تونس: 16 رئيس حكومة منذ الاستقلال بينهم 8 بعد بن علي

الحبيب بورقيبة  -  زين العابدين بن علي  -  محمد الغنوشي  -   الباجي قائد السبسي
الحبيب بورقيبة - زين العابدين بن علي - محمد الغنوشي - الباجي قائد السبسي
TT

تونس: 16 رئيس حكومة منذ الاستقلال بينهم 8 بعد بن علي

الحبيب بورقيبة  -  زين العابدين بن علي  -  محمد الغنوشي  -   الباجي قائد السبسي
الحبيب بورقيبة - زين العابدين بن علي - محمد الغنوشي - الباجي قائد السبسي

ترأس حكومات تونس منذ إعلان استقلالها عن فرنسا في مارس (آذار) 1956 ست عشرة شخصية، بينها ثمانية بعد إسقاط حكم زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011، هم:
- الحبيب بورقيبة
رئيس الحزب الدستوري في مرحلة الكفاح الوطني ضد فرنسا منذ 1934، وهو من مواليد مدينة المنستير في الساحل التونسي (150 كلم جنوب العاصمة تونس). ولقد ترأس بورقيبة الحكومة الأولى بعد الاستقلال حتى إعلان إلغاء النظام الملكي وقيام نظام جمهوري في 25 يوليو (تموز) 1957.
بورقيبة عيّن بعد 1957 مشرفين كبارا على الفريق الحكومي، إلا أنه لم يسند إلى أي منهم صفة «رئيس حكومة» إلى حدود 1969، من بينهم وزير الاقتصاد أحمد بن صالح الذي أسند إليه في الوقت نفسه حقائب الصحة والشؤون الاجتماعية والزراعة والتربية والتعليم. وتابع بورقيبة عملياً رئاسة مجلس الوزراء عبر اعتماد «نظام رئاسي» - أو رئاسوي - يكون فيه رئيس الجمهورية صاحب الصلاحيات العليا في الدولة.
- الباهي الأدغم
الأدغم من محافظة المنستير، مثل بورقيبة، وكان أحد رفاقه في الحركة الوطنية، وعينه أميناً عاماً للحزب بعد الاستقلال ثم في حقائب كثيرة. وبعدها عيّنه «وزيراً أول» عامي 1969 و1970، ثم عزله بعدما انتخب رئيسا لوفد جامعة الدول العربية مكلفاً بوقف حرب «أيلول الأسود» خلال سبتمبر (أيلول) 1970 في الأردن. إذ ظهر خلاف بينه وبين بورقيبة، الذي اتهمه بمحاولة « التغوّل» والبروز كزعيم سياسي عربي نجح في وقف النزاع الدموي الفلسطيني الأردني، وإنقاذ الزعيم ياسر عرفات من الموت.
- الهادي نويرة
نويرة، بدوره، من مواليد مدينة المنستير، وكان أحد رفاق بورقيبة في مرحلة الكفاح الوطني. وتولى بعد الاستقلال الإشراف على قطاعات اقتصادية ومالية، من بينها منصب محافظ البنك المركزي. ولقد ترأس الهادي نويرة الحكومة ما بين 1970 و1980، وحققت تونس في عهده نجاحا اقتصاديا كبيراً. وبدأت في آخر عهده تجربة الانفتاح الإعلامي والسياسي على المعارضة.
- محمد مزالي
ترأس محمد مزالي، وهو أيضاً من مدينة المنستير، الحكومة ما بين ربيع 1980 وصيف 1986، وهو مثقف وكاتب كبير سبق له أن شغل عدة حقائب بينها التربية والصحة. وتميز بكونه قاد مسار الاعتراف بتعدّد الأحزاب والنقابات، وبتطوير علاقات تونس الاقتصادية بالدول العربية والأفريقية.
- رشيد صفر
ترأس رشيد صفر الحكومة التونسية بين صيف 1986 وخريف 1987، وهو من مدينة المهدية السياحية، جنوب محافظة المنستير. صفر كان خبيراً اقتصادياً تولى قبل ترؤسه عدة حقائب حكومية اقتصادية واجتماعية، إلا أنه كان أساساً «وزيراً أول تكنوقراطياً»، بينما كان «الرجل القوي» يومذاك زين العابدين بن علي وزير الداخلية والأمن الوطني.
- زين العابدين بن علي
أيضاً بن علي من مواليد الساحل السياحي التونسي وتحديداً مدينة سوسة (130 كلم جنوب العاصمة تونس و20 كلم شمال مدينة المنستير موطن بورقيبة). ولقد ترأس بن علي آخر حكومة في عهد بورقيبة ما بين 2 أكتوبر (تشرين الأول) و7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1987 مع احتفاظه بحقيبة الداخلية والأمن، وهو ما أهّله ليقود عملية عزل بورقيبة وتسلّم الحكم حتى يناير 2011.
- الهادي البكّوش
البكّوش من أبناء مدينة سوسة السياحية، مثل بن علي. ولقد ترأس أول حكومة في عهد بن علي إلى سبتمبر 1989. وهو سياسي كبير تولى مسؤوليات سياسية وحزبية كبرى في الدولة إبّان عهد بورقيبة، ولعب دوراً كبيراً في الإطاحة به مع بن علي، لكن الأخير عزله بعد حديث عن «تضخّم دوره السياسي».
- حامد القروي
وأيضاً، القروي من مدينة سوسة مثل بن علي. ترأس القروي الحكومة ما بين سبتمبر 1989 وربيع 1999. وهو سياسي ورياضي من عائلة رجال أعمال كبار.
- محمد الغنوشي
الغنوشي شخصية أخرى من مدينة سوسة، مثل بن علي. وترأس الحكومة ما بين 1999 وفبراير (شباط) 2011. خبير اقتصادي شغل عدة حقائب اقتصادية قبل رئاسة الحكومة، كانت مسؤولياته أساساً اقتصادية وتقنية، بينما أسندت المسؤوليات السياسية بنسق أكبر لقصر قرطاج.
- الباجي قائد السبسي
من مواليد سيدي بوسعيد في ضواحي تونس العاصمة، وترأس الحكومة المؤقتة ما بين مارس (آذار) ونوفمبر 2011. كان قد تولّى عدة حقائب وزارية في عهد بورقيبة وبن علي، بينها الدفاع والداخلية والخارجية، إلى جانب رئاسة البرلمان. وكان قبل وفاته، في حقبة ما بعد بن علي، قد انتخب رئيساً للجمهورية.
- حمّادي الجبالي
مهندس من مدينة سوسة، مثل بن علي ورؤساء حكوماته وغالبية وزرائه. ترأس أول حكومة بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 بصفته أميناً عاماً لحزب «حركة النهضة» الفائز بالمرتبة الأولى، الذي تحالف مع حزبي مصطفى بن جعفر والمنصف المرزوقي اليساريين ضمن ما عرف بـ«الترويكا». واستقال في مارس 2013 بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد ودخول البلاد في أزمة سياسية.
- علي العريّض
من أبناء بلدة صغيرة في محافظة مدنين، على الحدود التونسية الليبية، وهو مهندس أول في الزراعة، لكن زوجته من مدينة سوسة. ترأس الحكومة ما بين مارس 2013 ويناير 2014 بعدما تولى حقيبة الداخلية والأمن لمدة سنة و 3 أشهر.
- المهدي جمعة
من مدينة المهدية في الساحل التونسي. ترأس حكومة « التكنوقراط» عام 2014 بعدما تولّى حقيبة الصناعة والطاقة في حكومة علي العريّض.
- الحبيب الصيد
من مدينة سوسة أيضاً، وهو مهندس زراعي تولى في عهد بن علي، ثم بعد 2011 عدة حقائب من بينها الزراعة والبيئة والداخلية. تولى رئاسة الحكومة بين مطلع 2015 إلى صيف 2016، ولقد أبعده قائد السبسي وعائلته بسبب خلافات مع النجل الأكبر للرئيس حافظ قائد السبسي والمقربين منه.
- يوسف الشاهد
الشاهد مهندس زراعي تولى رئاسة الحكومة لمدة 3 سنوات ونصف، من صيف 2016 إلى فبراير 2020. وهو من مدينة تونس العاصمة وتربطه علاقات عائلية مع الباجي قائد السبسي، لكنه دخل معه في خلاف بعد سنة من تعيينه. عمل مستشاراً اقتصادياً متعاوناً مع السفارة الأميركية في تونس، ثم صار وكيل وزارة للزراعة ووزيرا للحكم المحلي، أي التي تضم الإدارات المدنية في وزارة الداخلية.
- إلياس الفخفاخ
مهندس صناعي أصلاً من مدينة صفاقس، لكنه ولد بمدينة تونس العاصمة، وأشرف على عدة شركات خاصة قبل تعيينه وزيراً للسياحة، ثم المالية في حكومة «الترويكا» بين أواخر 2011 ومطلع 2014.
عين رئيسا للحكومة في فبراير 2020، واستقال من منصبه يوم 15 يوليو بعد تلويح 109 نواب في البرلمان بسحب الثقة منه.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».