خيّم البؤس عشية عيد الأضحى المبارك على سكان دمشق بسبب القلق من الانتشار الواسع غير المعلن لفيروس «كورونا»، والفقر وارتفاع الأسعار مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، الأمر الذي جعل مظاهر التحضير للعيد شبه معدومة.
ورغم درجات الحرارة المرتفعة، توافد المواطنون إلى الأسواق، لكن لشراء حاجاتهم اليومية الضرورية وليس للتحضير للعيد. ويعرب رجل في العقد الخامس من العمر عن استغرابه لدى سؤاله عن تحضيراته لاستقبال العيد، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الأعياد بالنسبة لنا باتت من الماضي، نحن حالياً بالكاد ندبر ثمن الخبر وبعض الخضراوات ومستلزمات الأولاد الضرورية».
ويصل سعر الكيلو غرام الواحد من الحلويات إلى 15 ألف ليرة سورية وكذلك البرازق والغربية، بينما يصل سعر الكيلو غرام من المبرومة الجيدة ما بين 30 - 35 ألف.
ومنذ قرون، اعتاد الدمشقيون ممارسة طقوس خاصة بعيدي الفطر والأضحى، والاستعداد لاستقبالهما قبل أيام من قدومهما بإظهار الفرح وشراء الملابس الجديدة لأفراد العائلة كافة، وأنواع كثيرة من الحلويات والسكاكر، والتواصل خلالها مع الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران وتبادل التهاني بهما.
لكن استمرار الحرب منذ منتصف مارس 2011 وحتى الآن وما خلفته من ويلات ومآسٍ وفقر للناس، قضت على مظاهر الاحتفال بالعيد التي كانت سائدة في السابق.
ويقدر «البنك الدولي» أن 87 في المائة من السوريين في مناطق سيطرة الحكومة يعيشون تحت خط الفقر جراء الحرب. وجاءت موجة الغلاء التي تسببت بها الإجراءات الحكومية لمواجهة انتشار وباء «كوفيد - 19» وتفجر الخلاف بين الحكومة ورامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد وبدء الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ «قانون قيصر» لتفاقم أكثر من تردي الحياة المعيشية للناس، حيث يصل سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي حالياً إلى نحو 2200 بعدما كان قبل اندلاع الأحداث في سوريا التي دخلت عامها العاشر منتصف مارس (آذار) 2011 بين 45 و50 ليرة.
ويؤكد واقع الأسعار الحالية والمتعاملون مع السوق من مواطنين وباعة مفرق أن الأسعار تضاعفت ما بين 50 إلى 60 ضعفاً عما كانت عليه قبل الحرب، على حين بقي مرتب موظف الدرجة الأولى نحو 50 ألف ليرة سورية. ولم تؤدِ مبادرة بعض أصحاب محال الألبسة الجاهزة مع اقتراب العيد بعرض تنزيلات على أسعار الملابس، إلى دفع المواطنين للإقبال على الشراء بسبب تراجع قوتهم الشرائية إلى حد العدم.
ويقول لـ«الشرق الأوسط» صاحب محل للألبسة الجاهزة في وسط دمشق: «لم أرَ بحياتي أجواء عيد كهذه. عادة ما نرى البعض يقفون على واجهات المحال وينظرون إلى الموديلات الحديثة، ولكن حالياً حتى هذا الأمر بات خارج اهتمام الناس»، ويضيف: «الناس مغلوب على أمرها، فثمن بنطال وقميص وحذاء يعادل مرتب موظف لشهرين».
من جانبها، تقول سيدة أثناء وجودها في إحدى أسواق الألبسة الشعبية: «حتى من سوق الغلابة لم يعد باستطاعتنا أن نكسو أولادنا. الحياة كلها باتت مراراً بمرار».
وأكثر ما يلفت الانتباه في الأيام القليلة التي سبقت العيد هو الخوف الكامن في نفوس الناس من الإصابة بفيروس «كورونا»، مع الانفجار الحاصل غير المعلن رسمياً للتفشي الواسع للفيروس في مناطق سيطرة الحكومة. ويقول لـ«الشرق الأوسط» موظف في إحدى الشركات الخاصة: «حالياً العيد آخر ما يتم التفكير فيه. الناس تفكيرها حالياً ينصب على حماية نفسها من الفيروس. كل يوم إعلان رسمي عن إصابات ووفيات، وكل يوم هناك إصابات ووفيات غير معلن عنها وتفوق أعدادها عشرات المرات أعداد الإصابات والوفيات المعلن عنها رسمياً».
وحذر وزير الصحة نزار يازجي في تصريحات صحافية من زيادة ارتفاع الحصيلة المحلية لفيروس كورونا، وقال: «توسع انتشارها أفقياً وعمودياً قد ينذر بتفشٍّ أوسع في حال عدم الالتزام، والتهاون بالإجراءات الوقائية الفردية والمجتمعية»، لافتاً بعدم معرفة دقيقة عن أعداد الوفيات ويعزو السبب إلى: «يمكن أن تكون لعدم الإبلاغ عن حالات مرضية تعالج منزلياً والتأخر بطلب الاستشارة».
كما قررت الحكومة السورية منع صلاة عيد الأضحى في دمشق وريفها وإغلاق جميع صالات المناسبات، وكلفت جميع الوزارات باتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس.
الفقر والقلق يخيّمان على استعدادات الأضحى في دمشق
سكان العاصمة السورية يفتقدون عادات مارسوها لعقود
الفقر والقلق يخيّمان على استعدادات الأضحى في دمشق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة