هل جازف الرئيس التونسي باستبعاد مرشحي الأحزاب لرئاسة الحكومة؟

منتقدو المشيشي يقولون إنه لا يمتلك برنامجاً يدافع عنه ويفتقد الخبرة السياسية

الرئيس قيس سعيد خلال مراسيم تعيين المشيشي رئيس الحكومة المكلف (أ.ب)
الرئيس قيس سعيد خلال مراسيم تعيين المشيشي رئيس الحكومة المكلف (أ.ب)
TT

هل جازف الرئيس التونسي باستبعاد مرشحي الأحزاب لرئاسة الحكومة؟

الرئيس قيس سعيد خلال مراسيم تعيين المشيشي رئيس الحكومة المكلف (أ.ب)
الرئيس قيس سعيد خلال مراسيم تعيين المشيشي رئيس الحكومة المكلف (أ.ب)

من خلال تعيين شخصية مستقلة في منصب رئيس الوزراء، قام الرئيس التونسي قيس سعيّد بتهميش البرلمان والأحزاب، التي فقدت الكثير من مصداقيتها بسبب الخلافات السياسية المتواصلة، لكن ما فعله يعد، بحسب عدد من المراقبين، مجازفة في بلد لا يزال يتعين عليه توطيد الديمقراطية بعد عشر سنوات من سقوط الديكتاتورية.
وكلف السعيّد، وهو مستقل سياسياً أيضاً، وزير الداخلية المستقل هشام المشيشي بتشكيل الحكومة، مساء السبت، مستبعداً الأسماء التي اقترحتها الأحزاب الرئيسية. وأمام الترتيبات الحزبية غير الشفافة والصراعات المتواصلة على السلطة، التي شلت مجلس نواب الشعب، لقي قراره ترحيباً على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث احتفى الكثير من مستخدمي الإنترنت بخياره، وقالوا إنه فعل «عين الصواب» بتجاهل مقترحات الأحزاب. لكن البعض الآخر عارض هذه الخطوة، واعتبر القرار مجازفة غير محسوبة العواقب.
يقول سليم خراط، المسؤول عن مرصد «البوصلة» المستقل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن حركة النهضة، الحزب الرئيسي في البرلمان الذي دفع حكومة إلياس الفخفاخ إلى الاستقالة لتشكيل ائتلاف جديد أكثر ملاءمة له، «فقدت السيطرة» على الأمور.
لكن عضواً في حركة النهضة، الإسلامية التوجه، انتقد محاولة «شيطنة البرلمان»، محذراً من أنها ترقى إلى «قيادة البلاد نحو ديكتاتورية جديدة»، وهي تهمة ذات مغزى في بلد ما زال فيه عهد زين العابدين بن علي (1987 - 2011) ماثلاً في الأذهان.
من جهتها، كتبت صحيفة «لابرس» اليومية، عن أن الرئيس سعيد بقراره هذا سحب «البساط من تحت أقدام برلمان تسوده الفوضى».
والمشيشي، رجل قانون، سبق أن شغل منصب المستشار القانوني للرئيس بعد أن كان مسؤولاً في وزارات عدة، وعُين وزيراً للداخلية في نهاية فبراير (شباط) 2020 في حكومة الفخفاخ الذي قدم استقالته.
لكن إذا لم تحصل الحكومة الجديدة على ثقة النواب بحلول نهاية أغسطس (آب)، فقد يلجأ سعيّد إلى حل مجلس النواب المنتخب في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، والذي يتوقع أن يطرأ تعديل كبير على تشكيلته إذا نُظمت انتخابات جديدة، وفق استطلاعات الرأي.
وكانت تونس قد تبنت في 2014 بعد الثورة، التي أنهت الديكتاتورية في 2011، نظاماً مختلطاً يُنتخب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب في انتخابات عامة، مع إعطاء البرلمان صلاحيات واسعة، وهو نظام يتعرض باستمرار لانتقادات.
يقول المحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي، إن الرئيس نقل بقراره تونس «من نظام برلماني معتدل إلى نظام رئاسي، دون إجراء التغييرات اللازمة (في الدستور)، أو محاولة إقناع الأغلبية». مبرزاً أن سعيّد «يريد تغيير سياسة البلد، ويريد رئيس حكومة لا يعارضه».
ويرى الجورشي أن قرار الرئيس، مثل خطر حل مجلس النواب، «ستكون له انعكاسات خطيرة على استقرار الحياة السياسية، وهذا سيؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية» في بلد تضرر بالفعل جراء تداعيات وباء «كوفيد – 19».
واتفقت حركة النهضة (54 نائباً من أصل 217)، وحزب قلب تونس الليبرالي (27 مقعداً)، برئاسة رجل الأعمال نبيل القروي، الذي أوقف بتهمة غسل الأموال، على اسمي مرشحين مستقلين. وفي هذا السياق، يقول خراط، إن الرئيس فعل «جيداً بوضع الأحزاب في مكانها». مضيفاً أن نهج الرئيس، وتمشياً مع انتقاداته للسياسات الحزبية، يمنع «إجراء ترتيبات تصب في مصلحة قادة» الأحزاب، «التي قلما تعتمد النهج الديمقراطي»، و«ليس لها تمثيل واسع».
ومع ذلك، يبقى معرفة كيف سيتمكن المشيشي من حشد غالبية تمنحه الثقة في برلمان منقسم على نفسه، علماً بأنه ليس لديه برنامج يدافع عنه، ويمتلك القليل من الخبرة السياسية، بحسب منتقدي قرار سعيد.
وكرد فعل على قرار سعيد، قالت كل من حركة النهضة وقلب تونس، إنهما لا يعارضان من حيث المبدأ تعيين المشيشي، لكن من المتوقع أن تكون المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة شائكة. خاصة أنه ليس في يد الحزبين سوى القليل من الأوراق؛ ذلك أن تنظيم انتخابات مبكرة في نهاية 2020، بعد سنة من الانتخابات الأخيرة، قد يشهد تراجع تمثيل «النهضة» وتقدم أشد خصومها، الحزب الدستوري الحر. كما أنهما سيخاطران بزيادة العداء المتنامي لدى الرأي العام، الذي مل المهاترات السياسية التي تعوق الإصلاحات المنتظرة من أجل محاربة البطالة، وتحسين الخدمات العامة المتداعية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.