مصطفى سكوت... يسمع الذواقة نبضات القلب في كل قطعة حلوى

طاهي حلويات جزائري يتألق بعد فوزه في أولمبياد فرنسا

TT

مصطفى سكوت... يسمع الذواقة نبضات القلب في كل قطعة حلوى

طبقٌ يأخذ شكل تفاحة حمراء محشوة بمكوناتٍ عدة، خطرَ له أن يسميه «انفجار النكهات»، كان قد أبهر به الطاهي الجزائري مصطفى سكوت لجنة التحكيم في أثناء مشاركته في أولمبياد الحلويات بفرنسا عام 2017، ليظفر مع فريقه حينها ببطولة أفريقيا.
ويبدو بهلول مصطفى (اسمه الحقيقي) متفقاً مع مقولة الأميركية كرستينا توسي: «أحب الطهي لأنه يجعل تلك اللحظة في الحياة أحلى قليلاً».
على المستوى الدولي، لمع نجمه رغم حداثة سنه؛ ومن يرى ويتذوق حلواه سيقول فوراً «يا له من فنان». فبعد تفانيه لسنواتٍ طويلة في صناعة الحلويات، أدرك أن «الدهشة والفخامة تكمن في البساطة»... وها هو يعمل الآن في متجر رفيع المستوى في مدينة باريس، ويُسمع الذواقة نبضات القلب في كل قطعة.
يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن طفولته، قائلاً: «ظننت أن أمي كانت تتعمد تحضير الأطباق التي أحبها، ثم اكتشفت لاحقاً أني أحب كل الطعام الذي تلمسه أناملها، خاصة كعكة الليمون التي لطالما أسرتني؛ لقد رغبت دائماً في أن أكون إلى جانبها في أثناء تحضير المائدة، يا لها من أيام!»... يضحك بينما يستعيد تلك الذكريات كلما اجتمع مع عائلته ليحضر لهم أطباقاً وهرانية تقليدية تسافر بهم عبر الزمن.
وبلهجته الجزائرية، يخبرنا أن موهبته بدأت تتكشف في عمر المراهقة؛ كان ثمة شيء يشده إلى الحلويات، فيتحرق شوقاً إلى أن يبعثر الطحين كلما مر وقت طويل من دون تجريب وصفة جديدة. ويضيف: «كنت مميزاً عن سائر أقراني بلمستي الخاصة، لذا لقبني محيطي بـ(سكوت) Scott، ولم أتجه أبداً إلى التقليد، حتى عندما كنت مبتدئاً في الطبخ، ولحسن الحظ أني عملت في بداياتي مع طهاة محترفين فرنسيين وإيطاليين وأميركيين، كان زملائي يرون أن طريقتي في العمل وعشقي للطبخ تشبه أداءهم».
ومع ذلك، لم يكن الأمر وردياً، فقد نالته السخرية الجارحة ممن ظنوا أنه لا يصلح لعمل الطهي؛ تألم كثيراً، إلا أنه فاجأهم فيما بعد بما وصل إليه. ولم يكتفِ بموهبته، بل فضل أن يدرس أكاديمياً في الجزائر وفرنسا والمغرب، مردفاً بالقول: «أرى أن الدراسة تلعب دوراً فعالاً في صقل الطاهي، لكن الموهبة تنقله من مستوى عادي إلى فنانٍ ماهرٍ».
- اعمل تنجح
جهود عظيمة تُبذل حتى يفوز فريق عربي في محفلٍ دولي، يقول مصطفى سكوت إنه على مدار 7 أشهر خضع مع فريقه لتدريبات مكثفة، بالإضافة إلى 3 أشهر أخرى أمضوها في «تربص مغلق»، ويقصد بذلك ملازمة معسكر التدريب طيلة تلك الفترة، مستفيدين من دعم ونصائح طهاة مميزين، مثل الشيف المغربي كمال رحال.
ويذكر أن التأهل في الأولمبياد كان من أجمل ما حدث له في حياته المهنية، معقباً: «آمل أن نصل للعالمية، إن شاء الله؛ لدينا من العزيمة ما يكفي لتخطى كل الحواجز».
وبدوره، يقول للواعدين من الشباب «اعملوا بِجد، وكونوا لطفاء، وستحدث أشياء رائعة؛ أطلقوا أجنحة طاقاتكم تحلق في فضاء المطبخ الفسيح، هذه هي الطريقة الوحيدة (اعمل تنجح)، وما من طريقٍ مختصرٍ لاكتساب الخبرة؛ ستبزغ المعجزات لو تسلحتم بالإرادة، وآمنتم بقدراتكم، والأهم ألا تيأسوا».
يوماً ما ضحك أفراد عائلته بعد أن وقف ليخبرهم بنبرة واثقة: «سيأتي يوم ألتقي فيه بالشيف المصري أسامة السيد» الذي كان يُبث برنامجه وقتها في قناة «إم بي سي». وحقاً، بعد سنواتٍ، صادف الشيف أسامة ذات مساء في أحد المطارات.
فتح الله «أبواب الرزق» لمصطفى بعد هذا الفوز، فقد ذاع صيته في الجزائر وخارجها، إلى درجة أنه تلقى كثيراً من العروض المغرية من فنادق 5 نجوم، ورجال أعمال يرغبون بافتتاح مطاعم أو متاجر للحلويات والشوكولاتة.
وعن الفرص التي تلقفها بامتنان، يحكي لنا ابن الـ32 عاماً أن الحظ حالفه بالعمل في واحدٍ من أرقى مطاعم باريس، وهو «shirvan café métisse paris»، كما عمل في متجر بمدينة وهران «Muscovado»، وكانت له تجربة فريدة بالعمل في الكويت بشركة «Millesaveurs» و«for you».
وعلاوة على ما سبق، يعكف حالياً على تدشين متجر ومدرسة لتعليم الشباب الطهي في بلاده، مع العلم أنه بين الحين والآخر يعطي دروساً بالمجان لذوي الاحتياجات الخاصة. ويرى أن المشهد الطهوي في الجزائر يتطور باستمرار، على صعيد إنشاء المدارس التي تعنى بشؤون الطبخ، مما يتيح للشبان الطموحين المشاركة في مسابقات عالمية، وإحراز مراكز متقدمة، تبعاً لكلامه.
- مهنة الكرم هكذا تربح
ما من كأس شاي يلمح بسكويته اللطيف المُحضّر من الدقيق والزبدة والسكر إلا ويود أن يقفز من مكانه هاتفاً: «هلا رافقتني».
سألته عن الجانب الأصعب في عمله، وعن أحلى ما فيه... يفكر قليلاً في الإجابة، ثم يقول: «مرحلة إضفاء اللمسات الأخيرة أحبس فيها أنفاسي، أما الأجمل فحين أرى الزبون مسروراً من انضمامه إلى رحلة تذوقٍ ناعمةٍ».
أما مكونه المفضل الذي لا يستغني عنه رغم سعره الباهظ، فهو «الفانيلا الطبيعية»، ومصدرها مدغشقر.
يسافر مصطفى كثيراً من أجل نهل المعارف والخبرات، مستنيراً بمقولة «لا خير في رجل لا يجول». وفي كل بلد يتعلم شيئاً عن ثقافات الشعوب، وأسلوبهم في طهي المأكولات الشعبية، ساعياً إلى استقاء العادات الجميلة في تحضير الوصفات، ويعود محملاً بأطايب البهارات أو النباتات، موضحاً: «على سبيل المثال، دولة المغرب مشهورة بأطباقها التقليدية الغنية بالتوابل الطبيعية والأعشاب الصحية، مما يشجعني على شرائها، ومن أوروبا أجلب الفاكهة النادرة والأزهار الصالحة للأكل، في حين أنه تروق لي الفواكه الآسيوية في الشرق الأوسط، وأبرزها التين».
أطباقه معروفٌ عنها أنها صحية طبيعية متوازنة، ونسبة السكر والدهون فيها معقولة، عاملاً بوصية قيمة للشيف الفرنسي سبق أن قدمها له «لن تندم لو أعطيت الأولوية للمكونات العضوية (Luc debove)، لا سيما الفواكه الموسمية، مثل الليمون والتفاح... لا تفرط بها يا مصطفى، وإياك واستخدام المنكهات الصناعية».
وفي السياق نفسه، يواصل الحديث: «اللمسة المنشودة تتحقق بمكونٍ فيه شفاء للناس، لذا حاولت تكريم العسل الطبيعي بطبقٍ سميته (أنا أحب العسل)، ويعجبني مزج اللبن الرائب مع الليمون، وإضافة ملاعق من العسل».
وانطلاقاً من مقولة «الحلويات تعيد ابتكار نفسها، ولا بأس أحياناً ببعض الجرأة»، فإنه يحاول جاهداً في الحلويات التقليدية إجراء تغييرٍ يتناسب مع المزاج الغربي، مستشهداً بمثال البقلاوة، حيث يأخذ طبقات العجينة المورقة، وينكهها بعصير الليمون والبرتقال.
أما الشوكولاتة؛ فتعلم أصول سحرها في كلٍ من بلجيكا وفرنسا وقطر والمغرب، وعلى يد أفضل الخبراء. وهو لا ينفك عن دعوة «أصحاب الصنعة» إلى التفكير بخيارات متنوعة تنجح في جذب الزبائن إلى أطباق عصرية «بما أنه يندر أن نعثر على عملاء لديهم إخلاص لمتجر بعينه»، مستدركاً بقوله: «لكن لا بد أن نحذر من المبالغة في الجرأة بشأن دمج غير مستساغ لبعض المكونات، وتذكروا أنه لو زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده».
ويعد مصطفى من الطهاة الذين يشاركون أسرار المهنة مع غيرهم بلا تخوف، مؤكداً أن تبادل الخبرات حري به أن يكون متاحاً في الطبخ أكثر من أي مهنة أخرى. وقبل أن أتفوه بـ«لماذا»، استرسل في الحديث: «نحن تجار مرحٍ وسعادة، والكرم والعطاء من شمائلنا. ووفقاً لذلك، لا يليق أن نبخل بتبادل المعلومات المهمة فيما بيننا، تجارتنا لا يقاس عائدها بالمال، وإنما بغرس أثر جميل في حياة الآخرين».
فرنسا «عاصمة المعجنات العالمية»، ومن ثم إيطاليا، تشكلان هويته، وهؤلاء بعض صناع الحلويات الذين يلهمونه بالجودة والإبداع: Alain Ducasse، وPhilippe conticini، وpierre hermé.
ويختم حديثه بالقول: «الحمد لله، أنا راضٍ عما وصلت إليه؛ أصبحت أكثر هدوءاً وصبراً، وقدرة على العمل بروح الفريق، وما زال أمامي طريق طويل حتى أتعلم المزيد، وأفجر عشقي مرات تلو مرات. الناس عادة يعتقدون أن السعادة موجودة في قمة الجبل، لكن ألا يمكن أن نتذوقها في كل خطوة من الرحلة نحو القمة... هذا ما أسعى إليه».


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
TT

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)

في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)

هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.

وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.

طبق شهير نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام)

في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟

ديكورات تلفت الانظار والمهتمين بنشر صور المطاعم (إنستغرام)

هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)

الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.

فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.

تاباس أسماك (إنستغرام)

هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.

فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)cut out

أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.

ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.

«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)cut out

«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.

ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.

لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V

الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.

في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.

ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.