«كورونا» يكبل «الثورة»... تحركات خجولة وانكباب على تنظيم الصفوف

ترقب ولادة أحزاب جديدة وجبهة سياسية معارضة

مواطنون على كورنيش بيروت يوم الأحد (إ.ب.أ)
مواطنون على كورنيش بيروت يوم الأحد (إ.ب.أ)
TT

«كورونا» يكبل «الثورة»... تحركات خجولة وانكباب على تنظيم الصفوف

مواطنون على كورنيش بيروت يوم الأحد (إ.ب.أ)
مواطنون على كورنيش بيروت يوم الأحد (إ.ب.أ)

حط ناشطون في «انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)» اللبنانية، يوم أمس (الاثنين)، في وزارة العمل، لمطالبة الوزيرة لميا يمين بالاستقالة، احتجاجاً على ما قالوا إنه تلكؤ في التصدي لصرف آلاف العمال، وغياب الخطط العملية للتعامل مع المرحلة. وقبل وزارة العمل كانوا قد تحركوا باتجاه وزارة السياحة، لمطالبة الوزير بالاستقالة نتيجة تعرض مرافقيه للناشط واصف الحركة. كما اعتصموا أمام وزارة الاقتصاد احتجاجاً على الوضع المعيشي.
وقد باتت تحركات الناشطين منذ فترة خجولة، مقارنة بما كانت عليه عند اندلاع الانتفاضة قبل نحو 9 أشهر، إذ دفعت عوامل كثيرة مئات الآلاف الذين خرجوا إلى الشوارع في تلك الفترة إلى الانسحاب منها تباعاً. وقد كان فيروس «كورونا» سبباً رئيسياً وراء ذلك، خاصة بعدما فرضت الحكومة التعبئة العامة، ما أدى إلى إقفال البلد لفترة من الزمن. ومع ارتفاع أعداد المصابين بالفيروس مجدداً، وبشكل غير مسبوق، تتجه السلطات إلى فرض إجراءات مشددة جديدة ستعوق أي تجمعات واعتصامات كان يخطط لها الناشطون الذين يعولون على اندلاع موجة ثانية أكبر من الاحتجاجات الشعبية تطيح بالحكومة، مع انهيار سعر صرف الليرة، وارتفاع نسب البطالة والفقر، وتراجع كل الخدمات، خاصة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، إلى حدودها الدنيا.
وفي حين يقر معظم الناشطين بأن «كورونا» هو السبب الأبرز الذي يمنع عودة الحراك بقوة إلى الشارع، تتحدث الدكتورة حليمة قعقور، الناشطة في الحراك المدني الأستاذة الجامعية، عن مجموعة عوامل وأسباب تحول دون العودة إلى الساحات، رغم الظروف الحالية التي قد تشكل الأرضية المثلى لانتفاض اللبنانيين مجدداً، لافتة إلى أنه إلى جانب الإجراءات والتدابير التي يفرضها الوباء «فإن انشغال المواطن بتأمين لقمة العيش، في ظل التدهور الكبير الحاصل في الأوضاع المعيشية، يشكل سبباً رئيسياً وراء عدم التوجه من جديد إلى الساحات. أضف إليه نجاح قوى السلطة للأسف في التأثير على بعض المؤيدين، من خلال شيطنة الثورة وحملات الكذب والافتراء، من دون أن ننسى التهديد والقمع اللذين كان لهما أثر كبير على الناشطين، إضافة لانشغال الطلاب حالياً بالامتحانات».
وتقول قعقور لـ«الشرق الأوسط»: «على كل حال، تبين أن الشارع أصبح ورقة صعبة، إضافة إلى أنه ليس بالضرورة أن تستمر الثورة حصراً في الساحات التي يسهل خرقها»، وتابعت: «نحن اليوم ننكب على العمل التنظيمي لأننا نعي أننا نستطيع أن نكون من خلاله مؤثرين بشكل أكبر، في الوقت الذي لا نزال نسعى فيه لتوحيد المطالب وتنسيق العمل، من دون أن يكون لدينا هاجس توحيد الصفوف والمجموعات الذي دعت إليه قوى السلطة، وعلمنا منذ البدء أنه مجرد فخ... فما نمارسه في المجموعات الديمقراطية الداخلية، ونحن لا نطمح للسير على خطى أحزاب السلطة التي يتحكم بها وينطق باسمها زعيم واحد».
وتكشف قعقور أنه «خلال شهر ونصف تقريباً، سنشهد ولادة أحزاب جديدة من كنف الثورة، يكون لها مشروع اقتصادي وسياسي، على أن تكون الانتخابات النيابية المقبلة التي بدأنا نستعد لها محطة أساسية، إيماناً منا بأن التغيير يجب أن يحصل من خلال الآليات الدستورية المتوافرة، رغم ضعفها».
ومن جهته، يشدد الأمين العام لـ«الكتلة الوطنية»، بيار عيسى، على وجوب «التمييز بين الثورة التي هي عبارة عن حالة نفسية لدى الناس، ومشهد 17 أكتوبر (تشرين الأول) الذي كان أحد تجليات الثورة»، معتبراً أنه «بعكس ما يعتقده بعضهم، فهذه الحالة مستمرة، وتكبر نتيجة تفاقم الأوضاع على المستويات كافة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعمل اليوم على إنشاء جبهة سياسية تحمل طرحاً سياسياً، لتكون بمواجهة منظومة السلطة، على أن يشمل هذا الطرح نظام حوكمة جديداً، ونموذجاً اجتماعياً - اقتصادياً جديداً، إضافة لتموضع جيوسياسي جديد يؤمن الاستقرار للبلد. وبهذا، نقدم للناس بديلاً عن المنظومة الحالية، ليختاروا بينه وبينها، إن كان في الشارع أو من خلال الانتخابات النقابية النيابية وغيرها من الاستحقاقات».
ويشارك نزيه خلف الذي آثر الوجود في الخيم في ساحة الشهداء في الأشهر الأولى للانتفاضة، قبل قيام وزارة الداخلية بإجبار الناشطين على إزالة الخيم، في معظم النشاطات المستمرة التي تتخذ -كما يقول لـ«الشرق الأوسط»- أشكالاً مختلفة، متحدثاً عن «تحركات نوعية» غير معلنة طالت وزارات الاقتصاد والسياحة والعمل، كما مرج بسري.
ويوضح خلف أن «العمل الأهم الذي يحصل في المرحلة الراهنة هو على الصعيد القضائي، حيث تقدمنا بأكثر من إخبار، وقدمنا أكثر من ادعاء، سواء على حاكم مصرف لبنان أو على من يحتكرون المازوت، ونتابع غيرها كثيراً من الملفات»، خاتماً: «الثورة مستمرة، وبحركة دائمة، وإن كانت تختلف بالشكل».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.