سقراط ورغيف الخبز

TT

سقراط ورغيف الخبز

استطعت الحصول بطريقة لم يحن الوقت للكشف عنها، أن أطلع على وثيقة تلخص ما دار في لقاء بين سقراط وشاب من قادة الثورة المصرية. وهو اللقاء الذي تم منذ أكثر من ألفي عام.
أهلا بك يا عزيزي الشاب المصري الثائر.. هناك أشياء غامضة في مفردات ثورتكم أريد أن أستوضحها منك، اشرح لي ماذا تقصدون بالعيش؟ جميل.. هو الخبز.. وهو كما تعرف كل الناس مصنوع من القمح.. هذا القمح ستزرعونه أم تستوردونه من خارج البلاد.. أم تحصلون عليه مجانا من دول صديقة؟ وهو ما يتناقض مع البند الثالث من الشعار وهو كرامة إنسانية، بل ينسفه نسفا.. آه جميل، ستزرعونه أنتم، بمعنى أصح سيزرعه فلاحوكم.. فهل حكومتكم قادرة ماليا على أن تشتري منهم القمح بأسعار جيدة تضمن لهم ربحا حلالا طيبا؟ وهل الأرض التي ستزرع قمحا قادرة على تغطية احتياجاتكم أم أنكم في كل الأحوال ستستوردون كميات إضافية من الخارج؟.. أنا أعرف أنكم تعانون هذه الأيام من عجز شديد في الميزانية، فمن أين ستأتون بالعملة الصعبة لتسديد ثمن هذا القمح؟ آه.. ستعملون وتنتجون سلعا تصدرونها للغرب أو للدول العربية.. سلعا فائقة الجودة لكي يشتروها.. هذه السلع، هل ستنتجها مصانع القطاع العام؟ لا أريد منك إجابة عن هذا السؤال المحرج.. لأني أعرف أن القطاع العام في مصر دوره الحقيقي هو تعطيل عجلة الإنتاج، وحتى عندما ينتج سلعة ما فهي عاجزة عن منافسة مثيلاتها في أسواق العالم، حتى الآن وربما لعشرات السنين القادمة سيعجز أي مسؤول عن التحول إلى الاقتصاد الحر.. والآن تخيل معي أن الشاحنات الكبيرة أخذت تنقل هذا القمح من موانئ مصر، ألا يتطلب الأمر هنا تغطية أمنية شاملة لكل طرق مصر..؟ بعد ذلك سننتقل إلى نقطة مهمة..؟ أنتم تعانون من مشكلة تخزين.. ويقال إن العصافير تأكل جزءا كبيرا من القمح، وربما كانت إشاعة حكاية العصافير هذه تغطي سلوكا فاسدا عند بعض المسؤولين الذين يأكلون هذا القمح وليس العصافير.. وبذلك يصبح من المحتم الالتفات لمشكلة التخزين، وهو ما يتطلب حكومة قوية وحكما محليا رشيدا.. ويحتم وجود أجهزة رقابية قوية.. كما ترى يا عزيزي الشاب الثائر أن كل هذه العوامل تتطلب أكبر قدر من الهدوء في الشارع المصري، وأن وجود رغيف خبز صالح للأكل يرتبط ارتباطا وثيقا بعمل كل أجهزة الدولة في جو هادئ يخلو من التوتر.. أرى أنك غضبت من كلامي لأنه يحرمك من لذة التوتر الذي توفره لك الثورة.. لتعلم يا عزيزي أنه حتى العواصف الهوجاء العاتية تهدأ في نهاية الأمر.
اسمح لي أن أقول لك.. الثورة تحدث عندما تكف الحياة عن أن تكون طبيعية، وذلك بهدف الحصول على حياة طبيعية. أما إذا اعتنقنا فكرة أن الثورة مستمرة فهذا يمهد بالفعل لحدوث الفوضى، وهو المناخ الذي يحلم به كل متطرف إرهابي.. ولا أعتقد أنك وزملاءك ترغبون في ذلك.



التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
TT

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لوكالة «ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة غامرة. وقالت عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، البروفيسورة كاثرين هيمانز، لـ«بي بي سي»: «أحبُّ المجرّة البراقة والمتألِّقة بأضواء عيد الميلاد، كأنّ هذه ما كان عليه الكون وهو يبلغ من العمر 600 مليون عام فقط». تُظهر الصورة 10 كرات من النجوم بألوان مختلفة، تبدو مثل زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون. وهذه المرّة الأولى التي شاهد فيها العلماء كتلاً من النجوم تتجمَّع لتُشكل مجرّة مثل «درب التبانة»، فأطلقوا على المجرّة البعيدة اسم «اليراعة المتألّقة»، لتشابُهها أيضاً مع سرب من اليراعات متعدِّد اللون.

من مداره في الفضاء، من دون عوائق من الغلاف الجوّي للأرض، أظهر لنا أقوى تلسكوب على الإطلاق، مزيداً من المجرّات الأبعد، وبالتالي الأقدم؛ لكنها ليست مثل مجرّتنا في المراحل المُبكرة من التشكيل. ووفق الدكتورة لاميا ماولا، من كلية «ويليسلي» في ماساتشوستس، المُشاركة في قيادة البحث، فإنّ «البيانات الخاصة بما حدث في هذه المرحلة من الكون ضئيلة جداً». وأضافت: «هنا نُشاهد مجرّة وهي تتشكَّل حجراً بحجر. فالمجرّات التي نراها عادة حولنا تشكَّلت بالفعل، لذا فإنها المرّة الأولى التي نشهد فيها هذه العملية».

ووصفت البروفيسورة هيمانز، عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، والمستقلّة عن فريق البحث، الاكتشاف بأنه «رائع، ومهمّ علمياً وبالغ الاحتفاء»؛ وقالت: «مدهش أن يبني البشر منظاراً يتيح التطلُّع إلى الماضي البعيد جداً، فنرى هذه المراحل الوليدة جداً من المجرّة بطريقة احتفالية جميلة كهذه».

لغز الكون وعجائبه (ناسا)

وتختلف ألوان العناقيد النجمية باختلاف مراحل تكوينها، وفقاً للدكتورة ماولا: «إنها جميلة لأنّ الحياة الباكرة للمجرّة نشطة جداً. نجوم جديدة تولد، ونجوم ضخمة تموت، وكثير من الغاز والغبار حولها، وكثير من النيتروجين والأكسجين... بسبب الحالة التي هي فيها، تتراءى هذه الألوان الجميلة». عندما صادفت ماولا المجرّة، لم ترَ قط كتلاً من النجوم بمثل هذه الألوان الزاهية والمتنوّعة. قادها ذلك للاعتقاد بأنّ ثمة شيئاً مختلفاً حول هذا النظام، لذا تحقّقت من مدى بُعد ذلك. لدهشتها تبيَّن أنه يبعد أكثر من 13 مليار سنة ضوئية.

النور الآتي من «اليراعة المتألّقة» استغرق أكثر من 13 مليار سنة ليصل إلينا. صغير جداً وبعيد جداً، حدَّ أنه لم يكن بإمكان تلسكوب «جيمس ويب» رؤيته، لولا حظوظ المصادفة الكونية. وكان هناك تجمّع من المجرّات بين «اليراعة المتألّقة» وتلسكوب «جيمس ويب»، شوَّهت الزمكان لتمدُّد الضوء من المجرّة البعيدة، وتعمل بفعالية مثل عدسة مكبرة عملاقة.

يٌسمّي علماء الفلك هذه العملية «عدسة الجاذبية»، التي، في هذه الحالة، مكَّنت الباحث المُشارك الدكتور كارثيك أيير من جامعة «كولومبيا» في نيويورك، وأعضاء آخرين من الفريق، من أن يروا للمرّة الأولى، تفاصيل مذهلة لكيفية تكوُّن المجرّات الأولى مثل مجرتنا «درب التبانة». وقال: «إنها تأخذ الضوء الآتي من اليراعة وتثنيه وتضخّمه حتى نتمكن من رؤيته بتفاصيل رائعة».