُسام»، وتتعجب أن الفجر، نُقطة الثلج المُتجددة كل يوم في كِتاب الصّحراء، لا يزال هناك: أزرقَ وليِّناً وعابراً»
يتجلى الأمر أكثر حين نخوض في قصص المجموعة البالغة 13 قصة متفاوتة الحجم، حيث الولع بكسر ما هو شائع وتقليدي، بحثاً عن المختلف والجديد، عن لحظة تنوير تعادل هذا الفجر المنشود. كما يتبدى المكان في صورة قلقة ومضطربة، حيث أجواء ريف يتمدن سلباً، ويفقد الكثير من حميميته. على الجانب الآخر، تبرز القصص ما حل بالمدينة فقد تم «ترييفها» أي صبغها بصبغة ريفية سلبية هي الأخرى تتمثل في الكسل والفوضى والقبح وانعدام الذوق العام.
وبحكم عمله مدرساً، يبدو حسام المقدم مفتوناً بأجواء التدريس ومفارقاته الإنسانية التي لا تنتهي في منظومة تعاني من تدني الأجور والأساليب العتيقة الجامدة، إضافة للعلاقة غير السوية بين الطالب والمدرس التي كثيراً ما تشبه لعبة القط والفأر، وهو ما يتردد صداه عبر عديد من القصص مثل «الثلاثاء بالأبيض والأسود» و«عباءة تسع طيور العالم» و«نجوم صغيرة فوق نافذة فايزة أحمد» و«أقوال جديدة في سيرة أمنا الغولة». ومن المشاهد الشيقة في هذا السياق مشهد مدرس مثقل بالهموم والتفكير الخرافي والمفاهيم غير التربوية يلقي على الأطفال الصغار في الفصل الدراسي كلمات مخيفة ليسيطر على الضجة التي يحدثونها وينال منهم الصمت والهدوء ولو بالإكراه.
يملك المقدم حساً ساخراً يقوم على إبراز المفارقة الدرامية دون تكلف، كما يحرص على رسم الملامح الخارجية للشخصية بخطوط كاريكاتيرية عريضة، تشدك إلى الداخل بشفافية وتلقائية، كما هو الحال في شخصية سائق التاكسي في قصة «الشبح الآخر». إنها قصة تنطوي على مغامرة إبداعية، حيث تبدو كما لو كانت «تنويعة» جديدة على حكاية أو مقولة للكاتب العالمي الأشهر غابرييل غارثيا ماركيز. يقول المقدم فيما يشبه التقديم لقصته: في كتاب «نزوة القَص المُباركة» يحكي «ماركيز» هذه الحكاية: في أحد الأيام، في مدينة مكسيكو، خرجت من المكتب ورأيت سيارة تاكسي تتقدم وفيها زبون، ولكنها عندما اقتربت انتبهتُ إلى أنها خالية، وليس هناك أحد إلى جانب السائق مثلما ظننت في البدء. أشرت إلى السائق عندئذ بحركة متعجلة، فتوقف وصعدتُ إلى السيارة... راح الرجل المسكين يندب: «أترى، إنهم يلاحقونني، فالجميع يرون دوماً أن هناك أحداً بجانبي. في السابق كان ذلك يحدث في الليل فقط، أما الآن فإنه يحدث في النهار أيضاً. لم أعد أعرف ما علي عمله». رويتُ الحادثة للويس بونويل فقال لي: إنها بداية عظيمة ومن المؤسف أنها لا تنفع لأكثر من ذلك). هذه الحكاية التي رواها «ماركيز» ظلت تُلح على أنها تصلح لأكثر من ذلك.
ترى ما الذي فعله المقدم متخذاً من حكاية ماركيز أساساً يبنى عليه؟ سائق تاكسي مصري يشكو من وجود شبح هو الآخر يلازمه في الجلوس داحل السيارة فلا يستوقفه أحد باعتبار أن «زبوناً» معه بالفعل. الراوي لا يرى الشبح في البداية ومن ثم يشير للسائق الذي يحكي له طوال الطريق عن مغامرته مع الزبون المتوهم بينما الراوي لديه من المشاكل ما يكفيه. وتمضي القصة في المسافة المخاتلة بين الحقيقة والوهم حتى يتوه الخط الفاصل بينهما، بينما لا يقين سوى أن هموم وضغوط العصر ليست قادرة فقط على سحق البشر بل الأشباح أيضاً.
لم تكن تلك المرة الوحيدة التي «يشتبك» فيها حسام المقدم مع «ثيمة» عالمية مستلهماً وقائعها لينسج منها حكايته الخاصة في بيئة مصرية. إنه يكرر الأمر في القصة التي تحمل عنوان المجموعة. وتشير إلى فرناندو بوتيرو الفنان والنحّات الكولومبي المعروف بتمجيد البدانة، وتضخيم نسب وملامح الشخوص في معظم رسوماته ومنحوتاته أيضاً، بشكل يبدو متشابهاً ومُكرراً: سيدة بدينة تستحم، رجل عسكري بدين يحمل بندقية بدينة هي الأخرى! آخر يركب حصاناً أحمر أضخم منه، وثالث يطير من فوق حلبة سيرك رغم امتلاء جسده. كثيراً ما هوجم «بوتيرو» من النقّاد لاعتناقه تلك الثيمة في أعماله، وفي إحدى المرات عندما اشتد الهجوم عليه؛ ردّ بأنه «أكثر فناني كولومبيا وطنية وتمسكاً بالتراث».
لكن، كيف نسج حسام المقدم على منوال تلك الحقيقة التاريخية؟ تقول القصة: «ثمة فنان تشكيلي شاب يعاني ضيق الحال، يسكن في غرفة وحيدة فوق سطح إحدى العمارات غير أنه مهووس بالفنان الكولومبي. لا يبدأ يومه إلا بفنجان قهوة من «بن بوتيرو» وأقرب أصدقائه صاحب مقهى يحمل هو الآخر اسم «بوتيرو». الاثنان شديدا البدانة على غرار شخوص الفنان العالمي حتى القطة غريبة الأطوار التي تطارد بطل القصة الشاب هي الأخرى شديدة البدانة. وعلى عكس قصة «الشبح الآخر»، حيث يتلاشى الحد الفاصل بين الوهم والواقع، هنا يبرز هذا الحد بشكل واضح بين البدانة والنحافة.
إن الانطباع القوي الذي تحدثه قراءة تلك القصص المكتوبة بحرفية أننا أمام كاتب متمكن من أدواته، بارع في رسم شخصيات حية بأقل عدد من الكلمات، يمزج بين الفصحى والعامية المصرية المغوية بسلاسة كما أنه على دراية جيدة بمنجز فن القصة عربياً وعالمياً.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.