كميل طانيوس: الجائحة طوّرت تفكيري الإخراجي

وقَّع بكاميرته عدداً من الحفلات الفنية الافتراضية

TT

كميل طانيوس: الجائحة طوّرت تفكيري الإخراجي

قال المخرج اللبناني كميل طانيوس إن زمن الجائحة سرق منه أموراً كثيرة، كما أضاف إليه أشياء أخرى. وتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هي تجربة جديدة أفادتني على الصعيد المهني. فكونت عندي أفكاراً إخراجية متطورة غير مستهلكة، كما زادت من التحديات عندي. فالنجاح يستلزم الاستمرارية والتحديث بشكل دائم، وهو ما زودتني به تجربة العمل في زمن الجائحة. ومن ناحية أخرى سرقت مني الجائحة عروض عمل كنت أنوي القيام بها خارج لبنان. وكذلك دفعتني كغيري من الناس للالتزام بمبدأ الوقاية خير من ألف علاج. وصرت لا شعورياً أطبق التباعد الاجتماعي بشكل لافت أثناء عملي وفي حياتي العادية».
أشرف كميل طانيوس على عدد من الحفلات الفنية الافتراضية الرائجة في الفترة الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فوقَّع حفلات نجوى كرم، وجورج وسوف، وإليسا، ووائل كفوري. فهو يعد من المخرجين اللبنانيين القلائل الذين يجيدون تنفيذ حفلات المهرجانات واللوحات الاستعراضية، على الخشبة وفي الاستوديوهات التلفزيونية على حد سواء. وحالياً يستعد لإخراج حفلة افتراضية تقام في منطقة نهر الكلب الموازية لمدينة جونية الساحلية، وذلك بمناسبة عيد الجيش. ويعلق في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «في حفلة من هذا النوع يكون التحدي مختلفاً؛ لأن المخرج يحمل مسؤولية صورة مؤسسة رسمية. فأي خطأ يرتكبه خلال عمله ينعكس على المؤسسة التي حملته هذه المهمة. وكوني من محبي هذه المؤسسة وأحد أفرادها سابقاً، ولأنها تتمتع بقاعدة جماهيرية لا تشبه غيرها بين اللبنانيين، ألتزم بمعايير فنية وتقنية معينة. ففي الحفلات الفنية العادية يمكن للمخرج أن يكون مرتاحاً فيرتجل ما يراه مناسباً، ولكن في حفلة كهذه مطلوب مني معرفة كل شاردة وواردة ستحصل فيها، كي لا أرتكب أي خطأ ينعكس سلباً على المؤسسة التي أجلُّها وأحبها بشكل كبير. فلم أغب يوماً واحداً عن التحضيرات التي ترافقها منذ ثلاثة أسابيع حتى اليوم، كي لا أسمح لأي إرباك قد يطالعني بالصدفة». وعن التحديات التي واجهها في تنفيذ الحفلات الفنية الافتراضية، يقول: «المسؤولية حاضرة دائماً في أي عمل أقوم به صغيراً كان أو ضخماً. لقد سبق ونفذت حفلات مهرجانات جبيل وبعلبك وبيت الدين وغيرها. ولكن في الحفلات الافتراضية تتغير الأهداف، ويصبح المشاهد الهدف الأول والأخير. وهذا ما يتطلب مني جهداً إضافياً لاستقطابه ولشده إلى صورة لا يمل منها، فتكون كاميرتي عينه المتنقلة في أرجاء الحفل».
وعن الفرق الذي لمسه في أداء الفنانين الذين رافقهم في حفلاتهم الافتراضية، يقول: «التوتر والخوف يرافقان الفنان قبل الصعود على الخشبة، حتى في هذه الحفلات، ويرتفع منسوب الإحساس عنده. فنجوى كرم خافت من غياب الجمهور للوهلة الأولى؛ لا سيما وأنها معتادة على تفاعلهم المباشر في حفلاتها العادية. ولكن المشاهدين مدُّوها بتفاعل من نوع آخر أراحها وانعكس طرباً أصيلاً وإحساساً رفيع المستوى على أدائها الغنائي. أما المطرب جورج وسوف فيمكنني القول بأنه قدم في حفلته الافتراضية ما لم يستطع أن يحققه في حفلاته السابقة. فدرجة الطرب التي تملكته كانت عالية، فغنى بطريقة جميلة شدت جمهوره العريض». وعن حفلة الفنانة إليسا يقول: «أعتقد من تابع حفلة الفنانة إليسا لا بد من أن يكون قد لمس إحساسها الغنائي الدافئ الذي أجادته بشكل لافت. فحضورها طغى على الشاشة الافتراضية؛ لأنها كانت بغاية الشوق للقاء جمهورها الواسع».
ولكن ألا تعتقد أن هذا النوع من الحفلات يفيد بمكان ما المطرب نفسه؟ يرد كميل طانيوس: «هذا النوع من الحفلات ولَّد بين الفنانين تنافساً من نوع آخر لم يسبق أن شهدوه من قبل. فحثهم على الاجتهاد لتقديم الأفضل. كما تعلم بعضهم من حفلات بعض، كي يطوروا تلك التي تخصهم».
وعن رأيه في حفلة نانسي عجرم، يوضح المخرج اللبناني: «كانت حفلة رائعة تشبه نانسي، ولكنها تختلف عن تلك المباشرة التي أشرفت عليها شخصياً؛ إذ كانت مسجلة، والأمر نفسه يطبق على حفل مايا دياب. فالافتراضي المباشر أكثر صعوبة؛ لا سيما أنه لا توجد عمليات مونتاج وتصليحات متاحة فيها».
ويتحدث كميل طانيوس عن أسلوبه الإخراجي في الحفلات الافتراضية: «تتغير حركة الكاميرا بحيث تصبح أهدأ، فلا تتعب المشاهد وينفر منها. كما يجب أن تكون حساسة بدورها كي تستطيع نقل المشاعر التي يحملها الفنان نفسه. فالطاقة الإيجابية التي تعنون هذه الحفلات وتكون هدفنا الأهم، يجب أن يلمسها المشاهد عن قرب. فيشعر وكأنه يجلس على مقعد حجزه في قاعة مهرجانات. فنخرجه من عزلته في المنزل، ليصبح حاضراً معنا افتراضياً».
خبرة كميل طانيوس الطويلة في عالم إخراج الحفلات الفنية خزنت لديه دروساً كثيرة، كما يذكر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تعلمت كثيراً من مهنتي، ولكن الارتجال كان سيد الموقف في الحفلات الافتراضية. أما هدفي الأساسي فيها فكان تزويد المشاهد بحفنة من الفرح تنسيه همومه، وتعيد إلى سمعه متعة الموسيقى والغناء. فكل ما يمكن أن يقربني من المشاهد ويوصلني به اعتمدته في العمل الإخراجي الافتراضي. وهو ما دفعني للتفكير بطريقة مغايرة تماماً عن تلك التي نتبعها عادة في حفلات عادية. فالتحدي هنا يدور بيني وبين المشاهد في المرتبة الأولى، وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار، كي لا يمل ويغادر الحفل بكبسة زر. وهذا الأمر يشمل طريقة توزيع الصوت ولقطات الصورة وإحساس الفنان. فأتصور نفسي مكانه، لتبدأ رحلتي معه وكأني المشاهد نفسه». وعن رؤيته لصناعة البرامج التلفزيونية الترفيهية في المستقبل، يقول: «لا شك في أننا لمسنا صعوبة كبيرة يشهدها القطاع التلفزيوني في عملية صناعة وإنتاج هذا النوع من البرامج. لقد لمست عن قرب تنفيذ برامج ترفيهية من دون حضور جمهور، ففقدت نكهتها التي لا يمكن تعويضها. والقصة لا تنحصر بتصفيق حار وعدد كبير من الناس يحضرون في الاستوديو. فأجواء التفاعل بين المقدم وجمهوره المباشر تأخذنا إلى عالم حماسي نفتقده في البرامج المصورة في زمن التباعد الاجتماعي. وبرأيي أننا سنواجه صعوبات عديدة في عملية صناعة برامج ترفيهية وغيرها من قبل محطات التلفزة التي تعاني من انكماش كبير في إيراداتها المالية».
وعن أعماله وخططه المستقبلية يقول: «لم أمارس عملي يوماً من باب التجارة؛ بل من باب الهواية المطلقة. فلم أجلس يوماً وراء (ميكسر) الإخراج هادفاً إلى تحقيق الربح. صحيح أن مهنة الإخراج مربحة، ولكن في حال فقدت حماسي وشغفي بها فلن أستطيع ممارستها. وخططي المستقبلية تتعلق فقط بهوايتي هذه، وكيفية تطويرها نحو الأفضل. وأرى نفسي دائماً في هذا المكان. وعندما افتتحت مدرسة للقيام بورشات تطبيقية في عالم الإخراج كان هدفي إيصال حماسي هذا إلى الآخرين».



حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
TT

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

سادت حالة من الحزن في الوسطين الفني والرسمي المصري، إثر الإعلان عن وفاة الفنان نبيل الحلفاوي، ظهر الأحد، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

وكان الحلفاوي قد نُقل إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات، الثلاثاء الماضي، إثر تعرضه لوعكة صحية مفاجئة، وهو ما أشعل حالة من الدّعم والتضامن معه، عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي.

ونعى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الفنان الراحل، وقال في بيان: «كان الفقيد قامة فنية شامخة؛ إذ قدّم عبر سنوات إبداعه الطويلة أعمالاً فنية جادة، وساهم في تجسيد بطولات وطنية عظيمة، وتخليد شخوص مصرية حقيقية خالصة، وتظلّ أعماله ماثلة في وجدان المُشاهد المصري والعربي».

الفنان الراحل نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

وعبّر عددٌ من الفنانين والمشاهير عن صدمتهم من رحيل الحلفاوي. منهم الفنانة بشرى: «سنفتقدك جداً أيها المحترم المثقف الأستاذ»، مضيفة في منشور عبر «إنستغرام»: «هتوحشنا مواقفك اللي هتفضل محفورة في الذاكرة والتاريخ، الوداع لرجل نادرٍ في هذا الزمان».

وكتبت الفنانة حنان مطاوع: «رحل واحدٌ من أحب وأغلى الناس على قلبي، ربنا يرحمه ويصبّر قلب خالد ووليد وكل محبيه»، مرفقة التعليق بصورة تجمعها به عبر صفحتها على «إنستغرام».

الراحل مع أحفاده (حسابه على «إكس»)

وعدّ الناقد الفني طارق الشناوي الفنان الراحل بأنه «استعاد حضوره المكثف لدى الأجيال الجديدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد أن يتصدّر الترند في الكرة والسياسة والفن»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحلفاوي رغم موهبته اللافتة المدهشة وتربيته الفنية الرّاسخة من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، لم يُحقّق نجوميةَ الصف الأول أو البطل المطلق».

وعبر منصة «إكس»، علّق الإعلامي اللبناني نيشان قائلاً: «وداعاً للقدير نبيل الحلفاوي. أثرى الشاشة برقِي ودمَغ في قلوبنا. فقدنا قامة فنية مصرية عربية عظيمة».

ووصف الناقد الفني محمد عبد الرحمن الفنان الراحل بأنه «صاحب بصمة خاصة، عنوانها (السهل الممتنع) عبر أدوار أيقونية عدّة، خصوصاً على مستوى المسلسلات التلفزيونية التي برع في كثير منها»، لافتاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السينما خسرت الحلفاوي ولم تستفِد من موهبته الفذّة إلا في أعمال قليلة، أبرزها فيلم (الطريق إلى إيلات)».

حنان مطاوع مع الحلفاوي (حسابها على «إنستغرام»)

وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب الشعبي عام 1947، وفور تخرجه في كلية التجارة التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1970، ومن ثَمّ اتجه لاحقاً إلى التلفزيون، وقدّم أول أعماله من خلال المسلسل الديني الشهير «لا إله إلا الله» عام 1980.

ومن أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد» التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة والجدية المخيفة، بجانب مسلسل «غوايش» و«الزيني بركات» 1995، و«زيزينيا» 1997، و«دهشة» 2014، و«ونوس» 2016.

مع الراحل سعد أردش (حسابه على «إكس»)

وتُعدّ تجربته في فيلم «الطريق إلى إيلات» إنتاج 1994 الأشهر في مسيرته السينمائية، التي جسّد فيها دور قبطانٍ بحريّ في الجيش المصري «العقيد محمود» إبان «حرب الاستنزاف» بين مصر وإسرائيل.

وبسبب شهرة هذا الدور، أطلق عليه كثيرون لقب «قبطان تويتر» نظراً لنشاطه المكثف عبر موقع «إكس»، الذي عوّض غيابه عن الأضواء في السنوات الأخيرة، وتميّز فيه بدفاعه المستميت عن النادي الأهلي المصري، حتى إن البعض أطلق عليه «كبير مشجعي الأهلاوية».

نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

ووفق الناقد محمود عبد الشكور، فإن «مسيرة الحلفاوي اتّسمت بالجمع بين الموهبة والثقافة، مع دقة الاختيارات، وعدم اللهاث وراءَ أي دور لمجرد وجوده، وهو ما جعله يتميّز في الأدوار الوطنية وأدوار الشّر على حد سواء»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لم يَنل ما يستحق على مستوى التكريم الرسمي، لكن رصيده من المحبة في قلوب الملايين من جميع الأجيال ومن المحيط إلى الخليج هو التعويض الأجمل عن التكريم الرسمي»، وفق تعبيره.