برزت بوادر أزمة غير مسبوقة في العلاقات بين روسيا وجارتها الأقرب بيلاروسيا، على خلفية إعلان مينسك اعتقال عشرات المواطنين الروس بسبب الاشتباه بقيامهم بتحضيرات لزعزعة الوضع الداخلي في البلاد قبل أيام من حلول موعد انتخابات الرئاسة البيلاروسية. ورفض الكرملين الاتهامات، مشيراً إلى عدم توافر معلومات كاملة لدى موسكو عن طبيعة نشاط الموقوفين، بينما أكدت مصادر التحقيق في مينسك أن المجموعة تعمل في إطار ما يعرف باسم «جيش فاغنر» الذي يضم مرتزقة قاتلوا سابقاً في أوكرانيا وسوريا. وشكل الإعلان البيلاروسي عن اعتقال 33 مواطناً روسياً وإطلاق عمليات بحث واسعة للقبض على نحو مائتين آخرين، ضربة قوية إلى العلاقات بين الجارين الحليفين، واللذين تجمعهما معاهدة اتحاد ويعملان منذ سنوات على تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي بينهما. خصوصاً أن توقيت تفجير الأزمة قبل الانتخابات الرئاسية البيلاروسية المقررة بعد 10 أيام، حمل إشارات إلى ما وصف في سجل الاتهام «مسعى لزعزعة الأوضاع وتنظيم أعمال شغب واسعة النطاق بالتعاون مع بعض المعارضين البيلاروس»، وهو أمر إذا ثبتت صحته ستكون له انعكاسات واسعة على العلاقات الروسية – البيلاروسية، وفقاً لخبراء في موسكو.
وفور إعلان الأجهزة الأمنية البيلاروسية عن تنظيم عمليات الاعتقال وإطلاق التحقيقات، جمع رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو أعضاء مجلس الأمن في الجمهورية السوفياتية السابقة في اجتماع طارئ، استخدم خلاله عبارات قاسية وغير مسبوقة في العلاقة مع موسكو. وخاطب خلال الاجتماع رئيس جهاز «كي جي بي» البيلاروسي فاليري فاكولتشيك، طالباً منه إعداد «تقرير مفصل» عن الحادث، وزاد «أنا أنظر إلى رد فعل الروس. إنهم بالفعل يبتدعون الذرائع، يكادون يقولون إننا جلبناهم (المرتزقة) إلى هنا بأنفسنا تقريباً. من الواضح أن هذه وسيلة لتبرير النوايا القذرة بطريقة ما».
وزاد لوكاشينكو «كل شيء واضح للغاية. إذا كان هؤلاء مواطنين روساً وتم استجوابهم، فمن الضروري الاتصال فوراً بالهياكل ذات الصلة في الاتحاد الروسي لتوضيح ما يحدث». كما طلب من مكتب الإعلام التابع للرئاسة «العمل مع وسائل الإعلام الروسية، حتى لا تقوم كما يقول (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بدحرجة كرة الثلج، إذا ثبتت الاتهامات عليهم أن يخرجوا من هذا الوضع بكرامة، وإذا لم تثبت فلا بأس، ليست لدينا أهداف للتسرع في تشويه سمعة البلد القريب إلينا». وفي وقت لاحق، أوضح رئيس مجلس الأمن البيلاروسي، أندريه رافكوف، أنه تم خلال الاجتماع مناقشة عدد من القضايا في مجال الأمن القومي. وقال إن الروس المعتقلين ينتمون إلى شركة فاغنر العسكرية الخاصة. وزاد «العمل جار معهم، يتم استجواب المعتقلين».
ووصف رافكوف الوضع بأنه «حقيقة مزعجة للغاية»، مضيفاً «لأنه إذا تم نقل مقاتلي الشركة العسكرية الخاصة إلى مكان ما، عبر أراضي بيلاروسيا، فيجب أن تكون هناك تفسيرات معينة من خلال بعض الأجهزة الخاصة. لأن هذه مشكلة خطيرة للغاية». مضيفاً أن «مينسك لم تحصل على أي توضيحات لا من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ولا المخابرات الخارجية ولا من أي طرف أمني آخر».
اللافت أن مينسك قررت على الفور تعزيز التدابير على حدودها مع روسيا، علماً بأن اتفاقية الاتحاد تتيح لمواطني البلدين التنقل عبر الحدود بحرية. ما يعني أن التدابير الجديدة ستشكل انتكاسة قوية في إجراءات العبور. كما أعطى لوكاشينكو تعليمات للأجهزة الأمنية بتشديد الإجراءات لضمان «سلامة تنظيم الأحداث الجماهيرية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالحملة الانتخابية» في إشارة إلى تشديد القبضة الأمنية لمنع أي محاولات لزعزعة الوضع على أبواب الانتخابات المقبلة.
وكان لافتاً أيضاً أن أمين مجلس الأمن البيلاروسي أندريه رافكوف أعلن، أن «14 على الأقل من الموقوفين شاركوا في النزاع الأوكراني إلى جانب إقليمي دونيتسك ولوغانسك اللتين أعلنتا انفصالاً من جانب واحد». ودفع هذا التصريح أوكرانيا إلى الدخول على خط الأزمة، عبر إعلان مسؤولين في كييف أن السلطات الأوكرانية قد تطالب بيلاروسيا بتسليمها المحتجزين للتحقيق في قيامهم بأعمال إرهابية على أراضي أوكرانيا.
من جانبها، أعلنت لجنة التحقيقات البيلاروسية لوكالة أنباء «بيلتا» البيلاروسية، أن ثمة إثباتات ظهرت لدى التحقيقات بأن المعتقلين الروس على صلة بالسياسيين المعارضين سيرغي تيخانوفسكي ونيقولاي ستاكيفيتش اللذين سبق أن رفضت لجنة الانتخابات المركزية تسجيلهما كمرشحين في انتخابات الرئاسة المقبلة.
وأكدت لجنة التحقيقات رفع دعاوى قضائية ضد المعارضين المذكورين وأشخاص آخرين بتهمة التخطيط لتدبير أعمال شغب.
وقالت الوكالة الرسمية إن لدى سلطات مينسك تأكيدات بأن المعتقلين عناصر في مجموعة «فاغنر» الروسية العسكرية الخاصة.
وزادت أن «العناصر الروس» المعتقلين وصلوا مينسك ليلة 25/24 يوليو (تموز) ونزلوا في أحد الفنادق المحلية ثم انتقلوا في 27 يوليو إلى مصحة في محيط العاصمة، حيث تم اعتقالهم.
وبثت القناة البيلاروسية الأولى لقطات أظهرت اعتقال «المقاتلين الروس».
وفي أول رد فعل روسي، دحض الكرملين اتهامات مينسك بإرسال عناصر من شركة روسية عسكرية لزعزعة الاستقرار.
وشدد الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، على أن «المزاعم عن إرسال أي جهات في روسيا أي عناصر إلى بيلاروسيا بهدف زعزعة الاستقرار ليست سوى افتراءات»، مضيفا: «روسيا وبيلاروسيا شريكان في دولة الاتحاد وحليفتان، ولذلك لا يجوز أن يدور الحديث عن مثل هذه الأمور».
في الوقت نفسه، أكد بيسكوف أن حادث اعتقال السلطات البيلاروسية 32 مواطناً روسياً بدعوى أنهم عناصر من مجموعة «فاغنر» الروسية العسكرية الخاصة يتطلب توضيحات، معربا عن أمل موسكو في الحصول على معلومات «تساعد في الوصول إلى جوهر المشكلة والكشف عن سبب اعتقال هؤلاء المواطنين الروس وإطلاق السلطات البيلاروسية عملية للبحث عن 200 آخرين في أراضي البلاد».
ودعا المتحدث إلى توخي الحذر في التعامل مع آراء الخبراء حول أسباب اعتقال هؤلاء الروس، قائلا إن «موسكو لا تعرف سبب الحادث». لكن بيسكوف رفض في الوقت ذاته الإجابة عن أسئلة الصحافيين حول الاتهامات بانتماء المحتجزين إلى «مجموعة فاغنر»، وقال إنه «لا يملك معلومات عن أي شركات عسكرية خاصة» في روسيا.
فيما أكدت سفارة موسكو في مينسك عدم تلقيها إبلاغا رسميا حول اعتقال 32 مواطناً روسياً في البلاد.
وزادت في بيان: «طلبنا من الهيئات المختصة في بيلاروسيا تزويدنا بمعلومات رسمية حول الموضوع».
اعتقال عشرات الروس بتهمة {السعي إلى زعزعة الأوضاع» في بيلاروسيا
«مرتزقة فاغنر» يفجّرون أزمة بين موسكو ومينسك... والكرملين يرفض {الافتراءات}
اعتقال عشرات الروس بتهمة {السعي إلى زعزعة الأوضاع» في بيلاروسيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة